قتعدا أمام شاشة التلفاز لمشاهدة أخبار المساء على القناة الوطنية.
ابتدأت شارة المسلسل اليومي "أبطال الغارة"، فحضرت أم جيفارا الشاي، ووضعت صحن الفستق والبزر الأسود على التربيزة، شرع أبو جيفارا بصب كأس من عرق الريان، ثم غمره بمكعبات الثلج، تغبشت الكأس وطفطف السائل الأبيض.
أبو جيفارا شيوعي وزوجته بعثية، ولم ينجبا أبناء قط.
عند التاسعة صباحاً، وبعد تقاعدهما، اعتادا شرب القهوة وتناول الفطور (المكدوس واللبنة والزيتون) على أنغام أغنية فيروز "زعلي طول أنا وياك"، وذلك في شرفة المنزل المخنوقة بأصص النباتات وعريشة الياسمين وستائر من حبل المساكين. في الشتاء يتم نقل هذا الطقس اليومي إلى المطبخ، وعبر النافذة المطلة على الشارع يراقبان المارة بصمت.
عند العاشرة يذهب لشراء الحاجيات، وعند عودته تأخذ زوجته المشتريات، وكل يوم اثنين يقرأ جريدة النور، والزوجة تحضر الغداء، يتناولان الغذاء ثم يرتشفان الشاي ويأخذان قيلولة، وفي المساء يتمشيان في الجسر الأبيض وشارع الحمراء، ثم يلفيان إلى الشعلان ويعودان إلى منزلهما صعوداً.
في السهرة تشرب الشاي ويشرب العرق، يفصفصان بمنقاريهما البزر كعصافير الفيشر. ينامان، يستيقظان، يشربان القهوة ويستمعان إلى زعلي طول أنا وياك، يفطران ثم يخرج لشرا ء الحاجيات .....
حدث ذات إفطار أن تزعزعت طاولة الشرفة القديمة وتخلخلت، ثم صدر عنها صوت قعقعة معدنية وفرقعة خشبية وتهاوت.
اتفقا على شراء طاولة جديدة، أخبرها أنه يفضل خشب الزان الروسي، وأخبرته أن خشب الزان الفرنسي أجود. في السنة الثانية أخبرها أن الطاولة المستطيلة أفضل، لكنها أصرت على المربعة، وفي السنة الثالثة تناقشا بخصوص اللون، وفي السنة الرابعة بخصوص الحجم، وفي السنة الخامسة تجادلا بخصوص ميزات كمالية، ولم ينفذا الخطة بعد.
كانت أم جيفارا تشاهد نساء أبطال الغارة وهن يجلس في فسحة المنزل العربي، يفرمن البقدونس، ثم يخلطن الخضراوات ويتناولن التبولة، وحسبت أم جيفار أطنان الخضراوات والفواكه واللحوم التي قطعتها في حياتها وتناولتها، ثم تغوطتها، فشعرت بالاشمئزاز. أطرفت النظر إلى العجوز الذي كان يلتهم الممثلات، وتمتمت بأنه نسونجي لعلاع، لكنه جبان فشعرت بالرضا.
نظر أبو جيفارا إلى وجوه الممثلات المطلية، وإلى الصدور المشرئبة والأفخاذ والسواعد الممتلئة والمغوية، كان السيلكون ذا إعجاز ميتافيزيقي، لا تشاهده بأم عينك لكن آثاره طاغية في معظم المشاهد. وفكر في آخر مرة مارس فيها الجنس، ثم بحبش في ذاكرته عن مذاق القبلة والجسد، استعرض علاقاته العابرة خلال حياته، واستذكر أسمائهن وأشكالهن وميزاتهن الفنية والتعبوية.
ثم خطر له بأنه لم يدقق النظر في زوجته منذ زمن، ولا يذكر تحولاتها وما آلت إليه في شيخوختها، طرف بعينه إليها وتأملها. رفعت أم جيفارا الصحون عن الطاولة وتوجهت إلى المطبخ فراقب كتلة اللحم المتهدلة، أخفض نظره حتى مؤخرتها، حدجها بغرابة، حرك كأس العرق في يده، وفكر إن وضع هذه الكأس على مؤخرتها أتقف أم لا، ثم صدر عن زوجته صوت قعقعة معدنية وفرقعة خشبية وتهاوت.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...