فهمت الصديقة الفرنسية أن الدعوة الموجهة إليها من قناة تلفزيونية فرنسية باللغة العربية هي لإجراء حوار حول زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة، فقبلت، وهي الباحثة المتخصصة في الشؤون المصرية منذ نحو عشر سنوات، والتي أقامت طويلًا في عاصمة المُعزّ. وكان من المفترض أن تشارك في حوار مع “زميل” باحث اقتصادي مصري يقيم في باريس، كما كان من المنتظر أن تنضم إليهما، عبر الأقمار من القاهرة، سيدة عضو في البرلمان المصري شبه المُعيّن، وهي أيضًا عضو في لجنة العلاقات الخارجية لهذا المجلس.
وكما تجري العادة في مثل هذه الحوارات السياسية، يبدأ المنشط المستضيف بطرح سؤال مفتاحي عن الحدث/ الزيارة، وقد ظهر على الفور أن السيد “الخبير” الاقتصادي والسيدة “العضو في البرلمان” مُكلّفان أمنيًا، باتخاذ وضعية الرامي منبطحًا، إلى القدر الذي تسمح به انهزاميتهما الأخلاقية والتعبيرية الانبطاح فيه، وبدا أنهما قد تجرّعا سمّ النفاق إلى درجة تقمّصهما أدوار ضباط السلك، في الصراخ والتهديد والتهويل، وعلى الرغم من أن الخبير/ المُخبر الموجود في الأستوديو كان أشد التزامًا بالقوانين الفرنسية، من حيث التهديد بالويل وبالثبور على الهواء مباشرة، لكونه مقيمًا على أراضيها، وهو يخشى، ليس كما مسؤوله الأمني، تطبيق القانون عليه إن تجاوز حدًا معينًا من الرمي، فإن السيدة العضو/ “الشاويش” كانت تلعب دورها بشكل متجانس مع أخلاقيات المهنة، أمنيًا وعقائديًا، من حيث السيطرة على الكلام بالصراخ والإرعاد والإزباد والتهكّم غير الباعث إلا على الغثيان.
كانت صديقتنا الفرنسية تُراقب الأمر بذهول، وتُحاول أن تطرح، بين الفينة والأخرى، حسب ما يُتيح لها المنشط الذي وجد نفسه في فخ أمني مصري مُحكم، عبارةً أو اثنتين بهدوء شديد، بدا وكأنه مسيطر عليه بأعصاب فولاذية لكي يتحمّل هذا القدر من السفاهة المبرمجة والمنسقة من قبل محاوريها/ مقاطعيها المصريين، وأصرت الباحثة الفرنسية، بلغتها العربية الممتازة، على التشديد على أهمية التوقف عند ملفات المعتقلين وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر عمومًا، التي تشهد تدهورًا لم تعرفه البلاد منذ عهد محمد علي على أقل تقدير، حتى لا نُصاب بلعنة الفراعنة، واعتبرت أن التقدم في هذا الملف يجب أن يكون المقياس الأساس لتطوير العلاقات مع هذا البلد، مُدينة الحسابات الضيقة التي تربط الأمر بالمصالح الاقتصادية، أو التفكير قصير النظر الذي يرى في الدكتاتوريات عنصرًا مؤمنًا للاستقرار ورادعًا للإرهاب ومانعًا للهجرة، وقد أثبتت التجارب عكس هذه القاعدة تمامًا.
من المؤكّد أن محاوريها لم يستمعا إلى أي كلمة وردت على لسانها، لأنهما كانا مبرمَجين أمنيًا للصراخ والعويل، حتى لو كانا قد فهما بعضًا مما ورد على لسانها، فهما أجبن من أن يواجها الأمر إلا باستراتيجية “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، وذلك ما دفع الباحثة -في نهاية الأمر- إلى التحول من الكلام الجدي إلى الابتسام المستمر الذي وصل إلى درجة الضحك ملء الشدقين، والتصفيق، وكأنها تحضر مسرحية هزلية أو عرضًا لسيرك من الحيوانات المفترسة التي دربها الطاغية.
الإعلام المصري الموجّه إلى الداخل، كما السوري وسواه من أجهزة الأمن الإعلامية -أو الإعلام الأمنية- في دول الاستبداد، يعتمد أساسًا مبدأ “استحمار” المتلقي، وهذا مبدأ عقائدي راسخ في ذهنية القائمين عليه، لأن الشعب -في اعتقادهم- إسفنجة تمتص كل الأكاذيب التي يمكن أن نرميها بها. بالمقابل، يجب التمييز بينه وبين الإعلام الموجه إلى الخارج، فالمصريون، على الرغم من خبرتهم الواسعة، هم أيضًا “يستحمرون” المتلقي الخارجي، فينعكس ذلك عليهم وبالًا من التهكم والاستهزاء، أما السوريون فقد طوّروا، على هامش المقتلة، جيشًا أمنيًا من أصحاب الياقات البيضاء، أتوا بهم ليتوجهوا بلغةٍ، على الرغم من حجريتها وخشبيتها، تحترم في أدنى الحدود ذهنية المتلقي الخارجي، وتلعب على الأوتار الحساسة التي عرفوا العزف عليها، منذ اليوم الأول: الخوف على المسيحيين، الطائفية، الاستقرار، الرهاب من الإسلام بكل أشكاله، العلمانية مهما كانت كاذبة وغير حقيقية… الخ.
من “يبعبع” منهم على الشاشات الوطنية لا تجده البتة على الشاشات الأجنبية، فلكل زمان ومكان رجاله أو نساؤه، بل حتى، بالتعاون مع المدرسة الروسية، يكاد المراقب أن يلحظ أنهم استطاعوا أن يُلقنوا بعض المتحدثين لديهم دروسًا، في علم النفس الإعلامي/ الإجرامي، في كيفية استفزاز المحاور والعودة إلى ما يريدون قوله، من دون إعطاء أي إجابة على أي سؤال، كما قدرة الهروب والتنصل من الملفات الشائكة كالمذابح والاختفاء القسري، بتوجيه الحديث نحو الدولة الإسلامية أو خوف الأقليات.
حديث “المربعات” و”المؤامرة الكونية” و”الغواصة الألمانية” لا تجده بلغة أجنبية أو موجهًا إلى متلقٍ خارجي، هذا الاستغباء موجّه فقط إلى من يريد من السذّج المحليين أن يصدقه.
متى يتعلم المصريون، وهم الأولون، التمييز بين الداخل والخارج، في تصميم آلة الكذب الإعلامي/ الأمني التي تعمل لديهم ليلًا ونهارًا من دون توقف؟ السوريون ليسوا الوحيدين في هذا المجال، لكنهم الأفضل، فاستعينوا على أكاذيبكم الموجهة للخارج بهم، يا أهل ماسبيرو. كما كان من المنتظر أن تنضم إليهما، عبر الأقمار من القاهرة، سيدة عضو في البرلمان المصري شبه المُعيّن، وهي أيضًا عضو في لجنة العلاقات الخارجية لهذا المجلس.
وكما تجري العادة في مثل هذه الحوارات السياسية، يبدأ المنشط المستضيف بطرح سؤال مفتاحي عن الحدث/ الزيارة، وقد ظهر على الفور أن السيد “الخبير” الاقتصادي والسيدة “العضو في البرلمان” مُكلّفان أمنيًا، باتخاذ وضعية الرامي منبطحًا، إلى القدر الذي تسمح به انهزاميتهما الأخلاقية والتعبيرية الانبطاح فيه، وبدا أنهما قد تجرّعا سمّ النفاق إلى درجة تقمّصهما أدوار ضباط السلك، في الصراخ والتهديد والتهويل، وعلى الرغم من أن الخبير/ المُخبر الموجود في الأستوديو كان أشد التزامًا بالقوانين الفرنسية، من حيث التهديد بالويل وبالثبور على الهواء مباشرة، لكونه مقيمًا على أراضيها، وهو يخشى، ليس كما مسؤوله الأمني، تطبيق القانون عليه إن تجاوز حدًا معينًا من الرمي، فإن السيدة العضو/ “الشاويش” كانت تلعب دورها بشكل متجانس مع أخلاقيات المهنة، أمنيًا وعقائديًا، من حيث السيطرة على الكلام بالصراخ والإرعاد والإزباد والتهكّم غير الباعث إلا على الغثيان.
كانت صديقتنا الفرنسية تُراقب الأمر بذهول، وتُحاول أن تطرح، بين الفينة والأخرى، حسب ما يُتيح لها المنشط الذي وجد نفسه في فخ أمني مصري مُحكم، عبارةً أو اثنتين بهدوء شديد، بدا وكأنه مسيطر عليه بأعصاب فولاذية لكي يتحمّل هذا القدر من السفاهة المبرمجة والمنسقة من قبل محاوريها/ مقاطعيها المصريين، وأصرت الباحثة الفرنسية، بلغتها العربية الممتازة، على التشديد على أهمية التوقف عند ملفات المعتقلين وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر عمومًا، التي تشهد تدهورًا لم تعرفه البلاد منذ عهد محمد علي على أقل تقدير، حتى لا نُصاب بلعنة الفراعنة، واعتبرت أن التقدم في هذا الملف يجب أن يكون المقياس الأساس لتطوير العلاقات مع هذا البلد، مُدينة الحسابات الضيقة التي تربط الأمر بالمصالح الاقتصادية، أو التفكير قصير النظر الذي يرى في الدكتاتوريات عنصرًا مؤمنًا للاستقرار ورادعًا للإرهاب ومانعًا للهجرة، وقد أثبتت التجارب عكس هذه القاعدة تمامًا.
من المؤكّد أن محاوريها لم يستمعا إلى أي كلمة وردت على لسانها، لأنهما كانا مبرمَجين أمنيًا للصراخ والعويل، حتى لو كانا قد فهما بعضًا مما ورد على لسانها، فهما أجبن من أن يواجها الأمر إلا باستراتيجية “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، وذلك ما دفع الباحثة -في نهاية الأمر- إلى التحول من الكلام الجدي إلى الابتسام المستمر الذي وصل إلى درجة الضحك ملء الشدقين، والتصفيق، وكأنها تحضر مسرحية هزلية أو عرضًا لسيرك من الحيوانات المفترسة التي دربها الطاغية.
الإعلام المصري الموجّه إلى الداخل، كما السوري وسواه من أجهزة الأمن الإعلامية -أو الإعلام الأمنية- في دول الاستبداد، يعتمد أساسًا مبدأ “استحمار” المتلقي، وهذا مبدأ عقائدي راسخ في ذهنية القائمين عليه، لأن الشعب -في اعتقادهم- إسفنجة تمتص كل الأكاذيب التي يمكن أن نرميها بها. بالمقابل، يجب التمييز بينه وبين الإعلام الموجه إلى الخارج، فالمصريون، على الرغم من خبرتهم الواسعة، هم أيضًا “يستحمرون” المتلقي الخارجي، فينعكس ذلك عليهم وبالًا من التهكم والاستهزاء، أما السوريون فقد طوّروا، على هامش المقتلة، جيشًا أمنيًا من أصحاب الياقات البيضاء، أتوا بهم ليتوجهوا بلغةٍ، على الرغم من حجريتها وخشبيتها، تحترم في أدنى الحدود ذهنية المتلقي الخارجي، وتلعب على الأوتار الحساسة التي عرفوا العزف عليها، منذ اليوم الأول: الخوف على المسيحيين، الطائفية، الاستقرار، الرهاب من الإسلام بكل أشكاله، العلمانية مهما كانت كاذبة وغير حقيقية… الخ.
من “يبعبع” منهم على الشاشات الوطنية لا تجده البتة على الشاشات الأجنبية، فلكل زمان ومكان رجاله أو نساؤه، بل حتى، بالتعاون مع المدرسة الروسية، يكاد المراقب أن يلحظ أنهم استطاعوا أن يُلقنوا بعض المتحدثين لديهم دروسًا، في علم النفس الإعلامي/ الإجرامي، في كيفية استفزاز المحاور والعودة إلى ما يريدون قوله، من دون إعطاء أي إجابة على أي سؤال، كما قدرة الهروب والتنصل من الملفات الشائكة كالمذابح والاختفاء القسري، بتوجيه الحديث نحو الدولة الإسلامية أو خوف الأقليات.
حديث “المربعات” و”المؤامرة الكونية” و”الغواصة الألمانية” لا تجده بلغة أجنبية أو موجهًا إلى متلقٍ خارجي، هذا الاستغباء موجّه فقط إلى من يريد من السذّج المحليين أن يصدقه.
متى يتعلم المصريون، وهم الأولون، التمييز بين الداخل والخارج، في تصميم آلة الكذب الإعلامي/ الأمني التي تعمل لديهم ليلًا ونهارًا من دون توقف؟ السوريون ليسوا الوحيدين في هذا المجال، لكنهم الأفضل، فاستعينوا على أكاذيبكم الموجهة للخارج بهم، يا أهل ماسبيرو.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...