نقد / إشكالية الجديد تاريخياً 'قصيدة النثر نموذجاً'
2006-12-31
خاص ألف
لا أحد لوحده مالك الحقيقة..!
أجل.. فهذا البحث المصنوع بعجالة يحاول قدر المستطاع أن يستثمر هذه العبارة مندسَّاً قدر المستطاع من خلال الشقوق الهائلة الحاصلة في جدران وعي الناس أفراداً وهيئات ومؤسسات.
ولأنّ المجتمعات العربية تعيش تشوشها الحضاري واهتزازها التاريخي منذ دخول نابليون إلى مصر، فإنه من الطبيعي أن تبدأ أولى أعراض هذا الطارئ على الجانب الأكثر أهمية وحساسية في حياة العرب وأعني الشعر.. وكيف لا والشعر ديوان العرب..؟ وهم لم يبدعوا في أي من الفنون مثلما برعوا فيه.
ولأن للشعر هذه الأهمية في حياة العرب سيكون من الطبيعي أن تبقى الحروب على أشدِّها بين الشعراء وأن تظلّ أبواب الصراع مفتوحة على مصاريعها بين تياراته المختلفة.. كما أن تجلّيات هذه الظاهرة (الصحيّة) ستبرز على أكمل أوجهها في المعارك الدائمة والتي لن ينقشع غبارها أبداً بين القديم والجديد.. الثابت والمتغير..
وبشجاعة أكثر يمكن القول بأن هذه الظاهرة الفذّة والخطيرة والقادرة على الانسحاب على مجمل أشكال الحياة هي خاصية طبيعية ومستمرة ولا نملك إلا إذكاءها (إذا كنّا أوفياء لمنطق التطور) حين نريد الرهان على الوجدان الشريف للحياة والضمير النقي للمستقبل، مدركين أن الحديث عن شروط تحقق هذه الآلية (آلية التطور) يظلّ ناقصاً إن لم تحدد مجالات فعله في احترام الرأي الآخر والموضوعية مع الذات ومع الآخر إضافة إلى السعي الحثيث لوضع اليد على الحقيقة أو مشارفها قدر الإمكان.
أحياناً تنفلت الأمور عن هذه المجالات، ومع هذا تبقى في الحدود الطبيعية.. كأن نجد كتابات مبتعدة عن الثوابت الحقيقية للكتابة.. أو عن الوسع المطلوب لصد الحوار الذي يريد أن يؤسس حقاً.. متخلِّية عن روح النقد المخلصة.. نازّة بالحقد والتجديف.. شغلها الشاغل الحطّ من قيمة الجديد... ومع هذا لا نستطيع أن نُخرج هذه الكتابات من مجالات الطبيعية والمشروعية لأن في الحياة ثمة مجالات أو هوامش للارتياب والشك والخطأ وقد تكون مفيدة أحياناً كأن تثير مناخاً فكرياً أو أدبياً لمسائل ثقافية راكدة.. مثلما نحاول الآن في هذا البحث مدافعين فيه عن الشعر الجديد وقصيدة النثر خصوصاً غير مغفلين حقّ الآخرين (الرافضين للشعر الجديد) حرية التذوّق واختيار الرصيف الشعري الذي يرونه أكثر استقراراً وأماناً لتكوينهم الثقافي والنفسي والجمالي.. وحقّهم أيضاً في إيجاد المتنفّس الضروري لبثّ أفكارهم وقناعاتهم ونشرها بالأشكال الرسمية وغير الرسمية.
ولأن قصيدة النثر هي المُدانة.. وهي الموضوعة في قفص الاتهام من محيط الشعر إلى خليجه قُمنا بتجميع وفرز كل ما خطر ببال رافضيها من اتهامات وعيوب ومسؤوليات تخريبية بغية مناقشتها ببعض التفصيل منوّهين في الوقت ذاته أننا لا نسعى من جراء كل هذا للردّ على أحد بذاته بالمعنى الشائع للردّ.. أي بالمعنى الذي يقتضي ردّ الكيد إلى النحر.. كما لا نبغي إلصاق التهم الجاهزة بنتاجاتهم وأفكارهم وصيرورتهم الفنية والشخصية.. على العكس.. إن هذا البحث سعي منا لإيجاد المدى الذي يتسع لاحتضان الأيادي الممدودة إلى بعضها –للمصافحة- وبلا قُفازات العداوات المبيتَّة.
الآن وبعد هذه المقدمة (العاطفية) سنفرز ثلاثة اتجاهات متفقة جميعها على رفض قصيدة النثر أو عدم قبولها..
الاتجاه الأول: اتّهامي: يرى بأن قصيدة النثر تحمل قصدية التخريب وهي جزء من المؤامرة الكبيرة على المجتمع العربي.
الاتجاه الثاني: استعلائي: ينطلق في رفضها من منطق التفوق ويعمل على نفيها فنياً وشعرياً.
الاتجاه الثالث: متحفّظ: وهو أكثر مرونة من الاتجاهين السابقين ويرى أن في قصيدة النثر الكثير من جوانب الشعر ولكنها مليئة بنقاط الضعف والسلبيات ويتحدث كثيراً عن غياب العروض.
أما الأفكار الأساسية لهذه الاتجاهات أو التيارات العريضة الرافضة لقصيدة النثر وخصوصاً للاتجاهين الأول والثاني فيمكن تفصيلها كما يلي:
1-إنّ قصيدة النثر لا تنتمي إلى الشعر لغوياً وفكرياً وإيقاعياً.
2-إن قصيدة النثر مشبوهة ومتهمة بالعمالة وأن كتّابها من الشعوبيين وأعداء الوطن "أفردنا لهذه النقطة تحديداً بحثاً آخر مستقلاً عن هذه الدراسة".
3-إنها مقطوعة الصلات بالواقع العربي.. كما أنها دخيلة ومقاطعة جماهيرياً.
4إنها مخرّبة للذائقة الشعرية العربية ومساعدة على اختراق الأمن الثقافي العربي.
5-إنها وضعت القارئ العربي في حيرة من أمره ودفعته إلى مقاطعة الشعر عموماً.
6-إن وراء انتشارها أيادي أجنبية مشبوهة متضافرة مع جشع مقاولي النشر.. كما لا مستقبل لها في الثقافة العربية.
7-غمغمة نقدية سريعة تطالب بإعادة النقد الأدبي وتياراته إلى نقطة الصفر مُدَّعية بأن الرائد الحقيقي للتجديد الشعري هو د. علي الناصر في ديوانه الصادر عام 1932 تحت اسم (الظمأ).
-من سؤال معاكس لمضمون الأفكار السابقة سأبدأ:
لماذا يجد البعض في الشعر الجديد ومن قصيدة النثر طاقة شعرية هائلة ومختلفة في حين يرفضها البعض الآخر ولا يستطيع هضمها..؟
الإجابة سأحيلها إلى د. خليل موسى الذي صنّف القراء في ثلاثة أنواع وذلك في مقالة منشورة له في جريدة الأسبوع الأدبي بتاريخ 11/1/1996 وتحمل عنوان الشعر المعاصر وإشكالية التلقي" يقول فيها: "القارئ القديم: متلق ثابت، فهم ووعى وأدرك ثقافته القومية العتيقة ولكنه عجز عن فهم ووعي وإدراك الثقافة الإنسانية الشاملة.. ثقافة العصر، لذا يرفضها رفضاً مطلقاً ولمّا واجهته الحياة الجديدة بتجربتها وجماليتها وجد نفسه بعيداً عنها أو غير قادر على اللحاق بها فعاد يعدو إلى الخلف ليلتجئ بالعصور الماضية والتجارب الماضية مدّعياً الحفاظ عليها والتمسك بها وبالأصالة".
ولا يقف د. خليل موسى عند هذا الحد في تشريح القديم (شاعراً وقارئاً) ونبش داخله الفكري والجمالي حيث يتابع: "هو متلق اتهامي، فهو يصم الحداثة بعيوب فيها وفي خارجها فيتهم أصحابها بالعجز عن النظم الكلاسيكي ويتهم الشاعر الحداثي بالغموض والإبهام والهلوسات... أما العيوب الخارجية فهي اتهام شعراء الحداثة بالتعامل مع الأجنبي لضرب التراث العربي".
إذاً لا نفاجأ اليوم إذا رأينا الكثير من المثقفين العرب يصدرون في أحكامهم على الشعر الجديد من خلال القياس مع الأصل أو النموذج الموروث الذي يعني بنظرهم المعرفة الكلية والمطلق الثقافي الذي قال كل شيء في كل شيء حتى في الذي سيأتي من حوادث... وكائنات وليس على الجديد إلاّ أن يكون تفريعاً عليه... هذا المثقف العربي هو الذي يحيا في مناخ مستقر ومطمئن وامتثالي ويشعر بالعجز والدّونية أمام إنجازات الماضي وما أسسه السلف الصالح... إنّه يحيا في المناخ الذي ترمز إليه كلمة عمر بن العلاء: "إنما نحن ممن مضى كبقل في أصول نخل طوال.." وعن هذا النموذج يكتب أدونيس في صدمة الحداثة "لا يصدر هذا النموذج في فهمه وأحكامه إلاّ عمّا تأسس واستقر سلفياً وهو يُشيع بفعل الطرق التفسيرية المحافظة مناخاً ثقافياً يعنى بالمعلوم لا بالمجهول وتسيطر عليه نزعة التلقّن لا نزعة الاكتشاف ونزعة القبول لا نزعة التجاوز...". أمّا لماذا انصرف الناس عن الشعر..؟! فيمكن لنا أن نرصد الكثير من الأسباب منها ما هو ذاتي من داخل الشعر والقارئ معاً... ومنها ما هو خارجي تماماً مع لفت النظر إلى أنّ الانصراف عام عن الكتاب والقراءة لكل ما ي
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |