رحلت مي سكاف في المنفى الفرنسي، وكانت الثالثة في راحلات عائلتها، فقد سبقتها قبل عام ونيف اختها الأكبر لوما سكاف في دمشق، وتوفيت والدتهما في دمشق قبل اشهر، ثم اختتمت مي رحيل الثلاثة في باريس بموت مفاجئ، يحيط بها التباس، ستحله تحقيقات فرنسية، حسب ما نقل عن أقارب لمي سكاف. الحديث عن الراحلتين الاوليتين، يتصل بالراحلة الأخيرة، فالراحلة الأولى لوما شخصية معروفة في الوسط الثقافي والاجتماعي، اشتهرت كشخصية متفتحة ومنفتحة في المجتمع، وكان بيتها ملتقى لكثير من رجالات الادب والفن والثقافة والسياسة السوريين من دعاة التغيير الديموقراطي، وكانت نقاشات الشأن العام في سوريا واحداً من الموضوعات المطروحة في امسيات بيتها المطل على خانق دمشق الغربي في ربوة دمشق. ووالدتها الراحلة، كانت مميزة بانفتاحها وتفتحها في حياتها العامة والخاصة، بما يمثله ذلك من حلم وسعي الى تغيير الحياة السائدة في مجتمع دمشق والسوري التقليدي، ورسم ملامح نمط حياتي معصرن، يراعي أكثر فاكثر حاجات الناس للحرية ولحقوق الانسان الاساسية. وسط تلك البيئة عاشت وتفاعلت مي سكاف، مما جعل موقفها من الثورة محصلة، أكثر مما هو ردة فعل، او مجرد عداء شخصي لرأس النظام، كما يتصور البعض، او كما يحلو للبعض ان يروه في مواقف مي، التي كانت بين أوائل الناشطين بالثورة وفعالياتها، كما هو حالها في نداء الحليب من اجل أطفال درعا في نيسان 2011، ومظاهرة المثقفين والفنانيين في تموز 2011، وما تلاها من نشاطات، لم تتوقف حتى موتها. مي سكاف في نشاطاتها عبر الحراك الثوري، ركزت على قضايا الحرية ووحدة السوريين وحقوقهم الاساسية، وادنت العنف والإرهاب الذي مارسه النظام وشبيحته وحلفائه، كما عنف وإرهاب الجماعات المتطرفة، وإزاء استمرار النظام في متابعة سياسته الدموية قتلاً واعتقالاً وتهجيراً وتدميراً، ربطت بين سياساته ووجود بشار الأسد على رأس النظام، فاستعارت اسم الثاني ليكون تعبيراً عن ممارسات الأول، دون ان تفقد جوهر موقفها، وهو ماعبرت عنه آخر، ما كتبته على وسائل التواصل الاجتماعي: لن افقد الامل… انها سوريا العظيمة، وليست سوريا الأسد. لقد كثفت مي حضور الراحلات الثلاثة في نظرتهن لسوريا بالقول: سوريا جميلة بتنوعها. سوريا ليست لطائفة أو لدين، سوريا بمسيحيها ومسلميها كأزهار نستنشق عطرها على أرضنا المباركة. وكثفت موقفهن في صف الثورة وفي مواجهة نظلم الأسد بالممارسة عبر مشاركتها في الحراك الثوري بمافيه من تظاهرات واعتصامات، وحشد لقدرات السوريين لتحقيق مطالبهم، وكشف لسياسات وممارسات السلطة وادانتها، وخاصة في موضوعات القتل والاعتقال والتهجير، وقد كانت قضية المعتقلين في صلب اهتماماتها، ولعل الأهم في مسيرة مي سكاف في الثورة انها لم تدخل بوابة المزايدات السياسية، ولا تدخلت في الاشتباكات، التي حصلت في صفوف المعارضة، بل بقيت ضمير السوريين البسطاء. ولايحتاج الى تأكيد القول، ان مسيرة مي في الثورة، لفتت نظر كثير من السوريين الذين اطلقوا عليها اوصاف تدلل على الإخلاص للثورة والحرص عليها، وتعزيز الانتماء لسوريا وشعبها، وبدا من الطبيعي، ان ينعكس الامر على واقعة رحيلها، وتحويلها الى يوم لحداد سوري عام في وسائل التواصل الاجتماعي عبر آلاف البوستات والتغريدات، التي شاركت فيها شخصيات من مختلف الطيف السوري بتنوعاته الايدولوجية والسياسية والثقافية، الدينية والعرقية والاجتماعية، مقترباً من حالة اجتماع سوري، هو الأقرب الى اشهر الثورة السورية الأولى، حيث كانت الشوارع والساحات، تعج بمئات آلاف البشر من شباب ونساء ورجال وأطفال. وإذ وحد-او كاد- رحيل مي سكاف السوريين بما لها من سيرة ومواقف. فانه يطرح على السوريين فكرة استعادة وحدتهم، التي سعى نظام الأسد وحلفائه في السنوات الماضية الى تمزيقها وتدمير دعاتها، قبل ان تنضم جماعات التطرف والإرهاب الى هذا النهج المقيت، وقبل ان تصب الصراعات البينية لمعظم اطراف “قوى الثورة والمعارضة” في ذات السياق. لقد وحد رحيل مي سكاف كثير من السوريين افراد وجماعات ومؤسسات، فهل يذهب هؤلاء الى عمل موحد او جبهوي من اجل سوريا وفي مواجهة مايوصف بانه “هزيمة” ثورة السوريين!
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...