حصاد القضية السورية لعام 2018
2019-01-26
أولًا: نظرة عامة إلى أهم الحوادث والتطورات لعام 2018
نبدأ بمؤشرات العنف، فقد بلغ عدد ضحايا عام (2018) 17074 قتيلًا، بحسب ما استطعنا رصده، عدد المقاتلين منهم 11212 رجلًا يشكلون ثلثي عدد القتلى، والثلث الباقي (5862 قتيلًا) من المدنيين، يتوزعون بين نساء (893 امرأة نسبتهم 15 في المئة إلى القتلى المدنيين) وأطفال (1368 طفلًا نسبتهم 23 في المئة) وذكور بالغين (3601 رجلًا نسبتهم 61 في المئة إلى القتلى المدنيين).
ذروة القتل كانت في شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس، إذ كانت حرب النظام في ذروتها على منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، أما أدنى معدلات القتل فكانت في الشهر الأخير من السنة، إذ أصبحت الجبهات المفتوحة بحدها الأدنى بحسب ما سنذكر أدناه.
انحسار عدد من الجبهات وتركز المعارك في مناطق محددة، وابتعادها نسبيًا عن المناطق السكنية أثر أيضًا في تركيبة القتلى، فأخذت نسبة القتلى من المدنيين بالانخفاض التدريجي لحساب نسبة القتلى من العسكريين.
نلاحظ أيضًا أن مساهمة سلاح الطيران في حصاد الأرواح بدأت بالتراجع بعد انتهاء معارك الغوطة، ليصبح ابتداءً من نيسان/ أبريل في الدرجة الثانية بعد المعارك والاشتباكات الأرضية.
في توزع الضحايا على المحافظات نلاحظ تصدر دير الزور الساحق، حيث سقط على أرضها 37 في المئة من إجمالي قتلى القطر، وهذا بسبب تركز المعارك في ريفها الشرقي في الأشهر الأخيرة، وعدم هدوء جبهتها على مدار العام. والمقصود طبعًا حرب تصفية تنظيم الدولة الذي تشنه قوات سوريا الديمقراطية بدعم من قوات التحالف الدولي.
تأتي ريف دمشق في المرتبة الثانية بعدد الضحايا، حيث سقط فيها 20 في المئة من الضحايا، لكن هؤلاء معظمهم سقطوا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام حيث معارك الغوطة الشرقية على أشدها.
بالنسبة إلى المجازر، فقد نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي عن سورية، أن عدد المجازر بلغ 223 مجزرة عام 2018، أي بمعدل مجزرة كل يوم ونصف تقريبًا، يتحمل النظام السوري مسؤولية 60 في المئة منها، وتتحمل قوات التحالف الدولي مع القوات الروسية مسؤولية 25 في المئة من المجازر، يتقاسمانها بالتساوي تقريبًا. (التفاصيل في الفصل الثاني؛ مؤشرات العنف).
في الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وأيضًا بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغ عدد المعتقلين والمختفين في نهاية العام 2018 /213885/ معتقلًا ومغيبًا، يتحمل النظام منفردًا مسؤولية 87 في المئة منهم، بينما تتحمل التنظيمات الإسلامية المتشددة مسؤولية 9 في المئة منهم. (التفاصيل في الفصل الثاني؛ مؤشرات العنف).
في المشهد الميداني، أوردنا في التقرير (الفصل الثالث؛ المشهد الميداني) ثلاث فقرات رئيسة نلخص هنا أهم ما جاء فيها؛
على صعيد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) استمرت حرب تصفية التنظيم من دون توقف تقريبًا، حتى تراجعت سيطرته على الأرض إلى ما يقارب 1.5 في المئة. جرى ذلك على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قوات التحالف الدولي في منطقة شرق الفرات، وعلى يد قوات النظام السوري والميليشيات المذهبية المحاربة إلى جانبها، بدعم من روسيا وإيران، في المناطق الأخرى من القطر، ومع نهاية العام لم يبق تحت سيطرة التنظيم سوى تلك المساحة المذكورة أعلاه التي تتركز في أرياف دير الزور.
عن جيرون
أما الحرب بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة، فكانت حصيلتها هزيمة فصائل المعارضة فيها جميعًا، بعد الحصار والتجويع والقوة النارية الهائلة التي تعرضوا لها التي قتلت ودمرت كل أسباب الحياة ومستلزماتها. وانتهى الأمر في تلك المعارك معظمها بتسويات عاد فيها النظام إلى تلك المناطق، وهُجر جزء من سكانها أو معظمهم، ورُحِّل المقاتلون إلى إدلب أو أرياف حلب. ولم يبق في حوزة المعارضة المسلحة سوى منطقة إدلب المحمية بتسوية تركية روسية.
أما عملية غصن الزيتون التي أطلقها الجيش التركي في 20 كانون الثاني/ يناير لطرد المسلحين الكرد من عفرين، باستخدام فصائل من المعارضة المسلحة (الجيش الحر) رأسَ حربة، فقد انتهت بعد شهرين بسيطرة الأتراك على كامل المنطقة.
العملية السياسية في هذا العام شهدت تراجعًا بائسًا لمسار جنيف (جولة وحيدة فاشلة) على حساب استمرار مسار آستانة وفاعليته، إذ اخترعته روسيا بهدف تدجين المعارضة المسلحة، وفصلها عن المعارضة السياسية، والتهام مناطقها واحدة تلو أخرى، وهذا المسار الذي ترعاه روسيا بالاشتراك مع تركيا وإيران، حقق نجاحًا كبيرًا في أداء دوره، من دون أن يقدم للمعارضة المسلحة أي مطلب، مهما كان تافهًا، باستثناء الباصات التي نقلتهم إلى الشمال.
مؤتمر سوتشي الذي صنفناه مع العملية السياسية الذي عُقد في سوتشي بطلب روسيا وتخطيطها وإدارتها، فشل في تحقيق أهدافه بسبب المقاطعة الواسعة له، سواء من الغرب، أم من هياكل المعارضة معظمها؛ كالائتلاف وهيئة التفاوض. لكنه خرج بقرار وحيد يتعلق بتشكيل لجنة تعمل على صوغ دستور جديد للبلاد.
مجلس الأمن أيضًا أصابه الشلل في المسألة السورية بفضل الفيتو الروسي الذي أخرجه من دائرة الفعل والتأثير وحوله إلى ما يشبه السيارة المحطمة التي لا يعمل منها سوى بوقها. (انظر الفصل الخامس – محاولات مجلس الأمن في القضية السورية)
في المواقف الدولية (الفصل السادس) نشير إلى قرار ترامب الأخير بسحب القوات الأميركية من سورية الذي كان بمنزلة زلزال هزّ العالم، وفاجأ الجميع، بمن فيهم أقرب المقربين من البيت الأبيض ودوائر صنع القرار الأميركي، ووضع الحلفاء والأصدقاء والأعداء في جو من الحيرة والتخبط. ودفع الكرد -الذين وضعوا كل بيضهم في سلة الولايات المتحدة- إلى البحث المحموم عن مخرج يقيهم خطر الاجتياح التركي الوشيك لمناطقهم.
نشير أيضًا إلى سعي الروس لاستثمار انتصاراتهم العسكرية في عملية سياسية تضمن بقاء النظام، وبقاء مصالحهم وسيادتهم على سورية، وجلب أموال إعادة الإعمار من الغرب والخليج. من دون ظهور ما يشير إلى نجاحهم في مسعاهم هذا.
نشير أيضًا إلى إصرار تركيا على استكمال السيطرة على الشمال السوري بهدف القضاء على وحدات حماية الشعب الكردية المصنفة لديهم تنظيمًا إرهابيًا يتبع لحزب العمال الكردستاني، واستعداها لاقتحام منبج والشريط الحدودي بين الفرات ودجلة، باستخدام 15000 مسلح سوري من الفصائل المؤتمرين بأمرها. ونلاحظ أن العملية وُضعت على نار هادئة بعيد قرار ترامب بالانسحاب، وبعد أن كانت القوات التركية على وشك الدخول.
إسرائيل عبرت عن ارتياحها لوصول قوات النظام إلى حدودها، ولم تتوقف عن ملاحقة القوات الإيرانية على الأراضي السورية وقصفها في أي مكان وفي أي وقت، مع ملاحظة خفوت هذه العمليات بعد إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية بنيران الدفاعات السورية، وقرار روسيا في إثر ذلك تسليم قوات النظام منظومة الدفاع الجوي S-300 التي انتهى تسليمها في الشهر العاشر.
نختم بالدول العربية، وخبر هرولتها باتجاه إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، سواء عبر إعادة فتح السفارات، بمثل الإمارات والبحرين، أم عبر فتح المعابر كالأردن، أم عبر التنسيق الأمني عالي المستوى بمثل العراق. وأول زيارة لرئيس دولة إلى دمشق منذ ثماني سنوات، هو الرئيس السوداني عمر البشير الذي حطت طائرته في دمشق في 16 كانون الأول/ ديسمبر.