بوتين يقتل المدنيين السوريين لتجنيب جيشه
ألف
2018-04-07
يرى ليونيل بيهر المحاضر في قسم الدراسات الدفاعية والإستراتيجية بالأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت” أن روسيا في محاولتها تخفيف خسائرها السورية تعرض حياة المدنيين السوريين للخطر. وكتب بيهر الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ييل مقالاً بهذا الشأن في صحيفة “واشنطن بوست” وبدأه بمقولة جوزيف ستالين “موت شخص واحد يعد مأساة أما موت مليون فهم مجرد رقم” وذلك في معرض الخسائر السوفييتية أثناء الحرب العالمية الثانية التي سقط فيها ثمانية ملايين جندي. ويشير إلى أن ستالين ليس الطاغية الوحيد الذي لم يأبه لمقتل قواته في الحرب بل هناك صدام حسين الذي خسر جيشه عام 1991 نصف جنوده بسبب القتل والهروب. وخسر حرسه الجمهوري ربع عناصره. وفي الحرب الأفغانية في الثمانينات من القرن الماضي فقد الجيش السوفييتي 50.000 من جنوده. ومقارنة مع هذه الأرقام فإن الخسائر الروسية في السورية لا تعد شيئاً. فبعد سنوات من القتال و4.000 جندي على الأرض السورية لم يتجاوز عدد قتلى الجنود الروس هناك عن 50 جندياً هذا في حالة استثناء المتعهدين الأمنيين. وقد تجنبت موسكو بنجاح خسائر من بين جنودها في سوريا بطريقة أثارت دهشة المراقبين للعملية العسكرية التي بدأت عام 2015 عندما حاولت موسكو نفي مقتل مئات من المرتزقة الذين أنكرت وجودهم. ويعتقد الكاتب أن تجنب روسيا الخسائر في سوريا يشير لاتجاه أوسع. فالطغاة الذين لم يكونوا يهتمون بسقوط جنودهم غير مستعدين اليوم لترك جنودهم يقتلون. ومن أجل حماية الجنود لجأ الطغاة إلى أساليب حربية قاسية جعلت المدنيين لا الجيش يدفعون الثمن. ففي الماضي لم يتردد الحكام الديكتاتوريون عن إرسال قواتهم للمسلخ كي يذبحوا. إلا أن الوضع مختلف في سوريا التي دخلت فيها الأنظمة الديكتاتورية حروباً بالوكالة واعتمدت على مقاتلين وميليشيات أخرى كما هو حال النظام السوري لبشار الأسد وإيران وتركيا وبالضرورة روسيا. فقد أظهرت هذه الأنظمة عدم قابلية للدخول في معارك استعادة مناطق تؤدي لتكبدها خسائر فادحة. وفي هذه الحالة فضلت الاعتماد على مدخل غير مباشر وهو القصف الجوي والمدفعي وسلاح الحصار.
للبقاء في السلطة
ويتساءل بيهر عن السبب الذي يجعل الحكام المستبدين حساسين من الخسائر البشرية مجيباً أنهم وبدون استثناء يواجهون قيوداً وعليهم تجنب الخسائر بين جنودهم. فالحكام الشموليون مثل فلاديمير بوتين يواجهون نخبة محلية قوية عليه استرضاؤها حتى يظل في السلطة. وعلى خلاف الأنظمة الديمقراطية يعمل الحكام الطغاة على إضعاف قواتهم المسلحة للحد من فرصة حدوث إنقلابات. والسبب كما يرى بيهر أن طغاة اليوم لا يشعرون بقوة دعم الجبهة الداخلية لهم مقارنة مع أسلافهم. ففي دراسة مسحية أجريت في الآونة الأخيرة وجدت أن ثلث الروسيين يدعمون العملية العسكرية لمساعدة نظام بشار الأسد. وتراجع الدعم الشعبي للتدخل العسكري مع زيادة أعداد القتلى في سوريا. فبوتين ليس محصناً من الضغط الشعبي، رغم ما يمارسه من حكم شبه مطلق. فهو يريد أن يحافظ على نظام الأسد وإحراج الجماعات الوكيلة للولايات المتحدة هناك وتأكيد النفوذ الروسي بالمنطقة ولكنه يريد الحصول على كل هذا بدون آلام وخسائر. وهذا هو السبب وراء اعتماده على المرتزقة في محاور الحرب السورية والأوكرانية. فقد تعاون مع شركات تعهدات أمنية للقتال في المعارك الشرسة، بشكل يمنح الحكومة سلاحاً ذا حدين لنفي علاقتها في المعارك. فمن جهة، تتجنب تحمل المسؤولية عندما يقتل المرتزقة مدنيين ثم من جهة أخرى تبعد نفسها عن الخسائر الفادحة التي قد تحصل في صفوف المرتزقة. وعادة ما لا يهتم الرأي العام بمقتل الرجال الذين يبيعون خدماتهم “مسدسات للإيجار”. والوضع نفسه يصلح على إيران التي حافظت على تأثيرها في سوريا رغم تزايد أعداد القتلى، لكن ليس بين قوات الحرس الثوري بل في صفوف المرتزقة من الميليشيات الشيعية الذين جلبتهم من أفغانستان والعراق وباكستان بالإضافة لوكيلها اللبناني – حزب الله.
عكس تركيا
وبالنسبة لتركيا فقد زاد عدد القتلى بين القوات التركية مع تطور العملية في شمالي سوريا. ويزعم الكاتب أن تركيا اعتمدت على قصف عشوائي للمدنيين في عفرين. ولا يزال الدعم الشعبي للعملية مستمرا لأنها أطرت كمحاولة “لتصفية” الإرهابيين الأكراد وليس تدخلاً في الحرب الأهلية. ويعتقد الكاتب أن الحكام المستبدين لديهم استعداد أقل لإرسال جنودهم في مواجهات مباشرة ومنحت التكنولوجيا المتقدمة القوات النظامية الفرصة لإطلاق النار عن بعد. فالنظام السوري خاض الحرب بطريقة غير مكلفة حيث اعتمدت على أسلحة بدائية مثل البراميل المتفجرة والغارات الجوية التي لم تميز وأساليب الحصار الطويل. ويرى الكاتب أن محاولة تجنب الضحايا يكشف عن ميل النظام السوري لأساليب ” الجوع أو الركوع? التي طبقها على مناطق المعارضة. وقصد منها إحداث أكبر ضرر في صفوف المعارضة سواء من خلال منع الطعام والدواء والقصف العشوائي- المدفعي والجوي. ولم يكن مستغرباً أن أساليب كهذه حرفت مسار المعركة من تصفية للمسلحين إلى تصفية المدنيين. فقد مات في الحرب الأهلية اكثر من نصف مليون مدني وشرد الملايين من مناطقهم التي سويت بالتراب. وتشير الأساليب التي يعتمد عليها من خلال المستبدين لتقليل القتلى في صفوف جنودهم إلى أنهم غير آمنين داخليًا ومستعدون للتفاوض حالة تم الضغط عليهم وأقل رغبة في التصعيد. وهذا يفسر الموقف السوري من الغارات الإسرائيلية التي وصل عددها 100 غارة خشية توسع الحرب. وعندما وصل المسلحون إلى أبواب دمشق عام 2012 لاحظنا موجات من الانشقاقات والهروب في صفوف الجيش السوري. وعندما قررت امريكا معاقبة النظام على استخدام السلاح الكيميائي عام 2013 تنازل سريعاً عن ترسانته من الأسلحة الكيميائية. وتظهر التسجيلات للمرتزقة الروس في سوريا عن دهشتهم من قوة المدفعية الأمريكية. ويخلص الكاتب للقول إن طريقة الحرب السورية – الإيرانية – الروسية تكشف عن تردد هذه الأنظمة في إرسال قواتها إلى مناطق الخطر مثلما فعلت الانظمة السابقة في القرن العشرين. وهذه الطريقة تزيد من القتلى بين المدنيين ولكنها تجعل من الضغط الدبلوماسي لإنهاء الحرب فعالًا.