تتقاسم الدول المتدخلة في الصراع على سورية مع النظام والفصائل المتطرّفة مسؤولية استمرار الحرب القائمة، وهمجيّتها، وتشعبها باتجاهات عديدة، وتحويل الصراع من سياسي سوري - سوري، بشعارات الحرية والمواطنة والحقوق المتساوية، إلى صراع عسكري بين النظام ومعارضته (المغيّبة حالياً) التي حملت السلاح دفاعاً عن حق الحياة، إلى صراع مسلح بقيادةٍ خارجيةٍ هدفه النفوذ الميداني، والسلطوي، وتقوده دول تمويل الأطراف المحلية المتحاربة، على الجانبين نظاماً وفصائل، ويمتد ليصبح حرباً مباشرةً بين الدول ذاتها، بأدواتها المحلية المسلحة، أو بأدواتها الدبلوماسية التي تدير حربها داخل قاعات التفاوض، وعلى خريطة سورية، ومستقبل السوريين. وبينما تتجاهل كل الأطراف المتصارعة إرادة السوريين، وتعمل على تدمير ما تبقّى من حاضرهم ومستقبل أولادهم، فإن ثمّة من يساعدهم في ذلك من السوريين الذين أصبحوا جزءاً مبرّراً لصفقات بيع سورية، وتحت شعارين متضاربين: النظام للحفاظ على سوريته التي يدعوها "سورية الأسد"، المرهونة للاحتلالين الإيراني والروسي، والمعارضات للحفاظ على موطئ قدم للدول التي ترعاها، وبالتالي تحتل من خلالها مساحات داخل سورية، في الشمال، والشرق منها. "تتجاهل كل الأطراف المتصارعة إرادة السوريين، وتعمل على تدمير ما تبقّى من حاضرهم ومستقبل أولادهم" وبينما يدافع كل طرف من السوريين عن مشروعية هذه الدولة أو تلك في التحاصص على سورية، يغرق الشعب السوري على ضفتي الصراع في مآسيه المصنّعة دولياً، سواء بقهره بقتل أولاده، وتدمير بنيته التحتية، أو بحصاره الاقتصادي الذي تصدّره الدول الصديقة للمعارضة، تحت بند العقوبات، لتتلقفه الدول الخصم لها، والمساندة للنظام السوري، فيطبق هذا النظام الخناق على السوريين في الداخل من خلالها، ويضعهم تحت تهديد الجوع والفقر الذي يرونه أقل بؤساً من قتلهم واعتقالهم، أو تشريدهم نازحين أو لاجئين. حقيقة الأمر أن خيارات السوريين ما بعد الثورة ليست محصورةً فقط بين "معارضة ونظام"، أو حتى في التيار الصامت بشقيه، المغلوب على أمره بفعل القهر والخوف، وهم يشكلون الأكثرية الحقيقية داخل سورية، أو الانتهازي الذي ينتظر فرصة ميل كفّة الميزان الرابح ليترنّح باتجاهها، وهؤلاء ليسوا من حصة النظام فقط، بل هم أكثرية على الطرف الآخر تحت مسمّيات "وطنية"، وتجمّعات وأحياناً "منظمات مدنيّة"، فثمّة تقسيماتٌ جديدة ألزمنا (بضم أولها) بها، بفعل تعدّد كيانات المعارضة "المفبركة"، والفصائل المسلحة المرتهنة، وهيمنتها على واقع سورية من جهة المعارضة. وعلى الجانب الآخر، يستكين النظام السوري مقابل بقائه في السلطة لاحتلالين: روسي مقبول دولياً، ويتوفر له الغطاء الشرعي من أصدقاء الشعب السوري، والصحيح "أصدقاء قادة الكيانات المعارضة"، حتى لا نظلم السوريين الذين يدفعون أثمان مواقفهم من النظام، من فقر وفقدان فرص التعليم لأولادهم، وانعدام مقوّمات الحياة الكريمة التي خرجوا من أجلها، في مخيمات النزوح، وبعض بلاد اللجوء. واحتلال إيراني مرفوض داخلياً ودولياً، حيث يعلم السوريون مخاطر انتشار أيدلوجيته الطائفية التوسّعية التي يحاول فرضها عليهم، وهو محاصر أميركياً، ومعاقب اقتصاديا، لكنه مبارك من سلطة حكم الواقع (النظام). وبهذا، على أي الجانبين مال السوري وقع ضحية استلاب مصيره، وحدّدت دول الاحتلال التي يرفع بعض السوريين "المتبرّعين بحريتهم" على الضفتين، شعارات النصر والترحيب والتهليل لاحتلالات سورية من الدول، بتقسيماتها وتبعياتها الدولية، وحيث يجتهد النظام بتوصيفات قوات الاحتلال التركي والفرنسي والأميركي، متجاهلاً الروسي والإيراني (وزير الخارجية وليد المعلم في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 29/9). وتبارك فصائل المعارضة ما ينتقده النظام من احتلالات وتعدّيات، في مشهدٍ ينعكس على مصير سورية المستقبل الذي تتبرع كل من هذه الدول في رسمه على مقاس مصالحها، وأهدافها المستقبلية. وبين ما ينتجه النظام من خطاب ضد معارضيه وما تعيشه كيانات المعارضة من استسلامات قدرية لجهة داعميها، يعيش السوريون، على ضفتي الصراع (على ضفافه، في تعبير أدقّ) حالة العوز السياسي، والاقتصادي، والتعليمي، والأمان الاجتماعي، ويتحملون أعباء الحرب بمنعكساتها التدميرية المادية والمعنوية، ويزيد عليها تهليل الضحايا أنفسهم لما أصاب بعضهم بعضاً من فقر وحرمان، نتيجة واقع اقتصادي نال من الشعب، داخل سورية وفي مناطق نزوحه القريبة منها، وليس من النظام، ودفع ثمنه أهلنا المرابطون في بيوتهم، دفاعا عن حقهم في سوريتهم، وليس بهدف موالاة النظام، أو الوقوف ضد الثورة. واليوم في خضم اختصار مفاعيل منتجات الثورة إلى "لجنة دستورية"، ستنهي مع أول اجتماع لها كل الكيانات المشكلة منها لجهة المعارضة، ويتقاسم ولاءها الدول التي شكلتها، ويقع على عاتق أعضائها، المختارين، التوقيع على مزاد تضمين "سورية" لمن يملك الحصة الأوفر من "لا سيادة وطنية في ظل الاحتلالات، بطلب من النظام أو من دونه، ولا مقاومة وطنية في ظل الارتهانات" الضحايا، ما يجعلنا أمام أسئلةٍ مؤلمةٍ بخصوص هذه اللجنة بكل تبعياتها: ماذا بقي للسوريين كي يساوموا أو يراهنوا عليه في هذا المزاد، فلا سيادة وطنية في ظل الاحتلالات، سواء كانت بطلب من النظام أو من دونه، ولا مقاومة وطنية في ظل الارتهانات، فصائلية كانت أو سياسية؟ وهل تستطيع الأطراف المتناحرة إنتاج وثيقة متماسكة في ظل خلافات جوهرية حول أساسيات إنشاء ومراحل عمل اللجنة وتمثيلها؟ ومن منّا يثق بأن العناوين البرّاقة التي تطرحها الوثائق الأميركية المسرّبة (مع أهمية ما ورد فيها من مبادئ تحدد ملامح الحكومة المقبولة، دولياً، وإقليمياً، وداخلياً، ومداعبتها أحلام السوريين في دستور يضمن حقوقهم ومستقبلهم)، يمكن ترجمتها على أرض الواقع، في ظل التعثر القائم في تفاهمات محوري الصراع الحقيقي في سورية، وهما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؟ وبينما يتجاوز الخلاف بين الدول على شكل الخريطة السياسية لسورية، تعمل كل الاحتلالات القائمة، سواء التي جاءت بإرادة النظام، أو مساندة لمعارضاته على اختلاف أهدافها وأيدولوجياتها وأدواتها، أو كانت فوق إرادتيهما، على ما هو أخطر من تقسيماتٍ إداريةٍ حدودية لسورية الجديدة، بتقسيماتٍ ديمغرافيةٍ وأيدولوجية مذهبية، تجعل من الصراع العسكري الذي استغرق سنواتٍ في البحث عن قنوات توقيفه، ولم تنجح، حتى اللحظة، أي جهود دولية في ذلك، يمتد ليكون بؤرة الصراع القادم لما بعد الحرب على السلطة، ليصبح صراعاً أهلياً ومذهبياً يعيد سورية (بحضارتها البشرية قبل الحالية) إلى ما قبل الدولة المدنية، ويغرقها في بحر من أسواق النخاسة السياسية.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...