دراسات في الرواية بين الحداثة وما بعدها في كتاب "تطور الرواية الحديثة"
ألف
2018-07-21
اوراق
بعد الصراع الذي شهدهُ الوسط الثقافي بين اتباع الطريقة الكلاسيكي القديمة في الأدب "شعر ، نثر ، قصة ،ورواية" وبين التجديد وما تُسمى الحداثة أو تعديها إلى ما بعد الحداثة ، إلا ان هذا الخلاف لم يُقيد رواد الحداثة وخصوصاً في مجال الرواية التي شهدت تغيّرات عديدة في محاولة للارتقاء بالمستوى الفني والتقني للرواية من أجل تطويرها ،
وفي محاولة لجيسي ملتز لتبيان مراحل تطوير الرواية والتحدث عن الرواية الحديثة ومراحل ما بعد الحداثة من خلال كتاب " تطور الرواية الحديثة " ترجمة الروائية لطفية الدليمي ، ومن إصدار دار المدى للثقافة والإعلام والفنون لعام 2016 .
حيث يذكر ملتز انه اختار الرواية بالذات لدراسة أسباب تطورها لأنه يعتبرها الاشتغال المعرفي الوحيد من بين الاشتغالات الأدبية حيث استمر هذا الفن بالارتقاء المتواصل بعد فترة انقطاع إلى جانب فن السيرة الذاتية الذي يمكن عده "رواية ذات سمات خاصة" . وعند التدقيق بالدوافع التي ارتقت بالفن السينمائي وفن الرسم والتصوير وبعض الميادين التشكيلية الأخرى وحتى بعض الأعمال الروائية مثل هاري بوتر وسيد الخواتم التي استحالت إلى أعمال سينمائية وحققت إيرادات خيالية ، إلا أن الفن الروائي بقي الأكثر إيفاءً بمتطلبات الشغف البشري ، وبقيت الرواية حديثة على الدوام وكان الشغل الشاغل للرواية هو الحياة المعاصرة والأشياء الجديدة والمستحدثة وهذا ما توحي به كلمة أو مفردة " الحديثة " وهذا كان خلال الفترة مابين " 1910 و1922 " .
أما اليوم فصارت كلمة حداثة تعني أشياء أخرى ، حيث طالت كل شيء وكما لو انها شطرت العالم إلى شطرين وفجرت كل ما هو موصول بالماضي . وهذا الأمر نشأ عنه وعي جديد للشخصية الإنسانية والحياة ذاتها معا ، وفي دراسة ﻟ " أين ومتى نشأت الرواية الحديثة " يكون الجواب على هذا السؤال بحد ذاته أمر شائك ، ففي الوقت الذي لم يكن فيه الناس معتادين على معاملة الرواية كصنعة فنية على قدم المساواة مع الشعر والموسيقى والرسم ظهر "الأستاذ" كما اعتاد الكتّاب الشباب آنذاك أن يسموه وهو هنري جيمس الذي لم يبرع بالرواية فحسب ولكنه كان وبشكل ما صانعها وذلك من خلال برهنته الحاسمة بأن الرواية هي الشكل الفني إضافةً إلى كونها فنا راسخ الأركان ، وبعد أن شهد العالم تغيرا حاسماً لم يكن ممكنا للكتابة أن تمضي كما كانت من قبل، فبسبب الحرب والعلاقات الاجتماعية الجديدة فقدت الأسماء الوصفية كل قدرتها على التجاوب مع الواقع والإمساك به كما لم تعد للحكايات القديمة القدرة على أن تتضمن التجارب الجديدة التي أتاحتها الحداثة ، كما لم تعد التوصيفات القديمة قادرة على مُجاراة المشاعر والآفاق التي خلقتها الحداثة وبذلك وجبَت تعرية أوجه النفاق على كل الأصعدة ، وغدت الأسئلة الجديدة والإحساسات الجديدة هي التي تعيد خلق العالم الروائي لتكون الحاجة ماسة إلى تجريب أشكال جديدة لجعل هذه التغيرات في الشكل الروائي ممكنة ، وبهذا هشمت الرواية الحديثة الحبكة وفككت النهايات ولونت السرد الروائي بلون الأنماط السردية الشائعة في التجارب الحياتية اليومية وهذا لا يعنِي ان الرواية لحديثة أضعفت القدرة على التعبير بل انها فعلت الكثير وعززت الجهد الروائي الذي يهدف إلى منح القارئ الشعور بالواقعيات المباشرة بقدرات جديدة من الدقة والحساسية .
ولغرض البحث في كيفية إعادة تشكيل الرواية نجد ان الشخوص في الرواية الحديثة لا تُبدِ أية سمة من سمات البطولة إذ من النادر أن يُنظر لها بتفرد أو على أساس امتلاكها لسمات فائقة ، وقلما تنجز هذه الشخصيات الكثير في الرواية وغالبا ما تكون اقل جمالا من الشخصيات العادية في الرواية واقل انجازا وذكاءً وقدرةً من الشخصيات المتوسطة الإمكانيات على تجاوز المواقف الملتبسة . وهذا ما يُعد نكوصا طويلا ومتواصل لجيش الأبطال الملحميين ذوي الطبيعة الاسطورية في المشهد الروائي ، ومن ضمن طرق إعادة تشكيل الرواية أُضيفت معضلات جديدة للرواية حيث جعل الكتاب الحداثيون الأشكال الروائية تضم أنماطا جديدة من الوعي والرمزية الملازمة للأصوات الروائية المتداخلة والأنماط الحكائية التصادفية غير المتوقعة إلى جانب التشخيصات الغريبة والغامضة التي تتوافق معها وجاءت الحداثة بجملة مكاشفات سايكولوجية وهيأت مسارات جديدة للتعامل مع الواقع ، وبينما باتت الرواية الحديثة تميل إلى الرمزية جاءت رواية ما بعد الحداثة بعد أن أحدثت الطاقة الجديدة لرواية "الكومنولث" مفارقة صارخة مع ما كان يوصف بالمنظور الأدبي وهنا بدأت التجارب توظف وتُعتَمد كمصدر للتدعيم والتغيير الثقافي المطلوب في الوقت الذي واجه فيه الكتاب إحساسا عميقا باللاجدوى واستنفاد الغرض من الكتاب خارج منطقة الكومنولث ، فتذكر مُترجمة الكتاب بأننا لو ذهبنا إلى تحديات ما بعد الحداثة نجدها أغنت الرواية الحديثة واستوجبت مداخلات سياسية جديدة وتعقيدات شكلية مستحدثة ولو حاولنا المضي لأبعد من ذلك وادعينا بأن ثمة كُتاب حداثيون يكتبون اليوم بغية إيجاد فسحة مناسبة للرواية داخل خيمة الحداثة فستبقى الحاجة قائمة للتساؤل : هل يمكن للرواية الحديثة اليوم أن تكون أكثر استجابة للتحديات اﻟ ما بعد حداثية تلك التحديات التي جعلت العالم أكثر فوضى وتنوع الأمر الذي أدى لتوسيع القدرات التمثيلية أي تمثيل ما هو مطلوب وتوجيه البؤرات نحوه .