“منطق الخطاب القرآني” .. دراسات معمّقة في لغة القرآن ودلالتها المعرفية
ألف
2019-01-19
يضم كتاب “منطق الخطاب القرآني” (دراسات في لغة القرآن)، وهو الكتاب الصادر حديثاً، وفي طبعة أولى عام 2016، كحلقةٍ من “سلسلة الدّراسات القرآنية” التي يصدرها “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي”، في بيروت. و”منطق الخطاب القرآني” هو عملٌ بحْثيٌّ جديد للكاتب الإيراني المتخصِّص في دراسة القرآن وقضاياه، الدكتور محمد باقر سعيدي روشن.
وهذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية رضا شمس الدِّين، يتألَّف من مقدّمة وأربعة عشر فصلاً، مع ثَبْتٍ بأهداف ومقدِّمة ومن ثم خلاصة، كل فصلٍ على حدة، تتقدّمها جميعاً كلمة الناشر التي جاء فيها:
يحاول الكاتب والباحث في القرآن وعلومه في هذا الكتاب تسليط الضوء على موضوعات أساسية في فهم طبيعة الخطاب القرآني، ويتوزع جهد الكاتب في كتابه هذا بين الدفاع عن لغة القرآن الكريم ومنهج فهمه، في مواجهة التيارات والمدارس الأخرى التي تحاول فرض أساليبها على المسلمين في فهمهم لكتاب ربهم، وفي مواضع من الكتاب يمكن تصنيف الجهد الذي بذله الكاتب في خانة التأسيس أو التعميق للمنهجيات التي ابتكرها المسلمون في تاريخ تعاملهم مع القرآن.
وعلى مدى فصول الكتاب الأربع عشرة يعالج الكاتب أهمّ الموضوعات والظواهر بطبيعة اللغة التي يعتمدها الله سبحانه في خطاب الإنسان.
وتقول مقدِّمة الكتاب: تُعتبر الدّراسات التي تتناول النصّ الديني اليوم من أهم ما يطرح في فلسفة الدين، وهي تتضمن مسائل عدة متنوعة، بعضها قديم موروث، وبعضها الآخر حديث النشأة…
أما المسائل الجديدة والنظريّات التي لم يسبق أن طرحت فمنها: مداليل جمل النصوص الدينية وقضاياها، ودراسة دور النص الديني ووظيفته من حيث كونه نصاً أخلاقياً يهدف إلى مجرد الحثّ والوعظ أم نصّاً واقعياً يحكي عن الواقع ويعرّفه لنا، وكونه ذا لغة جازمة تفيد معنى واضحاً ومحدّداً، أم لغة محيّرة تنفتح على احتمالات متعددة؟ ومسألة تأثره بثقافة عصره ولغته أو عدم تأثّره بهما؟
فهذا النوع من المسائل يمثّل حدوداً جديدة لدائرة لغة النص الديني. ومحوراً لدراسات فلاسفة الدين والباحثين في الإلهيات، وهي تطرح اليوم لتطبق على القرآن الكريم. ولا تزال تنتظر دراسات جادّة، ولا يخفى أن دراسة هذه المسائل والوصول إلى رؤية واضحة حولها يحدّد قواعد التفسير وهرمنيوطيقا النصّ القرآني، وله أثره البالغ في عملية التفسير.
ويمتاز هذا الكتاب، باعتماده محورية لغة النص القرآني، ودراسته ما يرتبط بكل مسألة من مسائلها، دراسة تخصصية، بما يُهيِّء لتأسيس نظرياتٍ جديدة، كما اعتمد في تدوينه الأسلوب التعليميّ.
وهذه الكيفية في تصميم البحث والمحتوى العلميّ الذي اشتمل عليه، نتجا عن الدراسات المستمرّة، والتّدريس المتكرّر لطلاب الدّراسات العليا في الحوزة والجامعة، فسبَّبا قفزةً نوعيّة في أسلوب معالجة موضوعه.
ولقد أمكن للمعالجة أن تقسِّم الأبحاث – نظريّاً – على “أقسام” فصليّة متعددة:
ومن هنا فقد تمّ في البداية – وفق ما يقتضيه المنهج المنطقيّ – توضيح المفاهيم ذات الصلة بالبحث؛ كاصطلاحات: اللغة، لغة الدين، ولغة القرآن. ثم تمّ عرض المسائل المطروحة حول لغة النص الدينيّ والنظريات التقليدية والآراء الغربية الحديثة؛ ليكون ذلك منطلقاً للدخول في مسائل لغة النص القرآني، ومدخلاً لبيان ضرورتها. وقد تناول أحد فصول هذا القسم النظريات التقليدية حول المسألة. لكن ثمة فصولاً أربعة خصصت للبحث حول عناوين نظير:
– الخواء واللامعنى في لغة النص الدينيّ.
– الوظيفية في لغة النص الديني.
– الرمزية في لغة النص الديني.
– الواقعية النقدية فيه.
وذلك نظرياً إلى أهمية هذه العناوين فيد راسة النظريات الغربية المطروحة حول هذا الموضوع.
وثمة فصل تحت عنوان: التمايز بين الأسس والمنطلقات الفكرية الإسلامية والأخرى الغربية. وهو يحدد بمنتهى الدقة نقطة الاختلاف بين منهجنا في دراسة النص القرآني، وبين المناهج الغربية الحديثة حول النص الديني.
وبعد هذه الأبحاث التمهيدية ذات الدور الرئيس في كيفية دراسة ما يتعلق بالنص القرآني، تأتي الفصول اللاحقة لتدرس بدقّة مسائل لغة النص القرآني. وفي هذا القسم ندرس أولاً لغة النص القرآني على صعيد المفردات، ثم على صعيد الجمل. ثمّ ثمة فصل تحت عنوان: مداليل الجمل والقضايا في النص القرآني وكونها ذات معنى، وهو يختص بدراسة مفهوم ومعنى النص القرآني ومعيار كونه ذا معنى وكيفية ذلك، ويحدد موقفنا من هذه المسألة. ومناهج دراسة النص القرآني هو فصل آخر يدرس فيه الكاتب الاتجاهات المختلفة حول ذلك ويبيّن فيه نظرية تتمثّل بنظرية اللغة العرفيّة الأخصّ من العرف. ووظائف لغة القرآن هو فصل آخر أيضاً يدرس لغة القرآن على ضوء نوعين من الوظائف النظرية والعملية. ويبحث الفصل الحادي عشر والذي هو تتمة للفصل السابق حول أسس وأدلة واقعية قضايا القرآن ومبادئها.
وفي الفصل الثاني عشر الذي يحمل عنوان “لغة القرآن: محيّرة أم جازمة؟” تمّت دراسة مسألة أخرى من المسائل المطروحة حول لغة النصّ الديني، والتي طبّقت على القرآن الكريم. وقد بيّن هذا الفصل اعتماد القرآن الوضوح في لغته في سبيل هداية الإنسان ضمن رؤيته التوحيديّة، وعمل على نقد الاتجاه الذي يرى الدين مجموعة من الألغاز والأسرار غير القابلة للفهم، وأنّ النزاع في فهم النصوص الدينية نزاع لا ينتهي. وترتبط بذلك مسألة الأبعاد المختلفة والبطون، وهي مسألة قديمة نسبياً تفيد أنّ القرآن ليس محصوراً في بعده الظاهريّ ولا يختص في جهة محدّدة؛ بل هو ذو أبعاد عدة وأعماق باطنيّة. واختصّ آخر فصول الكتاب بدراسة وتقييم إحدى المسائل البالغة الأهمية والتي طرحت حديثاً، وهي مسألة صلاحية النص القرآني لكل زمان ومكان أو تاريخيّته.
وفيه يرى الكاتب – وبالاعتماد مجدّداً على الدراسات الأبستمولوجيّة والأنطولوجيّة – أنّ القرآن الكريم في الوقت الذي ينظر فيه إلى وقائع خاصّة في حياة الإنسان، فإنه يتمتع إلى جانب ذلك بهويّة خالدة، والنظرية التي تطرح في هذا المجال هي: “النزول التاريخي والحضور اللاتاريخي”.
وعن أهداف هذا الكتاب: يمكن أن نلاحظ الأهداف التي ينشدها هذا البحث في الأمور الآتية:
1 – بيان منهج تفسير القرآن من خلال تسليط الضوء على إحدى أهم قواعده.
2 – التعرّف على المسائل المطروحة في علوم القرآن، والتي تعدّ مقدمة لتكوين النظريات وإنتاج المعارف والعلوم في هذا المجال.
3 – القيام بعمليات التحليل والتركيب للمسائل المختلفة المتعلّقة بلغة النصّ القرآني من خلال رؤية إيجابيّة (تكوين نظريّة) وبالاستناد إلى أسس نظرية المعرفة في الاستدلال، وأسس الرؤية الكونيّة التوحيدية في مجال فلسفة الوجود.
وعن خلاصات فصول الكتاب: يمكن تلخيص النتائح التي انتهى إليها الكتاب بما يأتي:
1 – تقديم معلومات رئيسية حول موضوع لغة النص الديني والنص القرآني، تتوجّه إلى عامّة من يرغب في التعرّف على الموضوع.
2 – طرح آراء بديلة حول مسائل النصّ القرآني، متناسبة مع المباني المعرفيّة للقرآن الكريم.
3 – الإجابة عن أهم التساؤلات، ونقد النظريات المتنافية مع الأصول العقدية المختصة بالقرآن، ورفع الشبهات عما يرتبط بلغة النص القرآني.
4 – تأمين كتاب دراسيّ يستند إلى بحوث علمية، ويناسب المراحل العالية في فروع الإلهيات في الجامعات والمراكز العلمية الحوزويّة، وخاصة في تخصصي “التفسير” و”الكلام”.
هذا ويوجد بعض الخصائص التي حازت على اهتمام الكاتب، وربما تعدّ من مختصّات هذا الكتاب:
1 – اعتماده التخصّصيّة في معالجة المشكلات المطروحة حول لغة النصّ القرآني، الأمر الذي لا نجده في سائر الكتب.
2 – اعتماد منهج البناء والتأسيس في مسائل لغة النصّ القرآني بدلاً من منهج الدفاع.
3 – ومن النتائج الإبداعية في هذه الدراسة: تقديم النظريات البديلة في مسائل النص القرآني في مقابل النظريات الدخيلة، وتقديم تفسير لكون النص القرآني نصّاً مفيداً للمعاني، وتقديم آليّة لكيفية تحصيل المعرفة من القضايا والجمل في النص الديني، وتقديم تفسير لكون النص القرآني نصّاً جازماً له قوانينه، تفسير امتلاك النص القرآني للبطون والأبعاد المتعددة وتقديم نظرية “لا تاريخية النصّ القرآني” حول اسلوب لغة القرآن، والتي تتمحور حول مزايا وخصائص القرآن.