اللوحه الأولى .. صمت الوجع
لدمشق القديمه سحر مبهم عذب و لا يستطيع فك طلاسمه حتى الراسخون في في العرافة و الجنون .
بالتأكيد لم تكن هذه المرة الأولى التي يقع بصري على تفاصيلها ، ولكن هذه المره وبروح تأمليه احسست اني اكتشف نفسي من خلالها ، مشيت باسترخاء صوب مقهى النوفره ، و اختلط لدي التصور و الإنطباع بالواقع ، احتشدت الصور في داخلي وانقذفت متزاحمه متناوشه ، تزيح الواحده منهن الأخرى .. المآذن المشرئبه باعناقها عالياً موغله في الفضاء مقتربه من بطن السماء الأزرف كانها نداءات او صراخ حاد أو رسائل مضاده من الأرض للمطلق و رغبة حلميه للتحرر من أسر الطين
أضرحه الأولياء ترقد بسلام غير عابئه بلغط الأصوات المتصاعد من الأسواق القريبه ، ولا بهامات البيوت المتداخله ، طيور اليمام المدلله والتي تنتقل بدعة و طمأنينه وحريه ف ذكرتني بما ينقصنا فغبطتها وتمتمت : حريه ..
فكرت بشوارعها الضيقه الملتويه و الملتفه كالمتاهات ، و المخصصه أصلاً لعربات الخيل ، وما آلت إليه وهي ترزح تحت و طأة السيارات و القهر و البساطير .
و أدهشني ذلك التناقض العجيب بين ظاهر دمشق القديمه التي لا أعترف بسواها من الشامات التى نمت على هوامشها ، ظاهرها الجاد و القاتم و أسوارها العاليه و الكتيمه و باطن بيوتها المفعم بمظاهر الترف و اللين والرهافه ، وخلصت إلى أن الحروب و الغزوات والحصارات المتكرره التي احاقت بها منذ طفولتها ، جعلت منها مدينه حذره تجيد فن التعامل مع مع الناس والزمن و تجيد فن الإظهار و الإبطان حسب الظروف .. مدينه التجار و المرونه و المساومات .. ولكن هل هناك من حد لتلك المرونه هذا ما سنعرفه في نهاية الحكايات ؟! ..
وعلى عتبة المقهى نفضت لآليء المطر االمتغلغله في شغري كما نفضت فيما بعد حبات الأرز المنثور من شرفات المنازل علينا و نحن نهتف : حريه .
ولم يطل انتظاري لأرى الحياة تدب في شرايينها مع صرخات أبنائها : الشعب السوري ما بينذل ، بعدما كنت أ حس دبيب الموت في جسدها و أقول : بضع خلجات و تنتهي تلك العجوز تلك المدينه الراسخه أبداً .