كشاف الوراقين
    
    
    
"أرواح صخرات العسل” لممدوح عزام ... حين يصبح الملاذ قبراً
نزار غالب فليحان
خاص ألف
2019-02-23
تبدأ رواية "أرواح صخرات العسل" من اسمها ، حين تتماهى أقانيم ثلاثة في ضفيرة لا يمكن أن تكون إلا عبر ولادة عسيرة أو من خلال ظروف صعبة ، فكيف تركن الروح لصخرة ؟ و كيف يألف الصخر العسل ؟ و كيف يصبح الثلاثة لوحة جميلة ؟
و لعل الثلاثية الثانية و ربما الأساسية في النص هي روح النص ، العلاقة الأصيلة و القوية بين أبطاله ، عابد الجوف و خالد سيف الدين و حامد أبو الليل .
أما ثلاثية القمع فهي التي شكلت المناخ العام للنص ( البيت – المدرسة – المجتمع ) فكل منها يمثل وجهاً من أوجه قمع السلطة ، فالإفقار و التجويع و العسف عوامل لطالما كبلت الإنسان ما جعل من محسن الجوف والد عابد قامعاً ثانوياً على مستوى الأسرة ينشب أظافر عوزه و عجزه في وجوه أبنائه و زوجته ، و لزوم أن تدار المؤسسات التربوية بواسطة مريدي السلطة و عبيدها جعل برهان العلمي مديراً للمدرسة و زيتون أبو طرة مسؤولاً في منظمة الشبيبة ، و حاجة السلطة إلى بث الفرقة بين مكونات المجتمع الواحد و جعلهم في ذعر و ترقب مستمرين حتم وجود مخبرين و عسس ليل يعدون على الن اس أنفاسهم .
في هذا المناخ المأزوم نمت شخصيات النص حاقدة مقهورة ، تغذت على الكراهية فأنبتت غلاً ، تبادلت الخوف فتهتكت روابطها ، و خضعت لتشويه ممنهج أفسد فطرتها و فرق شملها .
ربما بحث ممدوح عزام عن مدخل إلى الحكاية السورية يقرأ من خلاله الحاضر كانعكاس حتمي للماضي حين لجأ إلى المصدر المزدوج للحكاية نائل الجوف و أحمد الشايب المعروف في النص بـ ( أحمد لدي مصادري ) ، حكاها الأول و ساعده الثاني في ترميمها و تصحيحها عبر حوار انتهجه و وضع إطاره ممدوح عزام كراوٍ أساسي أو ربما رآه ضرورياً بين المصدرين كلما كانت تبرز إشكالية مواقف أو رؤى لدى أبطال النص .
صخرات العسل المكان كانت الملاذ الآمن لأرواح الثلاثي عابد و حامد و خالد الذين رفضوا تدجين الحزب و المنظمة ، و رفضوا الخنوع ، و ظلوا يغرودون خارج سرب الخاضعين حتى رحلوا تباعاً ، كان عابد آخر الراحلين حين تحققت نبوءة موته إلا قليلاً ، حيث منحه القدر شهراً واحداً زيادة على شهرين و ثمان سنين كانت المدة التي تنبأ بها ، لم تخلُ من مغامرات عشق بين خالد و هيفاء اللذين استرقا اللقاءات في شوارع المدينة ، و بين عابد و هند التي شكلت عيناها الحضور الأجمل منذ أول مشهد ثنائي في لقائهما الأول حتى لقائهما الثاني حين رفع رأسه ليراهما بكامل ألقهما في محل الاكسسو ارات النسائية الذي باعت حليمة أم حامد ذهبها كي تؤسسة للأصدقاء الثلاثة بعد فشل مشاريعهم الزراعية الواحد بعد الآخر .
و إذا كانت كل شخصيات النص فاعلة و مؤثرة و مساهمة في بنائه و رسم أحداثه ، فإن شخصية عابد كانت الحامل الأبرز له ، حين تعرضت لكل أشكال القمع و حين شكلت المحور الأشد رفضاً ، و حين تركت تساؤلاً أساسياً في النص من خلال بحثها الدؤوب عن "جميل الصخري" الشخصية التي اكتنفها الغموض ، الشخصية الغائبة الحاضرة التي شكلت حلم عابد ، الحلم الذي قد يعوضه عن أبيه الصلف بأبٍ مثالي بديل ، و ربما كان "جميل الصخري" أباً لروح عابد في جيل مضى ، الروح التي حضرت في قميص عابد في جيلها الحالي ، و كأن الحلم ملاذ عابد و تعويضه عن حرمانه الكبير ظل يلازمه إلى أن عثر على � �أس والده محسن الجوف دون الجسد ، فسعى حثيثاً معرضاً نفسه لكل أشكال الخطر للعثور على الجسد دون جدوى .
لم تنعكس الحرب و قسوتها بشكل حاد على النص ، ما جَنَّبَ لغته التشنج و التقريرية و فرض الرأي ، لتبدو أكثر تشخيصاً و حكائية و تعبيراً عن الحالة دون الولوج عميقاً في أدلجتها ، بسيطة سارت في اتجاه متصاعد تخللتها إضاءات تقرأ الواقع و بارقات تستشرف المستقبل .
"أرواح صخرات العسل" ثالث رواية أقرأها لممدوح عزام بعد "معراج الموت" و "قصر المطر" ، البيئة الاجتماعة للنصوص الثلاثة واحدة ، ثمة إصرار ربما لدى الكاتب على أن يذهب عميقاً في تشريح هذه البيئة و نبش مكنوناتها لتسليط الضوء على تفاصيلها و رصد كافة جوانبها من خلال حكاياتها و تاريخها و تأثيرها و تأثرها في المحيط الذي تختلف عنه بالعادات و التقاليد و الدين و التراث بحيث تشكل ثقافة مختلفة تضاف إلى ثقافات سوريا المتعددة و التي يشكل اجتماعها وطناً .
و لعل تكرار اسم القرية "المنارة" التي كان قد سكنها "آل الفضل" في رواية "قصر المطر" كمسرح لأحداث تلك الرواية ، و جَعْل "قصر المطر" إحدى القرى المجاورة لقرية "المنارة" في "أرواح صخرات العسل" خير دليل على تواصل النص الروائي لدى ممدوح عزام و استمراريته .
في "أرواح صخرات العسل" حيث يصبح الملاذ قبراً ، أطلقَ ممدوح عزام صيحات رافضة في فضاء ضيق و دفنَ أرواحاً حرة في صخور صَمَّاء و بلسمَ الجراح بعَسَلِ غدٍ أجمل .
نزار غالب فليحان
مروان جربوع
2019-02-23
تحليل جميل ومعلومات إثرائية قيمة تشجع المتردد عن القراءة ان يقراء
نزار غالب فليحان
2019-02-24
أشكرك أخي مروان ... [الطبع اشجع على قراءتها ... و ربما وجدتَ بعد قراءتك لها مضامين أُخرى في النص
نزار غالب فليحان
2019-02-24
أشكرك أخي مروان ... و أظن أنك ربما وجدتَ مضامين أُخرى في النص لدى قراءتكَ له