الثورة السورية ومستقبل الإصلاح السياسي:
2018-03-31
المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
شهد الوطن العربي وبالأخص المشرق العربي في أواخر 2010 وبداية 2011 موجة من الاحتجاجات والحركات الشعبية الرافضة للوضع القائم،والطامحة للتغيير نحول الأفضل،والقضاء على الأنظمة المستبدة الطامسة للحقوق الفردية والجماعية،لتفتح الطريق أمام أنظمة ديمقراطية تنادي بمبادئ حقوق الإنسان.ومن هذه الدول التي عايشت هذا الوضع نخص بالذكر سوريا التي كانت بداياتها احتجاجات سلمية في مارس 2011 ذات أبعاد اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية مطالبة بتحسين مستوى معيشة وكذا المطالبة برحيل النظام ،ليتطور الوضع فيما بعد إلى مواجهات عنيفة بين المؤيدين والمعارضين، دون نسيان دور النظام الذي استخدم كل أنواع العنف لإخماد الثورة، هذا ما فتح الطريق أمام المتطرفين والمتشددين ب لاستغلال الوضع القائم وإشعال نار الفتنة بين أفراد الشعب الواحد، فأصبحنا نتحدث عن حرب عصابات في سوريا، عن حرف أهلية دموية بين مختلف الطوائف، سوريا الآن تعيش أزمة قد تتحول إلى صراع مزمن لا مخرج منه، لذا فالوضع يفرض إحدى الخيارين:
الأول:خروج النظام من السلطة والقيام بانتخابات حرة نزيهة، يتم بعدها وضع خطط إستراتيجية للإصلاح السياسي وترسيخ مبادئ الديمقراطية على المدى البعيد. مع العلم أن الإصلاح يتطلب المشاركة الفعلية في الحياة السياسية كخطوة أولى نحو الديمقراطية.أما الخيار الثاني:
بقاء النظام على حاله واستمرار الأزمة وفشل كل المفاوضات،ما يفتح الطريق للتدخل الأجنبي وبالتالي خرق سيادة الدولة، فالمعنى الظاهر لهذا التدخل الإنساني هو التحكم في الأوضاع حتى لا يتفاقم الأمر للأسوأ، لكن الحقيقة عكس ذلك فكما شاهدنا في حالة ليبيا وإن اختلفت عن حالة سوريا من حيث غنا ليبيا بالنفط والتدخل كان لأطماع اقتصادية، فليبيا الآن تعيش حالة مزرية أسوأ مما كانت تعيشها خلال حكم الرئيس الراحل القذافي.
منطقة الشرق الأوسط(حسب الطرح الغربي) هي منطقة تشهد ومنذ قرون عدة تطورا وتقسيمات عاشتها في فترات الاستعمار،وباتت تعيشها في صورة صراعات إستراتيجية بين قوى الإقليمية ودولية لأجل توسيع النفوذ،خاصة في ظل الفترة الراهنة التي تعيشها المنطقة وما عرف بالحراك العربي شهدت نوع من تغيير في موازين القوى فنجد على الساحة كل من تركيا وإيران والمنافسة الفعلية لتحقيق الزعامة، ما يهدد المصالح الإسرائيلية الديمقراطية الوحيدة في المنطقة حسب الطرح الغربي، وتراجع للدور الأمريكي والروسي. لكن دائما الواقع يكون في الحقيقة غير ذلك فربما هي إستراتيجية جديدة تتبعها القوى الكبرى لتشتيت الفكر العربي، وخلق بؤر توتر بين الشعوب، إذ أصبحت كل وسائل الإعلام تتحدث عن القوة الإيرانية النووية الصاعدة حتى وإن شهدت المرحلة، الأخيرة تقارب إيراني-أمريكي مفاجئ على إثر المفاوضات الجديدة، ومن الجانب الآخر الحديث عن الدبلوماسية التركية الذكية في تعاملها مع كل التغيرات.فالأزمة السورية ليست فقط ثورة كرامة ذات أبعاد إصلاحية،وإنما هي ذات أبعاد إقليمية ودولية أو الصراع الجيو إستراتيجي والجيو سياسي على مستقبل المنطقة.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في التركيز على الجوانب المختلفة للأزمة السورية التي تعتبر بمختلف تطوراتها أزمة مجتمعية ذات صدى عالمي، كشفت عن ديناميكية جديدة للعابين جدد في المنطقة، وكيف كان ردود الأفعال الإقليمية والدولية من الثورة، لذا كان الهدف من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على الثورة السورية وأهم الأسباب الدافعة لها، وكذا للتعرف على حقيقة النظام الذي وصل للسلطة منذ عام 2000،والتطرق لإستراتيجياته المتبعة لمسايرة الوضع. والنقطة الأهم أيضا محاولة وضع دراسة إستشرافية لواقع سوريا بعد نظام الأسد، سيناريوهات سقوط النظام ،المرحلة الانتقالية و مميزاتها.
المشكلة البحثية:
يقودنا هذا الانفجار الاجتماعي الداخلي لإشكالية تتداخل فيها عدة عوامل وحقائق فمن جهة الحديث بناء دولة جديدة تتحقق فيها كل شروط الإصلاح والدمقرطة، في ظل مقاومة النظام القائم ومواجهة المؤيدين له ومحاولة توحيد الرأي العام والانتقال إلى سوريا الحرة، بعيدا عن أجواء الأزمة والصراعات الدموية، هذا من جهة ومن جهة أخرى تداعيات هذه الأزمة على مصالح القوى الإقليمية والدولية،لذا فالمشكلة المراد طرحها هنا هي:إلى مدى يمكن الحديث عن إصلاح سياسي في سوريا؟ وكيف يمكن تحديد مستقبل المرحلة الانتقالية؟وما هي التداعيات المحتملة للثورة السورية إقليميا ودوليا؟
التساؤلات الفرعية:
ما هي جذور الأزمة السورية؟وما هي أسبابها وخصائصها؟
ما هي الإستراتيجيات المتبعة من قبل النظام لمواجهة الثورة؟
ما هي السمات الرئيسية للمرحلة الانتقالية؟
ما هي أهم المواقف الإقليمية والدولية من الثورة السورية؟
ما هي الانعكاسات المحتملة للثورة السورية على مصالح ومكاسب القوة الإقليمية والدولية؟
فرضيات الدراسة:
يتخذ التغيير منحى عنيف نتيجة لضغوطات متراكمة عبر الزمن ما يعبر بحد ذاته عن تراكمات مطلبية شعبية ذات بعد طائفي إثني.
ينقص الولاء للنظام السياسي القائم نتيجة الاستبداد وهذا ما يؤدي بالضرورة للعصيان والتمرد على الوضع القائم
مستقبل المرحلة الانتقالية تابع لطبيعة إستراتيجية النظام القديم المتبعة والنتيجة هي تعبير عن وضع جديد أو استمرار للنظام القديم بإصلاحات جديدة.
الموقع الإستراتيجي المهم للدولة التي تشهد الحالة الثورية يلعب دور في تحديد مستقبل اللعبة السياسية والصراع الجيو إستراتيجي للقوى الكبرى.
الإطار المنهجي:
المنهج التاريخي أو المنهج الإستردادي:وذلك لتتبع المحطات التاريخية السابقة للظاهرة محل الدراسة، من خلال تتبع جذور الأزمة السورية والأسباب الكامنة وراء اندلاع الثورة في مارس 2011، وتتبع المستجدات على الساحة السورية حتى الوقت الحالي.
منهج تحليل المضمون: وذلك من خلال تحليل مواقف مختلف الدول الإقليمية والدولية من الثورة السورية،وكذا تحليل الخطابات التي تروج لمخاطر انعكاسات الأزمة السورية على مصالح القوى الكبرى في المنطقة ، ولتحليل الرسوم البيانية التي تضمنتها الدراسة .
المحور الأول:المقاربة المفاهيمية للثورة والإصلاح السياسي
1. ماهية الثورة
الثورة لغة:
[الثورة] مؤنث الثور،الهيجان،الضجة،القيام على السلطة.[الثائر] فيقال ثار ثائر أي غضب،[الثائرة]الضجة والشغب ج ثوائر .
الثورة اصطلاحا:
استخدم المؤرخون العرب القدماء بدل الثورة كلمة “خروج” وهي الخروج لطلب الحق ودفع الظلم، وليس خروجا على الجماعة ولا على السلطان، فهو الخروج إلى الميدان أو المجال العام، بمعنى مغادرة حالة عدم الرضا في الحيز الخاص، ونقلها إلى الحيز العام.وبالتالي فالفرق بين الشكوى والفعل السياسي هو كالفرق بين القعود والخروج، أي خروج على الشرعية القائمة، إذ يحمل معنى القوة والعنف لأنه يخرق ما يحمي هذه القوانين والأعراف من بنى وأدوات .
وهناك من يرى بأن الثورة مصطلح فلكي اكتسب أهميته المتزايدة من خلال “كوبرنيكوس في كتابه De Revolutionibus Orbium Coelestium أنها في هذا الاستخدام العلمي قد احتفظت بمعناها اللاتيني الدقيق،مظهره بوضوح الحركة الاعتيادية الدائرية للنجوم.وبما أن ذلك خارج تأثير الإنسان وبالتالي هو لا يقاوم،فإن تلك الحركة لم تتصف بالجدة ولا بالعنف،فالكلمة تشير إلى حركة دائرية متكررة،فهي ترجمة لاتينية لمصطل وضعه “بوليبيوس” وكان أصله قد نشأ في علم الفلك واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة،فإذا استخدمت للتعبير عن شؤون البشر على الأرض،بمعنى أن أشكال الحكومة القليلة المعروفة تدور بين البشر الفاني بتكرار أزلي،أي ليس هناك ما هو أبعد من المعنى الأصلي لكلمة ثورة إلا الفكرة التي سيطرت على الثوريين وهي:”أنهم وكلاء في عملية تقضي والنهاية المؤكدة على عالم قديم وتأتي بميلاد عالم جديد” .
ومن المفكرين الذين تناولوا مفهوم الثروة نجد:
عرف صمويل هنتنجتون الثورة بأنها :”تغيير داخلي عنيف وسريع في نظام القيم السائد والمؤسسات السياسية، والأبنية الاجتماعية، والنشاط الحكومي والقيادات “.و عرفتها عالمة الاجتماع “ثيدا سكوكبول” بأنها: “تحول سريع وأساسي في حالة مجتمع ما وهياكله الطبقية، وهو يتوافق مع تمردات طبقية من أعلى المستويات، وهي تنجز جزئيا هذا التحول،كما عرفها آخرون بأنها:انتقال للسلطة السياسية من فئة قليلة إلى جماهير الشعب، نتيجة لحركة اجتماعية عنيفة تنمو بفضل توترات تحدث داخل النظام السياسي .
ض
بينما عرف “بيتريم سروكين” التغيير الثوري بأنه:« تغيير مفاجئ وسريع وعنيف نسبيا،للقانون الرسمي البالي للجماعة أو المؤسسات ولنظام القيم التي تمثلها،حيث ميز بين “ثورة سياسية” تحاول تغيير الطبقة الحاكمة والحكومة،و”ثورة اقتصادية” تحاول إجراء تغيير عنيف في النظام الاقتصادي،فالثورة التي تحاول تغيير كل المؤسسات والقيم الهامة للجماعة هي ثورة شاملة» .
ومن هذه التعريفات يمكن القول بأن الثورة هي حدث عشوائي غير منظم، تحدث بشكل مفاجئ بهدف إحداث التغيير الجدري في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بهدف القضاء على الاستبداد،إذ تنتقل فيه السلطة من فئة قليلة مهيمنة، إلى عامة الناس ليصبح القرار الأخير بيد الشعب، وبالتالي التحول إلى الديمقراطية وحكم الشعب.
وفي نفس السياق سنتطرق لمجموعة من أسباب المؤدية لحدوث الثورات أو كما عبر عنها “كران برينتون”ب مقدمات الثورة والتي تتمثل في :
– اشتداد الصراعات الطبقية.
– أزمة شرعية السلطة السياسية التي تثير تحولا في ولاء المثقفين، وهنا يمكن تمييز ثلاث فترات :
الأولى: تحاول الحكومة استعمال القوة لمقاومة المطالب، لكنها تفشل لضعفها الراجع لأسباب سياسية ومالية.
الثانية:تعود السلطة لثوريين معتدلين يجدون أنفسهم مرفوضين بشكل مزدوج:من قطاعات أكثر محافظة، وقطاعات أكثر راديكالية من الرأي العام.
الثالثة: التفوق المطلق للثوريين الأكثر تصلبا، الذين يمارسون سلطة ديكتاتورية،وتنتهي بمحاولة لتوطيد نفسها، وهو ما يعرف برد الفعل التيرميدوري.
وفيما يلي منحنى لمحاولة تفسير أسباب أو دوافع السيرورة الثورية:
المنحنى يمثل النموذج النفسي الاجتماعي المعبر عن حالة الكبت الذاتي لتفسير انطلاق السيرورة الثورية، والذي يمكن اعتباره كشرح تبسيطي لمحتوى هذا الشكل،وفي هذا السياق يرى “جيمس دايغز James Daiggs” : أن للثورة الحظ الأوفر في الحدوث عندما تتلو مرحلة طويلة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي مرحلة قصيرة من الانقلاب الحاد الذي تتسع بسرعة أمامه الهوة بين التوقعات والمكافآت، وتصبح لا تحتمل، وحينذاك يبحث الكبت الذي ينجم عنها وعندما يمتد بشكل واسع في المجتمع عن أساليب تعبير في العمل العنيف” .
بمعنى أن الثورة أو الانقلاب الحاد يحدث نتيجة عوامل نفسية متمثلة أساسا في الكبت الذي يتحول مع مرور الزمن والذي تغذيه بصفة أكبر الحاجات الاجتماعية،ليست البسيطة فقط المتمثلة في أبسط حقوق المعيشة وإنما الطموح لحياة أفضل ورفاه اجتماعي واقتصادي، وهذا ربما يكون نتيجة عملية عكسية هي أن النظام السياسي يشهد حالة من النمو والتقدم لكن في الوقت ذاته تكون استجاباته للمطالب المجتمعية ضئيلة جدا، ما يشكل حالة نفسية خطيرة تقود إلى العنف والتمرد.
الثورة و بعض المصطلحات ذات العلاقة بها:
• الربيع العربي:
هو مصطلح تم استخدامه منذ مطلع عام 2011 ويعني الثورات والاحتجاجات السلمية التي قامت لأسباب عديدة أبرزها الركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية، إضافة إلى التضييق السياسي والظلم والاستبداد.وما يميز الربيع العربي أنه طال كل فئات الشعوب الغنية والفقيرة، فالشباب الثائر يسعى لإصلاح النظام السياسي وتحسين ظروف المعيشة . فالربيع العربي مصطلح استخدم للدلالة على نفس اتجاه الثورة ولكن بطريقة أكثر تفاؤلا للخروج من الظلم والاستبداد نحو حياة أكثر استقرارا ورفاهية.
• الحركات الاحتجاجية:
هي نسق اجتماعي متوتر،ينتج عن انحراف مسار اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي،فإما أن تتراجع،
أو أن تظهر في المجال العام، ومنه فالثورة ترتكز معرفيا على ثلاث خصائص: الفجائية والعمق والشمولية، لذا يجب التفريق بين الثورة التي تطيح بنظام قائم، و بين الاحتجاج باعتباره فعلا معدلا يعبر عن نفسه في الشارع، ليعيد الاعتبار للرأي العام، فهو فعل سياسي ثوري يحدث أمام مؤسسات ترمز إلى السلطة ، بهدف استرجاع الشرعية الاجتماعية أو الكرامة الإنسانية بعيدا عن الاحتكار والاحتقار وهذا ما عبر عنه بيير بورديو Pierre Bourdieu:” أن أقسى السلطات وأقصاها أن تنزع عن الذات البشرية إنسانيتها، أي أن تنكر عليها الاعتراف فتحقر وتحقر”. بينما الثورة محصلة حتمية لشروط اجتماعية .
• التحول السياسي:
يعرفه “تشارلز أندريان” بأنه:”التغير بين النظم”،بمعنى حدوث تغير جزئي أو كلي في الأبعاد الأساسية الثلاثة في النظام وهي: البعد الثقافي، البعد الهيكلي، والسياسات، أي قصور في تنفيذ التغيرات بأبعادها الثلاثة أي قصور في التحول وبقاء النظام القديم على ما هو عليه،أو خروج نظام مليء بالتناقضات .
وهناك بعض المقاربات النظرية التي حاولت تفسير التحول السياسي نجد منها :
النظرية البنيوية: ترى بأن التنمية الرأسمالية هي السبب في التحول السياسي، وليس مبادرات النخبة الحاكمة، ما يؤدي لتضخم طموحات الطبقة المتوسطة لتقاسم السلطة، واللجوء للحراك كمحفز لعملية التغيير التي تستغرق فترة طويلة لكن ليس بشرط حدوث التحول إلى الديمقراطية وإنما نماذج أخرى من الحكم
نظرية النخبة:والتي ترى بأن قرارات التحول تتخذها نخبة سياسية تصل إلى الحكم وتؤمن بمبادئ التعدد والحرية.
نظرية الإحباط:التغيير يحدث نتيجة شعور الجماهير بالإحباط وعدم الرضا من الفرد والجماعة بالأحوال الاجتماعية والسياسية والرغبة في تحسين الوضع القائم.
والعلاقة التي تتحدد من خلال مفهومي الثورة والتحول في أن الرحلة التي تقطعها القوى الثورية من لحظة توقف الفعل الثوري وانهيار النظام التسلطي والانتهاء من بناء النظام الجديد تسمى في الأدبيات السياسية ب:”التحول” .
2. ماهية الإصلاح السياسي:
الإصلاح لغة:
أصلح:يصلح،أصلح،إصلاحا،الشيء أزال فساده-بين القوم، وفق بينهم،قال تعالى:«ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس» .
الإصلاح إصلاحا:
الإصلاح هو الانتقال من واقع سلبي ومأزوم قائم إلى وضع جديد أفضل وأحسن وأكثر استدامة وبقاء، فعملية الإصلاح ليست جديدة وإنما في صميم أي جهد بناء أو حكم يهدف لتحسين أوضاع الأمة والشعب.أما الإصلاح السياسي فيتناول المشاركة الحقيقية في السلطة السياسية ووضع حدود لأدوار المتعاملين بها، لذا فغالبا ما يهدد الإصلاح السياسي مزايا حساسة يصعب التنازل عنها بسهولة، ومن أهم بنوده:قانون الانتخاب،قانون الأحزاب، وإجراءات الانتخاب،تقسيم الدوائر الانتخابية،الاجتماعات العامة،النشر والمطبوعات،ودور منظمات المجتمع المدني .
فعملية الإصلاح السياسي هي تحديد الصلاحيات كأساس لنجاح العمل السياسي،بمعنى التزام السياسي بما هو مخول فيه ضمان محور الصلاح السياسي،ويمكن الإيضاح من خلال قول الله تعالى:« قَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ » [سورة الأعراف 142]. لذا فسياسة الأمة تدور حول محور الإصلاح من خلال انعكاس الأعمال الصالحة على فاعلها وغيره .
ومن أهم أسباب فشل مشاريع الإصلاح السياسي الولادة العسرة للديمقراطية والحياة النيابية، إذ يرصد “برنارد لويس” ذلك قائلا:” فرضت الديمقراطية بأوامر وفرمانات الحاكم المطلق، وشكل البرلمان في العاصمة، وكانت تديره وتسنده أقلية هزيلة لم يؤبه لانغماسها المحبب في اللعبة الجديدة للأحزاب والبرامج، وكان مجموع الشعب يراقبها بخيبة أمل فكانت النتيجة قيام نظام سياسي لا صله له بماضي أو حاضر البلد، ولا صله له بحاجات مستقبله .
الإصلاح السياسي وبعض المصطلحات ذات العلاقة:
• الإصلاح الديمقراطي:
الإصلاح الديمقراطي يعد أحد السمات الرئيسية لعملية التجديد في السياسات التي يحاول *الطريق الثالث ترسيخها،وهو إشراك أكبر عدد ممكن من المجتمعات والشعوب في الإصلاح وبناء الديمقراطية .
• الانتقال الديمقراطي:
هو التوافق الاجتماعي والسياسي على بناء المؤسسات وقواعد الديمقراطية. والمرحلة الانتقالية عبارة عن وضع قائم يتفق مؤيدوه على تعريفه والتحاور حوله بعقلانية،فالانتقال إلى الديمقراطية يكون بوجود فاعلين متفقين على هدف بناء الديمقراطية وفعل تاريخي ثوري وإصلاحي يقود إليها،فهي الإصلاح التدريجي والجدري الموجه لتجاوز الاستبداد نحو الديمقراطية .
فما يميز مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية هو تحييد القوى الأمنية التي كانت أداة القمع الرئيسية وإحداث التغيير التدريجي فيها،وتمكين المؤسسات الديمقراطية لاسيما المنتخبة منها،والتغلب على معارضة جهاز الدولة البيروقراطي الكبير،وهذا ما يتطلب وحدة القوى الديمقراطية حول هذا الهدف استنادا إلى شرعية الثورة مقابل فقدان النظام القديم شرعيته لاتخاذ إجراءات تصل إلى حد تطبيق العدالة الانتقالية ضد ركائز النظام القديم .
3. العلاقة بين الثورة والإصلاح السياسي:
هناك اتفاق بين علماء الاجتماع على أن الإصلاح هو نقيض الثورة، فإستراتيجية التغيير الاجتماعي تقوم على التدرج الذي يعتمد على التراكم المجتمعي البطيء، في حين أن الثورة تؤمن بالطفرة والانقلاب على الأوضاع المجتمعية الراهنة للتغيير تغيرا جذريا .
وهذا الاختلاف تجسد في الصراع بين كل من نظريات الإصلاح والثورة طوال القرن العشرين، ومن أبرز القائلين بنظرية الإصلاح:عالم الاجتماع الفرنسي إميل دور كايم، الألماني ماكس فيبر والإيطالي باريثو، وبالنسبة للقائلين بنظرية الثورة نجد كلا من:كارل ماركس وفريدرك إنجلنز، وتجسد هذا الصراع على أرض الواقع بقيام الثورة البلشفية عام 1917،والتي تأسس بناء عليها الإتحاد السوفييتي، أما في الوطن العربي فقد تجسدت نظرية الإصلاح لفترة زمنية طويلة من خلال قيام نظم ليبرالية تشكلت أغلبها في ظل نظم الوصاية أو الانتداب، أو الاحتلال المباشر .
الإصلاح قد يكون تمويها وتضليلا للحفاظ على الحكم ويشمل مؤسسات هامشية فقط خارج صنع القرار، وقد يكون خطابيا لتمرير أزمة،لكن إذا كان جذريا قد يؤدي لعملية تغيير،والذي يتضمن في الأصل فكرة العودة إلى الجذور، فكل إصلاح يحتوي على نوع من الأصولية، فالإصلاح السياسي لا يلغي الأسس التي يقوم عليها النظام،بالعودة إلى مرحلة التأسيس وبناء الدولة،بالعكس الثورة تعتبر الإصلاح غير ممكن في ظل النظام القائم،بل لابد من تغييره بالكامل وقيام نظام جديد بأسس جديدة.لكن لا يمكن الفصل بينهما فهناك نوع من العلاقة الترابطية ففي الإصلاح الجدي عناصر ثورية،وكذا الثورة لا تتضمن الفوضى والهدم فقط، بل تحتوي عناصر إصلاحية وقد تحي أصول النظام القائم .
المحور الثاني:الأزمة السورية بين الثورة وإستراتيجيات المواجهة
1. جذور الأزمة السورية(الخصائص والأسباب):
تعود جذور الأزمة السورية في ممارسات امتدت لعقود عديدة ، أفضت إلى تآكل قيم العيش المشترك والتعاقد الاجتماعي، وبدأت منذ وصول حزب البعث إلى السلطة، بانقلاب عسكري في الثامن من مارس عام 1963، الذي أعلن عن اعتلاء فئات، عسكرية ومدنية من الطبقة الوسطى والدنيا الريفية، سدة الحكم، وإزاحة الفئات البرجوازية المدنية التقليدية .فمنذ إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية عام 1963،وترسيخ التضييق على الأحزاب السياسية في ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية واحتكار العمل السياسي من حزب البعث،الحزب القائد للدولة والمجتمع كما جاء في الدستور الدائم لعام 1973 وتبعية سائر أحزاب الجبهة له وإلغاء المفهوم الديمقراطي للعمل السياسي.وبالتالي ففي الفترة الممتدة من 1963 إلى 2000 تمت تقزيم الحياة السياسية،لتقوم تدريجيا على حزب واحد وسيطرة أحادية وشاملة على كل مقومات ونشاطات الحياة المجتمعية والمدنية والإعلامية وغيرها، دون رقابة على ما يجري .
ومع تولي بشار الأسد الحكم كان هناك توجه جديدا لدى القيادة البعثية يتمثل في الدعوة لضرورة إجراء إصلاحات أشار إليها بشار الأسد في أولي خطاباته عام 2000 بعد توليه مهام الرئاسة وهو تأريخ للقيادة السياسية السورية يؤرخون فيه لبدء عقلية إصلاحية كما يروجون لها في إعلامهم الرسمي،لكن لم يكن هناك أي خطوة لوضع دستور يتوافق عليه السوريون دون إقصاء، خاصة في إطار إقصائه لجماعة الإخوان المسلمين السورية ،وعدم إلغاء القانون الذي يحكم بالإعدام لكل من ينتمي للجماعة في سوري، وبعد مرور أحد عشر عاما على خطابه “الإصلاحي لم يكن لنظام بشار الأسد أي توجه تواصلي مع مخالفيه في الداخل، ولعل هذه من أكثر الأسباب التي أدت لرفض نظامه داخل سوريا وخارجها خاصة للمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في باقي البلدان .
وهذا ما يمكن اعتباره من الأسباب الكثيرة التي تبلورت وكانت محفزا للأوضاع التي تعيشها سوريا منذ مارس2011، والتي تعتبر من أخطر التحديات في تاريخها الحديث، متمثلا في أزمة اجتماعية-سياسية تصاعدت لتصل إلى نزاع مسلح ،فهي نتاج للاختناق المؤسساتي وتهميش فئات كثيرة في المجتمع وحرمانها من الإسهام في التنمية السياسية،الاقتصادية،والاجتماعية . فالثورة السورية تكشف عمق الأزمة، التي لن تنتهي إلا بالتخلص من مسبباتها، بما يتطلب تصحيح ما جرى من ممارسات وانتهاكات، والسير في طريق الوصول إلى دولة جمهورية، أساسها المواطنة المتساوية، بوصفها أساس تشييد وطنية سورية جديدة، تتسع للجميع ضمن فضاء العيش المشترك، واحترام حقوق الإنسان والخصوصيات اللغوية والثقافية والدينية .
أ. أسباب الثورة السورية:
فمن الأسباب المحفزة لقيام الثورة السورية نجد :
• انعدام الحياة السياسية:
لا توجد حياة سياسية في سورية بالمعنى الحقيقي منذ مجيء حزب البعث عام 1963 إلى الحكم، بمعنى أنه ليس هناك رأي للشعب في أوضاعه المختلفة، وبمعنى أنه ليست هناك مشاركة من أطياف الشعب المختلفة في قيادة البلاد وتوجيهها، وبمعنى أنه ليست هناك انتخابات حقيقية وليست هناك محاسبة للمسؤولين وليس هناك تداول للسلطة ، فالحياة السياسية اختزلها الحزب في البداية بأعضائه، ثم أصبحت أسرة الأسد هي محور الحياة السياسية وجوهرها، لذلك فإن الأوضاع السياسية جعلت الشعب السوري يعيش حالة اختناق سياسي، فما إن انطلقت الثورة حتى تفاعل الشعب معها.
• تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر المدقع:
فسورية أصبحت قسمين: الأول: قلة من الناس تملك كل شيء وهم آل الأسد ومن حولهم والثاني: وهم معظم الشعب الذي يعيش في فقر مدقع إذ توصل التقرير الوطني الثاني عن الفقر وعدالة التوزيع إلى زيادة نسبة السكان الفقراء ، فوفق تقديرات عام 2010 فإن حوالي 7 مليون نسمة (34,3) بالمائة من إجمالي السكان، أصبحوا تحت خط الفقر. مما أدى إلى ضيق الشعب وانفجاره، وكان هذا العامل الاقتصادي هو أحد العوامل التي فجرت الثورة في 15 مارس 2011 .
• عداء الحزب للدين ومحاربة المتدينين:
قام حزب البعث الذي استلم السلطة عام 63 19 على معاداة الدين ومحاربة المتدينين ليس هذا فحسب، بل استهدف منذ اللحظة الأولى اقتلاع الدين من حياة المجتمع السوري،و وضع المناهج المختلفة لتحقيق ذلك في المدارس والإعلام والثقافة وكمثال على ذلك تدميره لمسجد السلطان في حماة عام 1964، استمر على ذلك النهج طوال أعوامه الخمسين،بالإضافة إلى تسلط الأجهزة الأمنية وتفشي الظلم وانعدام المساواة.
ب. خصائص الثورة السورية:
يعاني جميع الأطراف المتصارعة في سوريا من عقدة المؤامرة، وهذا ما يمكن تمييزه أولا من جهة النظام وثانيا من المعارضة :
أولا:النظام:
فالنظام السوري يعتقد بتدبير الكون برمته مؤامرة شاملة لخصها في خطابه الدعائي والسياسي “بالمؤامرة الكونية”، والتي صرها في جهة واحدة وهي العدو الإستراتيجي.
ثانيا:المعارضة:
المؤامرة لديهم تنحصر بين جذور التاريخ وبين سلوك المؤيدين المقصرين، الأولى بدلالة تعرضهم لمذهب شخص الحاكم كونه علوي نصيري، وكونه بعثي قومي-يساري-اشتراكي.فالسمة العامة لخطاب المعارضة
الدعائي سمة إيديولوجية تمس المذهب والعِرق والفكر على مستوى القواعد الجماهيرية والقيادية الدينية التي يمكن للجميع رصدها عبر إعلامهم الالكتروني والفضائي المتخصص،أما الجهة الثانية هو اعتقادهم بتآمر مناصريهم عليهم من حكومات وشعوب.
2. موقف النظام السوري من الثورة والإستراتيجيات المتبعة:
ينتمي نظام الحكم في سورية إلى بنية قديمة من الذهنية والممارسة، بنية حافظت على ذاتها من خلال بشيء واحد وهو:كيف السبيل إلى البقاء رغما عن التغيرات الواقعية أو الممكنة التي يتعرض لها المجتمع السوري والعالم معا؟ .
لذا فالإجابة على هذا السؤال هو الشغل الشاغل للحكم من 1970 ووصول “حافظ الأسد” وزير الدفاع آنذاك إلى السلطة، إذ تأسست إستراتيجية السلطة العامة في مواجهة أي قوة ناشئة أو أي حراك وتمرد أو انتفاضة أو ثورة على الأوضاع غير المرغوب فيها،و أي نوع من أنواع الممارسة الفكرية والعملية.
لذا تأسست القوة المحتكرة من قبل النظام على مجموعة أسس هي :
– الاستيلاء على القوة العسكرية وجعلها الأداة الرئيسية للحفاظ على السلطة.
– الاستيلاء على أجهزة الأمن وتوسيعها ليشمل تدخلها في كل شؤون وأنماط معية الناس.
– التحكم بأجهزة الإعلام ،وإفراغ المجتمع من أي قوة ممكنة تتيحها له أنماط المجتمع المدني.
– الاعتماد على عصبية طائفية مع جماعات أخرى تعلن الولاء لهذه العصبية،ومنحها القوة واحتكارها،حيث أدت لتكوين بنية ذهنية ذات وعي سلطوي من جهة، وخوف على مصيرها إن هي فقدت السلطة.
لذا يمكن تحديد الإستراتيجيات التي يتبعها الرئيس بشر الأسد في إدارته للثورة أو الأزمة استخدمها الأسد أيضاً في مواجهة الأزمات التي مر بها حكمه منذ عام 2000، وخاصة أزمة اغتيال رئيس لبنان السابق رفيق الحريري وأزمة الغزو الأمريكي للعراق، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى نمطية واحدة في إدارة كل الأزمات التي يواجهها النظام، والتي ترجع إلى عهد والده حافظ الأسد وهي :
– دفع الخصوم لقضاء أطول وقت ممكن في تطوير استجابتهم، ويعكس هذا التكتيك مدى أهمية عامل الزمن في التخطيط الأسدي، والرهان الدائم على تغيير المعطيات.
– إغراق الخصوم بسيل من الأزمات المصممة من أجل تشتيت انتباههم بعيدا عن جرائم النظام، ومع طول الزمن يصار إلى نسيان القضية الأساسية وتهميشها وتحتل الأزمات المتوالدة عنها الحيز الأكبر من المعالجات الدبلوماسية والسياسية.
– استنزاف الوقت قدر الإمكان، حيث يسعى نظام الأسد إلى الظهور بمظهر المتعاون مع الموفدين الدوليين واللجان الأممية، غير أنه يقوم بالمماطلة وقتل الوقت بالروتين والتفاصيل المتوالدة بشكل دائم.
– تيسير دخول الجماعات السنية المقاتلة إلى سورية، وذلك بهدف تعقيد أي دعم غربي للمعارضة، وإخراج المعتقلين الإسلاميين المشهود لهم بصلابتهم القتالية ليلتحقوا بتلك الجماعات وذلك لإثبات انه يتعرض لمؤامرة إرهابية دولية، في الوقت الذي يحتجز فيه عشرات ألاف الناشطين السلميين بهدف إفراغ الساحة للمتطرفين.
3. سيناريوهات المرحلة الانتقالية:
يرتبط الإصلاح السياسي بتطوير الأداء السياسي وربطه بالشرعية السياسية للحاكم وقد يكون حدوث التغيير أو الإصلاح السياسي نتيجة لثورة عارمة كما نشهد في سوريا. يعبر مصطلح الرؤية الاستشرافية عن التطلع لمستقبل سياسي يشكل قطيعة مع الماضي الاستبدادي في سوريا أكثر ما يعبر عن عملية بطيئة متدرجة من الإصلاح بمعناه التقليدي. فالرؤية الاستشرافية السياسية لسوريا المستقبل مرتبطة بالعديد من محاور الإصلاح التي يجب العمل عليها بالتوازي، فالإصلاح الدستوري وإصلاح نظام الأحزاب مرتبط تماماً بالرؤية السياسية للمستقبل بحيث يستحيل دراسة أحدها ومحاولة الوصول إلى رؤية متكاملة خاصة بها دون الاستعانة بما وصلت إليه باقي المحاور .
ومن هنا يمكن تحديد أهم سيناريوهات الإصلاح السياسي في سوريا(سوريا المستقبل):
أ- سقوط النظام:
تبدأ المرحلة الانتقالية من لحظة سقوط النظام، الإجماع الوحيد بين قوى المعارضة السورية هو أن النظام يجب أن يسقط بكافة رموزه وأركانه، مع تركيز خاص على رحيل رأس النظام وهو بشار الأسد،إذ اعتقد الكثيرون أن المرحلة الانتقالية الفعلية ستبدأ إثر تشكيل الحكومة الانتقالية الذي نص عليه اتفاق جنيف الأول ، الذي جرى التوصل إليه في 30 جوان 2012 ، ونص في جوهره على تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية كخطوة لا غنى عنها لوقف الحرب والانتقال بسورية إلى نظام حكم ديمقراطي. لكن عقبات كثيرة حالت دون انعقاد المؤتمر في الموعد الذي حدده الوزيران (وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف) وهو نهاية شهر ماي 2013،إذ ظل مصير ومستقبل الرئيس بشار الأسد ومسألة تمثيل المعارضة المنقسمة تحول دون إمكانية عقده ، فقد بدأت تميل موازين القوى لغير صالح النظام، بعد أن فقد مناطق واسعة في الشمال والشرق، وشكل استيلاء فصائل المعارضة على الرقة في مارس2013 ضربة كبيرة للنظام باعتبارها أول مركز محافظة يخرج عن سيطرته، وبمجرد الإعلان عن الاتفاق، بدأ النظام وحلفاؤه بالعمل على تغيير الوقائع على الأرض حتى يمكنه الذهاب إلى المؤتمر بوضع أقوى،و تمكن النظام من تحقيق اختراقات عسكرية في مناطق مختلفة من ريف دمشق، واستخدم الكيماوي ضد شعبه في الغوطتين في أوت 2013 .
واتفقت بعد هذه الأحداث كل من أمريكا وروسيا على عقد “مؤتمر جنيف 2 “نتيجة عدم جدوى للحل العسكري للأزمة، ففي الحل السياسي مصلحة للطرفين للحفاظ على تماسك الدولة من جهة ومنع وقوع الأسلحة الكيماوية في أيدي الجماعات المتشددة التي تعادي أمريكا وإسرائيل وروسيا، والخوف من اندلاع حرب أهلية بين الطوائف لا تستطيع دول الجوار تحملها . وتم عقد جولتين الأولى في 22 جانفي 2014 ودامت لأسبوع وشارك بها وفود لأكثر من أربعين دولة وعشر منظمات دولية، وانعقدت “الجولة الثانية لجنيف2 “في 10 فيفري من نفس السنة برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا. و بوساطة دولية مثلها “الأخضر الإبراهيمي Lakhdar Brahimi ” الذي أعلن عن انتهاء المفاوضات بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين التي وصلت إلى طريق مسدود بعد ثلاثة أسابيع من بدئها في جنيف، بدون أن يعلن عن موعد جديد.وتقدم الإبراهيمي باعتذار للشعب السوري قائلا: “اعتذر للشعب السوري عن عدم تحقيق شيء في المفاوضات، وآمل أن يفكر الطرفان بطريقة أفضل ويعودان إلى هنا جاهزين لتنفيذ بيان جنيف” .
لذا فهناك احتمال لعدة اعتبارات :
الانهيار السريع المدوي كنتيجة مباشرة لإسقاط الشرعية الدولية للنظام والتضييق عليه وتفشي الروح الانهزامية بين أتباعه في الجيش والأجهزة الأمنية،سيتجسد هذا الانهيار بانشقاقات عسكرية ودبلوماسية وتسارع وتيرة تفكك الجيش وقوى الأمن واختفائها من المدن والقرى السورية.ويبقى ربما احتمال هذا السيناريو ضعيف نظرا لتمسك النظام بأساليب القمع والأرض المحروقة وتصويره للأزمة على أنها صراع من أجل البقاء.
السقوط التدريجي:
ويكون نتيجة ارتفاع وتيرة المواجهات المسلحة بين الضباط المنشقين من جهة وأجهزة النظام الأمنية وجيشه من جهة أخرى إلى درجة إنهاك النظام بالكامل على المستويين الداخلي والدولي نظرا لاستمرار العزلة والعقوبات ونزع الشرعية الدولية.وهذا السيناريو هو أقل السيناريوهات المحتملة فحصوله يتطلب تراجع النظام على عقليته الأمنية وتسليمه بالهزيمة وهو غير متوقع نظرا لجمود وتصلب عقلية النظام.
الحسم العسكري:
أكثر السيناريوهات دموية وتكلفة وأطولها أمدا نتيجة فشل كل وسائل الثورة السورية السلمية والضغط الدولي في إقناع أو إجبار النظام السوري على التخلي عن الحكم وسيتجسد بمواجهة مسلحة شاملة بين الشعب السوري والضباط المنشقين من جهة والنظام من الجهة الأخرى.وهذا السيناريو من شأنه أن يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل العسكري المباشر الذي أستبعد سابقا.
رغم قدم هذه الدراسة بشأن سيناريوهات النظام السوري إلا أنها تواكب الأوضاع والتطورات التي تشهدها الساحة السورة فهذه السيناريوهات محتملة وبنسب متفاوتة خاصة سيناريو الحسم العسكري والذي ربما يعيد لنا أحداث ليبيا أو يكون هناك أمر لن يتوقع حدوثه أحد خاصة في ظل فوز الرئيس بشار الأسد بالانتخابات في جوان الماضي، فمن الجهة يظهر الشارع السوري وكأنه جميعا ضد نظام الأسد وفي أرض الواقع ونتيجة فوزه بالانتخابات يظهر أن الشعب كله مع النظام، لذا فسوريا تقف في مفترق طرق ولا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بطريقتين حرب بين الشعب والنظام ويفوز أحد الطرفين أو تفكك النظام برغبته.
ب- النظام الجديد(إدارة المرحلة الانتقالية) :
أولا: مرحلة ما بعد سقوط النظام:
– يتم تشكيل حكومة انتقالية وطنية،يراعى أن لا تكون موسعة أو محسوبة على طرف دون آخر، تكون مهمة هذه الحكومة التمهيد لإجراء انتخابات شعبية تفرز مجلسا تأسيسيا يمثل شرعية شعبية حقيقية، تكون مهمته وضع دستور دائم للبلاد وإدارة المرحلة التالية إلى حين إصدار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية.
– تعلن الحكومة الانتقالية إثر تشكيلها ومن خلال مرسوم، تعليق العمل بدستور عام 2012 والعودة لدستور 1950 ، كما توضح من خلال ذات المرسوم مهامها وصلاحياتها التي تتضمن إصدار إعلانات دستورية مكملة لدستور عام 1950 ،كما تصدر الحكومة الانتقالية مباشرة إثر المرسوم السابق إعلانا دستوريا يوضح مسار العملية الانتقالية ويحدد موعد الانتخابات التأسيسية والتي لن تتجاوز بأقصى حد15 شهرا.
ثانيا: المرحلة التأسيسية:
تبدأ هذه المرحلة بمجرد انتهاء عملية انتخاب المجلس التأسيسي الذي سيتولى إدارة البلاد باعتباره الجهة الشرعية الوحيدة التي حظيت بتأييد شعبي،وهنا يتم تحديد عمر المجلس التأسيسي بحيث لا يتجاوز عامين كأقصى حد وهي المدة اللازمة إنجاز مهمته الرئيسية وهي وضع الدستور واستفتاء الشعب عليه.
ثالثا: شكل نظام الدولة السورية المستقبلية:
ربما أفضل شكل لنظام الدولة السورية السياسي هو النظام البرلماني، إذ أن البرلمان ذو الصلاحيات الواسعة والتي على عاتقها اختيار السلطة التنفيذية ومحاسبتها ومراقبة أدائها، سينمي الحياة السياسية في سوريا ويرفع من مستوى السياسيين ويجعل أكبر نسبة من السوريين تتشارك في بناء الدولة واتخاذ القرارات.
لذا وفي نفس السياق يمكن رصد خمسة توصيات سياسية يمكن أن تساعد في تنشيط الشراكة بين السوريين الطامحين للتغيير والإصلاح والتحول إلى مجتمع أفضل ومؤيديهم في المجتمع الدولي :
توحيد الشعب السوري حول مشروع وطني لإعادة بناء البلاد:
عمل المعارضة السورية وشركائها الدوليين على تقديم الدعم لهيئات المعارضة الممثلة، بما فيها لجنة المتابعة والاتصالات والمجلس الوطني السوري المؤقت المقترح، ويجب أن يقوم الدعم على شمولية هذه الهيئات والحكم الداخلي الرشيد.
الجهد الذي تقوده الولايات المتحدة لتوحيد قنوات الدعم الدولي المسلحة وغير المسلحة لجماعات المعارضة:
ينبغي على الولايات المتحدة العمل مع حلفائها لخلق تدفق موحد ومراقب للأسلحة وغيرها من أشكال الدعم للمعارضة السورية،من خلال وضع مجموعة من الآليات التي تعمل على لدمج الضباط المنشقين عن الجيش النظامي، وعمليات لتوحيد بين الوسائل القائمة للحصول على مساعدات عسكرية تحت قيادة واضحة، وكذا محاولة إنشاء جيش واحد للثوار للإسهام في استقرار وأمن سوريا خلال الفترة الانتقالية ما بعد نظام بشار الأسد .
دعم المشاريع التي يقودها الأفراد والجماعات داخل سوريا والتي تعزز وحدة المعارضة وتوطد العلاقات بين مختلف الطوائف.
حوار صادق وصريح حول المسألة الكردية في سوريا:
وذلك من خلال إشراك الدول المجاورة وإنشاء لجنة تحقيق خاصة معترف بها دوليا، من أجل التوصل إلى حل مستدام لوضع الأكراد في سوريا.
تنسيق الجهود للفترة الانتقالية ما بعد الأسد:
وهذا ما يستوجب تكاتف الجهود ما بين المعارضة السورية والدولية، والتي يجب أن تتراوح بين دعم الإدارة المحلية في المدن والقرى المحررة في شمال البلاد وغربها وقيادة جامعة الدول العربية والأمم المتحدة المشتركة بشأن التخطيط من أجل المستقبل.
المحور الثالث: تداعيات الثورة السورية إقليميا ودوليا
1. المواقف الإقليمية والدولية من الثورة السورية:
المواقف الإقليمية:
• لبنان:
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في أوت 2012 عقوبات على حزب الله لتوفير التدريب والدعم اللوجستي للحكومة السورية، وأشار مسؤولين أمريكيين أن حزب الله قد ساعد قوات المتمردين في بعض المناطق في سوريا.هذا وقد اعترف الأمين العام حسن نصر الله علنا تورط حزب الله في سوريا منذ ماي 2013، وأكد ثقته على أن خطر هزيمة نظام الأسد وتقسيم سوريا قد مر حتى لو استمر ما أطلق عليه “حرب الاستنزاف” لكن سوريا الآن بحاجة لمبادرات المصالحة لتعزيز دعم السوريين لحكومة الأسد، فمنذ جوان 2014 ومقاتلي حزب الله يشاركون في عمليات في “منطقة القلمون” شمال غرب دمشق .
• العراق:
حاولت الحكومة العراقية في تصريحاتها الصحفية أن تصوّر موقفها خلال المرحلة السلمية من الثورة السورية بأنها في موقع وسطي بين النظام والمعارضة، من خلال دعوتها إلى الحوار وإيجاد حل سياسي وسطي يساوي بين النظام السياسي والمعارضة في سورية.هذا وقد حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في 27 فيفري 2013 في مقابلة لوكالة أسوشييتد برس، من حرب طائفية في العراق والمنطقة في حال نجاح المعارضة السورية في إطاحة نظام الرئيس بشار الأسد. كما شاركت القوات العراقية في القتال ضد مقاتلي المعارضة السورية، في 2 و 3 مارس 2013 ، في معبر اليعربية على الحدود السورية-العراقية .
• إيران:
تطور تورط الميليشيات الشيعية الإيرانية في الأزمة السورية منذ عام 2011 من استشاري إلى دور التشغيلية، و في بعض الحالات القتال جنبا إلى جنب مع القوات السورية. فإيران قد تعتمد تقليديا على وجود حكومة صديقة في دمشق لتسهيل عبور الأسلحة من إيران إلى حزب الله وإلى الحفاظ على قدرتها على تحدي إسرائيل. فدور إيران في سوريا يهدف إلى تعزيز قدرة الأسد على قمع المعارضة ولكن أيضا لتأمين مصالحها في سوريا في حال رحيل حكومة بشار الأسد Bashar al-Assad. وأيضا قدمت إيران في نفس العام التقنية والتدريب والمساعدة المالية إلى كل من الحكومة السورية والميليشيات الشيعية الموالية للنظام التي تعمل في سوريا، وفي فيفري 2012 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزارة المخابرات الإيرانية مشيرة إلى أن وزارة المخابرات شاركت أيضا في عدة مشاريع مشتركة مع حزب الله .
• تركيا:
يتحدد موقف تركيا من الثورة السورية من خلال ثلاث مراحل :
أولا:مرحلة النصح والإرشاد:
تمتد هذه المرحلة من بداية الثورة السورية في منتصف مارس2011 إلى منتصف أفريل،حاولت الكومة التركية دفع النظام السوري إلى إجراء الإصلاحات اللازمة،وقد أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا في 25/03/2011 شدد على العلاقات الراسخة التي تربط تركيا بسوريا،فتركيا تهتم برفاه واستقرار سوريا الشقيقة والصديقة وسعادة وأمن الشعب السوري.
ثانيا:مرحلة إعادة تقييم الوضع:
وتمتد من منتصف أفريل حتى آخره، أدلى من خلاله الرئيس “بشار الأسد” من خلال خطابه أمام حكومته الجديدة وقرار رفع قانون الطوارئ الذي تزامن واتساع الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، وأدى لارتفاع عدد القتلى وإدانة النظام السوري في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولجأت الحكومة التركية لإعادة تقييم الوضع فسياسة القتل والقمع تهدد بتفجير داخلي يكون له انعكاس سلبي على تركيا،وسورية تستطيع تجاوز الأزمة من خلال القيام بالإصلاحات الجذرية التي تحظى بدعم تركي.
ثالثا:مرحلة التحول والضغط:
جاء التحول في موقف تركيا اتجاه الأزمة السورة كنتيجة للمخاوف الناجمة عن عدم الأخد بالنصائح التركية في ظل زيادة الضغوط الإقليمية والدولية وفرض المزيد من العقوبات الأمريكية والأوروبية ومناقشة الملف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |