قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية
عادل الأسطة
2018-12-08
يعود اهتمامي بفن القصة القصيرة إلى العام 1977 تقريبا. لقد أخذت يومها أشارك في النشاط الأدبي في فلسطين، وأكتب مراجعات نقدية لبعض المجموعات الشعرية والقصصية، ولبعض الروايات الصادرة حديثا، وهي مراجعات كان يغلب عليها طابع النقد التأثري غالبا، فلم أكن متمكناً من الأدوات النقدية، ذلك أني كنت تخرجت حديثا من كلية الآداب، ومهما كانت المساقات التي درسناها في تلك المرحلة، متخصصة، فإنها لا تخرج ناقدا يلم بالمصطلحات ويطبقها.
وسأواصل الاهتمام بفن القصة القصيرة، حين أتابع دراستي العليا، وسأتقدم في مساق "موضوع خاص في النقد" بورقة للدكتور محمود السمرة عن فن القصة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد العام 1967، وسيروق ما كتبته له، وسأتفق معه على كتابة رسالة الماجستير في الموضوع، وهذا ما تم، فأنجزت دراسة عن القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ما بين 1967و 1981.
ولما عدت إلى الضفة، وعينت محاضرا في جامعة النجاح الوطنية، أخذت أدرس مساق الأدب الفلسطيني الحديث، وكانت القصة القصيرة جنساً أدبياً التفت إليه إلى جانب الشعر والرواية، فأخذت أدرس قصصا قصيرة لأدباء غير الذين درستهم، وهكذا بدأت أطلع على نماذج من هذا الفن لأدباء عديدين، ولم أنقطع في هذه الأثناء عن متابعة ما يصدر من مجموعات قصصية، والكتابة عنها، وهكذا كتبت عن مجموعات صدرت بعد العام 1982، لكل من أكرم هنية وصبحي شحروري جمال بنورة وآخرين.
وسأعود إلى المجموعات القصصية وأنا أعد رسالة الدكتوراة عن اليهود في الأدب الفلسطيني، وسأقرأ مجموعات لأدباء لم أكن قرأت لهم، أو قرأت بعض نتاجهم ولم ألتفت إليه، لأني كنت يومها ناقدا تتحكم فيه العواطف الوطنية، فيلتفت إلى هذا، لأنه وطني، ويغض الطرف عن ذاك، لأنه ينشر في صحف ومجلات تمولها الأحزاب الصهيونية الحاكمة. سأقرأ لمصطفى مرار وعبد الله عيشان ومحمود عباسي، وسأدرس الصورة التي أبرزها هؤلاء لليهود. وسأدرس أيضا قصصا لكاتب وطني هو توفيق فياض، وهكذا سأكون وسعت الدائرة، والتفت إلى أدباء الاحتلال الأول.
بعد أن أنهيت الدكتوراة في العام 1991، سألتفت إلى هذا الفن من جديد، ولكني سأنقطع لسنوات عن الكتابة عن كل جديد فيه في الأرض المحتلة، كنت التفت إلى صورة اليهود في أدب الانتفاضة (1987)، ودرست مجموعات غريب عسقلاني ويعقوب الأطرش، ثم التفت إلى كاتب شهيد من كتاب الأفق الجديد هو ماجد أبو شرار (1981) ودرست مجموعته "الخبز المر".
وبعد ثماني سنوات من الانقطاع عن الكتابة في نقد فن القصة القصيرة، سأعود لأخوض فيه بطريقة مختلفة، سأتناول قصة لهذا الكاتب أو ذاك، وسأدرسها دراسة تحليلية، خلافا لما كنت أفعله في السابق، إذ كنت أكتب عن قصص المجموعة كلها، وما أخذت أكتبه عن قصة واحدة ساوى ما كنت أكتبه عن سبع قصص معا.
وسألتفت إلى قصة "تلك المرأة الوردة" ليحيى يخلف، وإلى قصة "وصار اسمه فارس أبو عرب" لمحمد علي طه، وإلى قصة "أهل البلد" لمحمود شقير الذي أنجزت عنه أيضا دراسة عامة، وإلى قصة "متسللون" لحنا إبراهيم، وإلى قصة "أرض من حجر وزعتر" لليانة بدر، وسأنشر هذه كلها في كتابي "سؤال الهوية: فلسطينية الأدب والأديب" (2000)
وسأواصل بعد هذا كتابة دراسات نقدية عن مجموعات قصصية قديمة وأخرى جديدة، أدرسها بطريقة مختلفة. سيصدر أكرم هنية مجموعته "أسرار الدوري"، وسأكتب عن التناص فيها، موظفا مصطلحات أخذت تشيع في الحركة النقدية العربية، وهذا ما لم أفعله من قبل، وسأكتب عن جبرا إبراهيم جبرا ومجموعته "عرق وقصص أخرى" (1956) دراسة، ربما تعد أفضل ما أنجزت من دراسات، إذ سأقف أمام الدراسات السابقة، وسأناقشها، وسأكتب عن جبرا وبعض قصصه مستفيدا من دراسة سيرته الذاتية، وفي الوقت نفسه تناولت مجموعة توفيق زياد "حال الدنيا" وأنجزت عنها دراستين ومقالة، تناولت فيهما صلة نص زياد بالنصوص القديمة، مواصلا بذلك ما درسته في مجموعة هنية "أسرار الدوري"، والعناوين والنهايات في القصص، كما أتيت على جانب السخرية فيها، وهذا ما لم يلتفت إليه النقاد، من قبل، إلا لماما. في العام 2006 سألتفت إلى ثلاثة أسماء، ليس لها باع طويل في فن القصة القصيرة، فبعض منها يعود اهتمامه إلى الشعر بالدرجة الأولى، وهذه الأسماء هي الشاعر فاروق مواسي، والشاعر عادل سالم، والمربية فاطمة خليل حمد، كتب الأول قصصا قصيرة جدا، وكتب الثاني قصصا عن العرب في أمريكا، وهذه هي قيمتها، وجمعت الثالثة قصصا قديمة مع قصص جديدة طغى عليها التفات صاحبتها إلى التراث واستلهامه.
مع بداية العام 2007 سيصدر محمود شقير "احتمالات طفيفة" وأكرم هنية "دروب جميلة"، وسأتناول هاتين المجموعتين بالدراسة. وسأفكر بإصدار كتاب أضم فيه ما كتبته عن جبرا وزياد وشقير وهنية وسالم ومواسي وحمد.
وفي نهاية صيف هذا العام 2007، سأدرس موضوعا خاصا في الأدب الفلسطيني، وسأختار نماذج من القصة القصيرة مادة له. وسألزم نفسي بالكتابة أسبوعيا كتابة أتناول فيها قصة قصيرة أدرس فيها أهم ما يلفت النظر فيها، نظري أنا على الأقل، وسأواصل ما كنت بدأته وأنا أدرس قصص يخلف وشقير وطه وبدر وحنا إبراهيم، وبعض قصص هنية وكان أن كانت هذه القراءات في أكثرها.
وسيلحظ القارئ الذي تابع الدراسات التي أنجزت عن فن القصة القصيرة أن الدراسات السابقة يختلف أكثرها طريقة عن طريقتي هذه، إذ كان يغلب عليها تناول الموضوعات ودراسة الشكل الفني بعامة، دون أن يحلل أصحابها نموذجا قصصيا.
وقد يشير بعض قراء الدراسات إلى كتاب د. بسام قطوس: دراسات نصية في الأدب الفلسطيني (2000) ودراسة محمد عبيد الله: القصة القصيرة في فلسطين والأردن (2001). قد. ولكني أعتقد أن هذا الكتاب يختلف، عدا أنني كنت منذ نهاية التسعينات، كما ذكرت، قد بدأت أقرأ نصا واحدا وأحلله. ولا أدعي أنني أبتكر هذا، فهناك نقاد عرب كانوا يتناولون نصا قصصيا واحدا ويحللونه.
وربما يتساءل القارئ: لماذا هذه الأسماء دون غيرها، ولماذا هذه النصوص دون غيرها؟ ومع القارئ حق في ذلك التساؤل.
ليس هذا الكتاب معدا أصلا لنيل درجة علمية جامعية حتى يعكف صاحبه على قراءة كل ما صدر من قصص، ليختار وليبرر الاختيار، وهذا ما فعلته وأنا أدرس القصة القصيرة في الضفة والقطاع إذ قرأت القصص كلها؛ ما صدر منها في مجموعات، وما نشر على صفحات الجرائد والمجلات، وربما ما ساعدني في ذلك أن المدة الزمنية محددة، وكذلك المكان، وهذا ما لا يمكن فعله حين يدرس المرء القصة القصيرة الفلسطينية، منذ نشأتها حتى اللحظة، وفي أماكنها المختلفة، في الوطن وفي المنفى. إن هذا يحتاج إلى عمر كامل، وإلى حرية في التنقل والإقامة، وتفرغ علمي أيضا، ولا أظن هذا ممكناً في ظروفنا.
ومع ذلك فقد حرصت أن أدرس نماذج قصصية متعددة ومتنوعة ولكتاب مختلفين، منهم من توفاه الله، ومنهم من لم يزل على قيد الحياة، ويمثل هؤلاء أجيالا مختلفة، وبيئات مختلفة أيضا.
ينتمي نجاتي صدقي إلى جيل الرواد، ويمثل القصة القصيرة قبل العام 1948، وإن واصل الكتابة بعد هذا العام، وحسب على كتابها في المنفى أيضا.
وأما سميرة عزام وجبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني، فيمثلون جيل الخمسينات من كتاب القصة القصيرة، ويمثلون أيضا أدب النكبة الذي أنجز في المنفى، وقد تناولت جيل الستينات في كتابات أخرى نشرتها في أماكن أخرى، تناولت ماجد أبو شرار وقصة أهل البلد لمحمود شقير.
وأما حنا إبراهيم ونجوى قعوار فرح وتوفيق فياض فإنهم يمثلون أدباء النكبة داخل الوطن المحتل. ذلك أن النصوص التي اخترتها لهم تمثل انعكاس النكبة في النصوص الأدبية، وهم بدأوا الكتابة، قبل العام 1967- أي منذ خمسينات القرن العشرين.
وأما إميل حبيبي ومحمود شقير وغريب عسقلاني وأكرم هنية، فإن نصوصهم المدروسة تصور هزيمة حزيران، وما نجم عنها، وهم ينتمون إلى بيئات مختلفة في فلسطين: الناصرة وحيفا، والضفة الغربية وقطاع غزة، ولما كنت درست محمد علي طه، فقد آثرت ألا أتناوله هنا.
وسأتناول من أدباء المنفى بعد هزيمة 1967 محمود شقير، الذي أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي في العام 1975، ورشاد أبو شاور، وربما أكون هنا مقصرا بحق أدباء آخرين. لكن ما يعوض هذا أنني درست في كتابي: "سؤال الهوية: فلسطينية الأدب والأديب" قصة لليانة بدر، وثانية ليحيى يخلف. ولم أتناول قصصا أنجزت في مرحلة السلام، مرحلة (أوسلو)، ربما لأن ما كتب لم يكن لافتا، وكنت أود أن آتي على ما كتبه خليل السواحري، غير أنه لا يشكل خطوة متقدمة في مسيرته القصصية، قياساً لمجموعته "مقهى الباشورة".
وسأتوقف أمام بعض القصص التي كتبت في فترة انتفاضة الأقصى، سواء أتناولت الانتفاضة مادة لها، كما في قصص أكرم هنية أم لم تتناولها، كما في قصة محمود شقير: صورة شاكيرا. ولم أدرس نماذج من القصص التي أنجزت في الانتفاضة الأولى، لأنني درست قصص غريب عسقلاني ويعقوب الأطرش من قبل، ونشرتها في مجلة جامعة النجاح للأبحاث، وأعدت نشرها في كتابي: سؤال الهوية، وأفضل أن يعود الدارس لمكان نشرها الأول.
قد أكون أنصفت بعض الكتاب، وقد أكون غبنت بعضهم، ويكفي أن أنبه إلى هذا الفن من جديد، علَّ الطلبة الذين أدرسهم المساق يحبونه، ويواصلون قراءة القصة القصيرة والكتابة عنها، فيكملون ما في الكتاب من نقص. علَّ وعسى.