البوكر العربية (2)… نزوح مريم
ألف
2018-10-27
أنهيتُ البارحة قراءة رواية “نزوح مريم” للكاتب محمود حسن الجاسم, وأستطيع القول أنها غيّرت المخطط الذي كنتُ قد وضعته سابقاً عن سلسلة جائزة الرواية العربية, نظراً لأن الرواية كانت مُدرجة على القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية, وأثار استغرابي عدم حصول الرواية على الجائزة رغم أحقيتها وتوافر جميع عناصر النجاح في الرواية.
الرواية صادرة عن دار التنوير في العام 2015 وتسلّط الضوء على معاناة عائلة سورية حالها كحال كل العائلات والأسر السورية جراء الحرب التي يعيشها كل مواطن ومواطنة سورية منذ خمسة أعوام, حتى من هم بعيدين عن السياسة أو ممارسة أي نشاط حزبي توّرط بشكل أو بآخر بعواقب هذا القتل المجاني. وقد استطاع الكاتب ببراعة ادخالنا في دهاليز المتاهة السورية, عبر التعاطف والتفاعل مع سارة زوجة هاشم اللذين لا ناقة ولا جمل لهم في الحرب سوى أن شقيق هاشم منتمٍ الى الحزب الحاكم في سوريا, مما يعرّض هاشم وزوجته ووالدته الى شتى أنواع القهر والعذاب على يد جماعة أصولية اقتحمت منزل هاشم وأهانته وسحلته أمام والدته وزوجته وابنته, مريم.
مريم الشاهدة على مجريات الأحداث التي تعرّض لها والدها ووالدتها, ستعيش مرضاً نفسياً يؤثر على صحتها ونفسيتها جرّاء الأهوال التي عايشتها من قصف ودماء وقتل مجاني, لتقرر سارة النزوح بابنتها بعد اختفاء زوجها على يد مجموعة ارهابية, ووفاة خديجة والدة زوجها, لتعود الى قريتها محردة حيث والدها المتبقي الوحيد من عائلتها, بعد نكرانها من عائلتها المسيحية اثر زواجها من هاشم المسلم, فتعود لتنشد الأمان والاستقرار, فتُفجع من جديد بوفاة والدها, لتجد نفسها وحيدة من جديد من دون سند, وهنا تبدأ سارة مسيرة الجلجلة عبر التهريب, وصولاً الى مخيمات اللاجئين, حينها تقرر كتابة هذه الرواية لابنتها مريم, كي تكون شاهدة على الأهوال التي عاشتها العائلة.
الرواية مؤثرة جداً, تعايشنا مع تفاصيلها, عشنا مع أحداثها بكافة انفعالاتها, فبكينا وضحكنا وتعاطفنا, حتى ان الكاتب نقل الينا أجواء التوتر والترقب الذي عاشته سارة خلال نزوحها, والمخاوف التي عاشتها مع كل حاجز أمني تجتازه. ومن المستغرب, أن هذه الرواية التي تؤرّخ للمأساة السورية بكل حرفية, لا تحصل على تقدير لجنة تحكيم الرواية العالمية للرواية العربية, رغم معاصرتها لأحداثٍ تعيشها سوريا والعالم العربي برمته من جراء تقرّح هذه الجماعات الأصولية التي لا تشبه سوريا ولا الوطن العربي بشيء, كيف أن اللجنة لم تجد في الرواية عناصر جذب كافية كي تمنحها الجائزة!