
    

    
حصاد الثقافة المصرية في 2018:الدكتاتور يطمس معالم الكتاب
إيهاب محمود
2018-12-29
لم يكن العام 2018 سعيدًا على مستوى النشاط الثقافي في مصر، ويمكن ضمه مع سابقه في ملف واحد كي يعبرا عن فترة من أسوأ فترات الثقافة المصرية، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق. فالنظام المصري يكره الثقافة، ويتحسس موضعه كلما اشتم رائحة كتاب. مفهوم أن الدكتاتور لا يصادق الكتب، لكن دكتاتور هذه الأيام لا يكتفي بذلك، إنه يسعى لتمزيق الصفحات وطمس معالم الكتاب.
إقالة النمنم
كانت أيام قليلة باقية على افتتاح فعاليات الدورة الـ49 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عندما بدأ عام 2018 بإقالة وزير الثقافة حلمي النمنم، وتعيين الدكتورة إيناس عبد الدايم، وهي أول سيدة تشغل هذا المنصب في تاريخ مصر. بدا الأمر مفاجأة للنمنم الذي كان يتهيأ لقضاء وقت أطول داخل الوزارة، خاصة أنه قدم خدمات جليلة للنظام، هكذا ظن، عندما سكت تمامًا عن كل شيء، وبهتت علاقته بالوسط الثقافي، واعتكف في برج عاجي لا ينزل منه إلا لقص الشرائط حتى سمي بوزير الافتتاحات وقص الشرائط. وأُقيل النمنم قبل افتتاح المعرض بأيام حتى خشي البعض من أن يفشل التنظيم، وأن تُساء إدارة المعرض، ولكن ما نسيه البعض هو أن معرض القاهرة للكتاب تحول منذ سنوات إلى سوق كتاب، محض سوق، وبنظرة على الخيام المنتشرة في أرجائه سيدرك الواحد منا أنه لا يحتاج إلى أي تنظيم من أي نوع، وأن إقالة وزير الثقافة قبل انطلاق المعرض بأيام لن يؤثر بحال على "تنظيم الخيام".
وزيرة الثقافة ضد الثقافة
كان القرار الأول لوزيرة الثقافة الجديدة هو نقل معرض القاهرة للكتاب من منطقة إقامته بأرض المعارض بمدينة نصر إلى التجمع الخامس، وهو القرار الذي واجهه الوسط الثقافي بسخط شديد، حيث إن الجمهور سيُحرم من ارتياد المعرض بالسهولة نفسها التي يمارس بها طقس الذهاب للمعرض بمدينة نصر، حيث البوابات القريبة جدًا من مترو الأنفاق، والحياة المنتشرة في المنطقة، بخلاف التجمع الذي يعتبر منطقة نائية بعيدة عن "جَوْ" القاهرة وناسها وأحيائها. كما أن جمهور التجمع انتقائي للغاية، حيث يسكن تلك المنطقة الأغنياء فقط، وهم بذلك يمثلون شريحة بعيدة بشكل كبير عن الشرائح التي يستهدفها معرض الكتاب، وفي النهاية معرض القاهرة للكتاب ليس معرضًا مهنيًا مثل معرض فرانكفورت، ولكنه معرض بيع وشراء الكتب وهو بذلك يعتمد على الجمهور كعامل أساسي في إنجاحه، ويأتي قرار نقله ليضربه في مقتل.
زيادة مقرات الرقابة!
وزيرة الثقافة لم تكتف بنقل المعرض للتجمع، بل اتخذت قرارًا فجائعيًا آخر وهو إنشاء فروع ومقرات للرقابة على المصنفات الفنية داخل قصور الثقافة في 7 محافظات، وهي: الجيزة، جنوب سيناء، أسيوط، الأقصر، أسوان، مرسى مطروح، والبحر الأحمر. ولا يقتصر عمل المقرات على منح تصريحات للأفلام السينمائية والموافقة على نصوص الأفلام فقط، فهي مختصة بإعطاء تصاريح للمطربين والراقصات، وكل من يُقدم فنا على كل الأصعدة، إضافة إلى أنه لا يمكن تنظيم أي حفلة إلا بتصريح من الرقابة!
إذاً الوزيرة تقرر زيادة مراكز القمع والرقابة وفرض الهيمنة على الفن، والوزيرة تريد المساهمة بدور في تضييق الخناق على المجال الثقافي العام، وهي لا تفعل ذلك من تلقاء نفسها، لكنها أوامر تأتيها من أعلى، غير أنها كوزيرة للثقافة، كان الأمر سيكون مشرفًا لها بدرجة أكبر لو رفضت الأمر، أو استقالت، دون أن تضطر لتبرير القرار بأن هذا يصب في مصلحة الفن، وأنه لتسهيل العمل على المواطنين في المحافظات، ولكسر المركزية!
إغلاق مكتبات "أ" ومركز الربع
وفي قرار يعتبر استمرارًا لهجوم النظام المصري على المكتبات والمراكز الثقافية، المبرر طبعًا في ظل نظرية الدكتاتور، تم التحفظ على جميع فروع مكتبات "أ" التي تقارب الأربعين فرعًا، والسبب يتلخص في اتهامات بالأخونة، وأن مالك المكتبات لديه ميول لتنظيمات الإسلام السياسي، وبالتالي فإن ما يديره من أنشطة تهدد السلم العام وتكدر أمن الدولة، هذه الدولة التي وضعت مراقبًا ماليًا وآخر إداريًا لمتابعة أنشطة المكتبات، وكل فترة يغلق فرع جديد، وبعد الأنشطة الثقافية التي أنعشت الوسط الثقافي لسنوات، خيم صمت كئيب.
ولا يقف مركز الربع الثقافي بعيدًا عن ذلك، هذه المساحة الثقافية البديعة التي تقع في قلب شارع المعز التاريخي الأثري البهيج، تواجه تهديدات وإنذارات بالإغلاق، لأنها مطالبة بأرقام خيالية عليها أن تدفعها لمصلحة الضرائب، وهي المصلحة التي لا تنتعش ذاكرتها إلا عندما يتوهج مكان ما، أو يلمع نجم شركة أو مركز تجاري، لتواجهه المصلحة إما بالدفع أو الإغلاق، في تنامٍ خطير لـ"نظرية البلطجة".
مهرجان القاهرة السينمائي
وكعادة إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، اتخذت قرارًا عدائيًا قبل انطلاق فعاليات المهرجان بأيام، حين أعلن المنتج محمد حفظي، مدير المهرجان، عن تكريم المخرج الفرنسي كلود ليلوش، المعروف بانتمائه لإسرائيل، وهو انتماء عاطفي وفكري وفني، عبر عنه ليلوش في مناسبات كثيرة، ما أثار حفيظة عدد كبير من الفنانين والمثقفين لتثور عاصفة من الانتقادات تطال إدارة المهرجان ووزارة الثقافة وجميع القائمين على الموضوع، حتى تم التراجع عن تكريم ليلوش واختيار بيتر جرينواي بدلًا منه.
الإصدارات: الحدث الأكثر بهجة ومتعة
تعتبر إصدارات العام هي الحدث الأكثر بهجة ومتعة، باعتبار الكتاب هو النافذة التي يمكن للواحد منا أن يتنفس عبرها.
كانت هناك عدة إصدارات مميزة هذا العام:
"همس النجوم"
آخر إصدارات العام، وربما تعتبر أهمها وتحتل موقعًا خاصًا من الأهمية على المستوى العربي، مجموعة قصصية غير منشورة لنجيب محفوظ بعنوان "همس النجوم"، صدرت عن دار الساقي اللبنانية. وهي تضم 18 قصة لنجيب محفوظ تُنشر للمرة الأولى في كتاب.
الحكاية بدأت حين اكتشف الصحافي المصري محمد شعير، وهو يعمل منذ فترة على أعمال نجيب محفوظ، أن ثمة مجموعة من القصص التي نشرها محفوظ في مجلة "نص الدنيا" من دون أن يتمّ نشرها في كتاب، وتواصلت الدار مع أم كلثوم ابنة محفوظ، ووافقت على عرض الساقي لنشر المجموعة، وهو اكتشاف يُضاف إلى اكتشافات أخرى كثيرة تخص محفوظ الذي لا ينضب.
"أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة"
يقف كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" للصحافي المصري محمد شعير، على قمة الإصدارات، والكتاب لا يرصد سيرة أولاد حارتنا، بقدر ما يتخذ منها تكأة للانطلاق نحو رسم صورة للحال الثقافي والسياسي لمصر في زمن عبد الناصر، ولعلاقات المثقفين وتفاعلاتهم مع الرواية، والاستقبال الأزهري لها، وتفسيرات الشيوخ، والمردود الشعبي الذي يعبر عن حالة المجتمع وقتذاك، وبكلمات أخرى هي سيرة مصر الثقافية والسياسية والاجتماعية في ذلك الوقت، لا سيرة الرواية فقط.
"الهائم في البرية"
"الهائم في البرية" هو الديوان العاشر لعبد المنعم رمضان، والصادر عن دار العين للنشر، ويحاول فيه رمضان أن يخلق ومضات تترجرج بين عوالم المحسوس والخيال السينمائي والحكائي، حيث عوالم تترجرج بين الضفاف ولا تستقر عند حدود. وبحسب خالدة سعيد، فإن كتابة رمضان أشبه ما تكون بكتابة سرية، والحضور الجسدي مرئي، مهما كان سريع الزوغان، لا يسلمها إلى التجريد.
"مكان وسط الزحام"
تعتبر السيرة الذاتية للروائي والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان "مكان وسط الزحام"، إضافة مهمة لنوع لا يقبل الكتاب العرب عليه كثيرًا، يهابونه، ولا يحملون أنفسهم مشقة السير في طريقه المتعرجة، الوعرة جدًا، حيث فضيلة الاعتراف التي تحتاج لجرأة مُفتقدة عند الغالبية العظمى منا.
"خطابات محمد خان إلى سعيد شيمي، الجزء الأول"
أصدرت دار الكرمة مؤخرًا الجزء الأول من رسائل المخرج الراحل محمد خان إلى صديقه التاريخي المصور السينمائي سعيد شيمي.
ونجد أنفسنا في الكتاب، بحسب كلمات الناقد محمود عبد الشكور، أمام دراما هائلة تمثل قصة حياة محمد خان في سنوات الشباب، مكتوبة بصراحة مطلقة، وكأن كل سنة هي فصل مثير، تتخلله لحظات صعود وهبوط، وأمل وإحباط، متابعًا: "إننا تقريبًا أمام مذكرات عقل ووجدان وعين شاب مصري رأى وسمع وشاهد، ونحن أيضًا أمام وثيقة مدهشة عن جيل يكتشف معنى الفن والحياة، ويحاول في نفس الوقت أن يكتشف نفسه وقدراته، لكي يعبر بهذه القدرات من عالم الهواية إلى دنيا الاحتراف، من شغف الفرجة، وهي أساس كل شيء، إلى حلم صناعة الأفلام، وبهجة تحقيق السينما".
الجوائز
حضر الكتاب المصريون هذا العام على قوائم الجوائز الأدبية، ومنهم من فاز. فقد ضمت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية المصريين أحمد عبد اللطيف ورشا عدلي، كما نافست منصورة عز الدين على جائزة ملتقى الكويت للقصة بوصولها للقائمة القصيرة، وفاز الروائي أحمد القرملاوي بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع المؤلف الشاب.