قصيدتان للشاعر الكبير بودلير
ألف
خاص ألف
2018-10-13
مرارة
بذاكرتي زخارِفُ من وِشام
كأني قد عَدَوتُ الألفَ عام
فدولابٌ يعج بكل صنف
من الأشعار والخطَطِ العظام
وتعمُره ملفاتُ القضايا
وكمٌّ من أناشيد الغرام
تجاورها ذوائبُ من شعارٍ
غليظ قد توارت في الزحام
لأحرى أن ينوء بما بذهني
وما سكن الدواخل من سُقام
كأن دماغيَ الموقورَ قبرٌ
جَماعِيٌّ مليءٌ بالرُّتام
يداري نفسَه عن كلِّ نجمٍ
ويزخر بالعظايا والهوام
وبالديدان كالحسرات تسعى
وتنخر ما أُعِزُّ من العظام
أنا بهوٌ عتيقٌ فيه وردٌ
تناثر ذابلا بين الركام
وفي جنباته قَبَعَت صنوفٌ
من الأنماط والسِّنن القِدام
ولوحاتٌ عن التاريخ تحكي
وأخرى تشتكي حرَّ الهيام
تَنَفَّسُ ريحَ عطرٍ قد تَبَقَّى
بِقَاعِ زجاجةٍ من غير هام
ألا ما أطول الأيام تغدو
العدو
ما كان حظي من شبابي
غيرُ لَفْحٍ كالزفير
فكأنما كان الشبابُ
سحابةً حبلى
ببردٍ زمهرير
وكأنما الأفراحُ لم تَكُ في ثنايا الغيم
غيرَ نجومِ صَحْوٍ
لامعاتٍ كالبدور
جَرَفَت سيولُ العمر أحلامي
أحالتها سرابْ
واجتثَّ نابُ الدهر من أرضي
أزاهيرَ الشباب
فَغَدَت ثمارُ حديقتي عُجُفا
عدا نزر يسير
بَلَغَت بأفكاري سفينُ العمر
ميناءَ الخريف
وتَعاوَرَتني من صروف الدهر ألوانٌ
لها ضربُ الخناجر والسيوف
واختَطَّ فوق جبين عمريَ معولُ الأيام
وشما كالقبور
مَن لي بإكسيرٍ
يعيد إلى تراب حديقتي
روحَ السرور
فتعيشَ أزهاري الجديدةُ
من رحيقه
إنْ أنا طافت بأحلامي زهور
كالوحش يأكل ذا الزمانُ من الحياةْ
لكأنه غولٌ
يعيش على البقايا
والرفاتْ
يقتات من دمنا
وينمو
بينما نذوي رويدا
كالجُدَيوِلِ
حينما ينداح في بطن الغدير
وئيدا خطوُها يوما بعام
إذا ما اللامبالاة استتبَّتْ
جليدا كالرداء من الرخام
فأسكنَت الملالة في الحنايا
وأودت بالفضول والاهتمام
وأمسى الخوف مما لست تدري
أنيسا لا يبادئ بالكلام
وبِتَّ مُجَرَّداً نَسِياً بئيسا
حطاما تائها بين الحطام
كأنك صخرةٌ في قاع وادٍ
أبا هولٍ دفينا في القَسَام
وحيدا لا يؤانسه رفيقٌ
عَبوسا لا يَهُم بالابتسام
حزينا صامتا، وإذا تغنَّى
تغنّى عند إقبال الظلام
+++