سأفترض أن النظام تمكن من السيطرة على الغوطة بعد خمس سنوات من حصار سكانها وتدمير بناها، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين الذين يتجه القصف المريع إليهم، وتهجير آلاف المواطنين السنة إلى إدلب حيث الفخ الأخير، فما الذي سيفعله النظام في الغوطة؟ ومن سيملأ فراغها السكاني؟ أتوقع أن إيران تخطط لتحويل الغوطة إلى معسكرات إيرانية تحيط بالعاصمة من كل اتجاه، وستوطن “حزب الله” الشيعي السوري فيها، امتداداً إلى المناطق المقدسة- حيث مقام السيدة زينب التي يحرص الإيرانيون و”حزب الله” اللبناني ألا تسبى هذه المناطق مرتين !
لقد سبق أن سقطت بغداد بيد الصفويين، واستباحوا أهلها، ولكن حكمهم لم يدم سوى بضع سنوات، بقيت في ذاكرة الفرس، وصاروا يستمدون منها مشروعية تاريخية في استعادة سيطرتهم على العراق، وقد مكنهم من ذلك الاحتلال الأميركي الراهن الذي فوضهم بإدارة العراق، بينما تقوم روسيا اليوم بتمكينهم من احتلال سوريا، ويصمت الغرب كله عن سيطرة إيران على لبنان، وعن تدخلها المدمر لليمن، وبالطبع لم يعد غالبية العرب يأخذون التصريحات الغربية ضد التغول الإيراني في المنطقة على محمل الجد، وهم يرون كيف ساهم الغرب في كبح جماح التظاهرات الشعبية الإيرانية، ويرون غض الطرف عما ترتكبه إيران من مجازر في سوريا واليمن. وسيكون متوقعاً إنْ نجحت إيران وروسيا في إبادة الغوطة أن يتوجه العدوان إلى الجنوب في درعا، لإخضاعها للنظام الذي هو وحده من يطمئن إليه الفرس والروس، وهو وحده من يمنحهم شرعية التدخل العسكري، ولن تكون معركة الجنوب سهلة.
ومع انطلاق الحملة الوحشية المستجدة على الغوطة، بدأت روسيا تنذر مناطق خفض التصعيد في الرستن وريف حمص، وتدعوهم للاستسلام للنظام، وتعلن لهم في محادثات خاصة أنها لم تعد معنية بالاتفاقية، بل إنها بدأت تهددهم إنْ لم يستجيبوا، وقد أصروا على الصمود.
لقد انهارت اتفاقيات آستانة بعد مؤتمر “سوتشي”، حيث شعرت روسيا بصعوبة أن تفرض الحل السياسي على النحو الذي كانت تخطط له، بما يضمن بقاء الأسد عبر دستور جديد أو معدل، وعبر انتخابات تضمن فوز الأسد بها، و يبدو أن بوتين تمكن من إقناع الرئيس ترامب بأن خطته ستنجح، وأنه قبلَ أن يخوض الانتخابات الروسية سيعلن النصر السياسي كما سبق أن أعلن النصر العسكري في حيميم، لكن الإدارة الأميركية مع الأوروبيين سارعت لإطلاق ما سمته ( اللاورقة ) رغم كونها لاتختلف في تفاصيلها عن مخرجات سوتشي إلا أنها من وجهة نظر موقعيها، تقطع الطريق على الوقوع مستقبلاً في حكم ديكتاتوري عبر تكبيل صلاحيات الرئيس، ولكنها تخلو من الإشارة إلى الأسد تحديداً، والسوريون يعرفون شمس بلادهم، ولايثقون إطلاقاً بإمكانية ترويض الأسد، ويبدو أن من وضعوا هذه اللاورقة لم يقدموها بوصفها مضادة للخطة الروسية، ولكن روسيا تدرك ما يعنيه ذلك من إعاقة لمشروعها، لذلك سارعت إلى الملف السياسي كله في وجه الأمم المتحدة (وهي ضامنة لقدرتها على التعطيل بقوة الفيتو)، وتفرغ بوتين لمتابعة الحسم العسكري حسب خطة إيران والأسد، وعلى غرار ما فعلوا في حلب.
ويبقى السؤال: هل ينجح المخطط الإيراني- الروسي في دعم النظام لاستعادة الغوطة وأرياف حمص وحماه ودرعا؟ وهل يتمكن النظام من استعادة ثلاث محافظات كبرى في الشمال والشرق السوري، وكم ستكون كلفة ذلك من الضحايا؟ وهل سيقبل الانفصاليون من الأكراد والمعارضون الكرد السوريون الوطنيون بالعودة إلى حضن النظام؟ وهل سيخرج الأتراك من إدلب ليسلموها هدية للأسد؟
لقد بدا واضحاً للعالم كله أن الشعب السوري الذي تعرض لأخطر محنة فاجعة في التاريخ المعاصر، يفضل التشرد أو الموت غرقاً أو تحت الأنقاض على أن يعود إلى سلطة متوحشة دمرته، وأخرجت ضده من عفن التاريخ أبشعه، وهي تمارس اليوم في الغوطة ما يجعل البشرية مدانة على صمتها.
المصدر: الاتحاد