فــدوى / سيرة تأملية لكشف المسكوت عنه
2008-06-11
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة صدرت رواية ( فدوى ) للكاتبة والروائية المصرية فدوى حسن. الرواية تقع في 144 صفحة من القطع المتوسط، تصميم الغلاف للفنان أمين الصيرفي.
"فدوى" عمل يجمع بين السيرة الذاتية للكاتبة ورغبتها في التعبير عن ذاتها بضمير المتكلم، وبين فضح المسكوت عنه؛ ذلك العالم الجواني لامرأة شرقية قررت في لحظة فارقة أن تبوح، وأن تكشف ما يُسكت عن التعبير عنه في حياتها في جرأة نادرة، ولكنها جرأة واعية تعرف كيف تفيد من وضعيتها كأنثى في مجتمع شرقي منغلق، كما تعرف كيف توظف تلك الجرأة فنيًا في نص أدبي يفيد من طرائق السرد الروائي، وروح الشعر ولغته.
الغلاف الخلفي للرواية تضمن كلمة الناقد الكبير الدكتور محمود أمين العالم، وجاء فيها:
(هذا العمل الإبداعي "فدوى" من أعنف ما قرأت، ليس عنفًا لغويًا أو حدثيًا، بقدر ما هو عنف الفكرة الماورائية الجدلية التي تطرحها الكاتبة دون حذق أو تلبس أو مجاهدة مغرضة لخلق الوصف، هذا أيضًا دون سرد زائد عن الحد أو حوار مشتت. ولأنه لون أدبي جديد من الكتابة الإبداعية، فقد استوقفني كثيرًا قبل تناوله بالنقد والتحليل، وحيث إنه جنس جديد من الكتابة العربية المعاصرة رأيت أنه من اللا أمانة أن تطبق عليه قواعد وأسس النقد الأدبي التقليدي.
وفي تقديري فإن رواية فدوى؛ إن جاز أن أطلق عليها مجازًا مسمى "رواية"؛ هي مرحلة جديدة من الكتابة الأدبية المتمردة على البنية الروائية الكلاسيكية، وهي تعبير صادق عن كاتبتها صاحبة الرؤية العميقة القارئة والمثقفة والمبدعة "فدوى حسن".
الرواية عمل ذاتي إلى حد "مفزع" يأخذك إلى رأس الفكرة مباشرة، وكأنها مصيدة مقروءة، لتجد نفسك مندس في حلقة من الأشخاص والأماكن، تعتليك العبارات الفلسفية والفكرية دون سرد اتصالي بالكلمة أو التفصيل. إنها الكتابة التي تثير إحساسك بالذهول إلى حد يستوقفك عند كل فقرة، بل عند كل جملة، بل عند كل كلمة، لكل دلالة خاصة وبعد اجتماعي ونفسي وفكري وفلسفي. ولكل جبريته المحققة لعمق فكر الكاتبة وثقافتها المستنيرة.
والرواية تسعى من خلال رؤيتها الفكرية، الفلسفية، الشعرية أحيانًا، لا إلى إقامة تاريخ عرضي لفئة أو شركة، أو وصف طولي لأشخاص وأماكن، إنما لإقامة بنية مغايرة، مقلقة، محرضة إلى التجاوز والخروج عما هو متفق عليه، لتجاوز حدود المكان والزمان إلى أفق أوسع يكون فيه السرد اللا مباشر أحيانًا متسعًا ومتشابكًا، فاستطاعت بذلك خلق "الهوجة الفكرية" وإثارة ما هو مسكوت عنه، وتغذية "الأنا" الضعيفة لتفعيل دور الـ"نحن" غير المباشرة لإثارة قضايا تفعيلية بالتحريض الدائم، ونبش المدفون من تراث وأخلاق وعادات وممارسات سلطوية، وغيرها.
إنها رؤية "فدوى حسن" الكاتبة ونصها الأدبي في مواجهة المفروض والسائد، وما هو متمكن حولنا وداخلنا فيما أشبه أن تكون بسيرة تأملية للحياة، كانت وتكون وستكون).
مقاطع من الرواية
حاولت أمي أنْ تجردني من أفكاري
وتسلبني هذه الكونية غير اللائقة
وهي مثالية قديمة،
تصنع لكل واحدة جلابية فلاحي بكل عيد
أجلستني أول مرة على ماكينتها؛
لتستميلني لمهنتها،
لكن حلم المعرفة
كان أكبر من فعلها،
فظلت هي وأبى
يصنعان حُمقًا غرائزيًا
دون أنْ يدريا أننا كنا نصحو مفزوعين على
صوت مزيكة السرير العِمدان الآيل للسقوط.
****
ذات ليلة
شعرنا بتغامزهما،
عرفنا أنَّها ستكون ليلة حمراء
على أنغام سريرهما،
فتسللنا نسرق (كيزان الذرة)
من غيط حسن أبو إمام،
ونشويها
ونأكلها،
- هل سيدخلنا الله النار كما قال "سالم"؟!...
ويترك "إبراهيم "الذي وعد أختي الكبرى بالزواج، وتخلى عنها،
كموقف هنادي في فيلم "دعاء الكروان"؟!
****
لم يكن قرار جلوسي على ماكينتها،
إلا كتضحية هذه العذراء بزواجها مِن رجل يكبرها بسنين
لإنقاذ عيني امرأة تلملم الهواء؛
لتصنع ثروة قومية.
حين رأيتها تستعطف الإبرة لِلَضْمِها؛
قبلت يدها،
وجلست أدير برجلي ماكينتها، وألاحم القماش
ودمعاتي مُتَحَجِّرة
في لحظة تشبه دراما مسلسل تليفزيوني،
لكنها حقيقة.
لم أكن ملحدة،
حين قذفته، وسببت دينه.
فمن حقي أن أدافع عن حجرتي التي كان يحتلها عند مجيئه إلينا
الشيخ "أبو عبد الله"، رجل الدين الأول، وعضو مجلس الأمة
يمثلنا بالبرلمان،
ويمثل نفسه
بمَوْلِد والده الذي أقامه عند قبره
في البر الشرقي لترعة الإسماعيلية
ببلدة تبعد عدة كيلو مترات عِن بلبيس.
كنا تابعين إدارياً لمحافظة الشرقية
وسياسياً للشيخ الجليل.
ليس جبنًا مني
لكن كنت متأثرة بعناصر المفاجأة والمباغتة
للطبيعة الغادرة،
كانت تتكوم هذه الأقصوصات برأسي
حين كنَّا نعبر البر الآخر للمولد بمركب صغير
يهتز..
يتمايل،
لا أنشغل بأضواء المولد في الجهة الأخرى،
لكني أبكي وأقول:
- هنغرق
- هنغرق
***
كنت أصفه بسائس رهباني
حين كان يجمع الهبات من الفلاحين؛ كزكاة لإقامة المَولد
اتهمته بأشياء كثيرة،
لكنه ظل يسأل عني
حتى مات.
كم هو ضروري
أنْ يكون لك أخٌ!
استولت عليه "رابعة" منذ سنين
بعد أنْ ترك حجرته بمنزلنا الكبير،
واختار السكن بعيداً،
أطلق نسوان البلد لقب: "العُزلة"
قبل الحداثيين بسنوات
حين أشاعوا أن
( ابن "حسن أبو محمد" انعزل عن أبوه )
ظللنا لوقت طويل نطلق عليها "أوضة متولي"
لم يقم بدور الأخ كثيرًا،
إنَّما أجاد دَور العدو
حتى مات.
حلمت لوقت كثير
أنْ ينتفض من مؤثرات زوجته وأهلها،
وينتمي إلينا ثانية،
ويصد هؤلاء الأعداء عنا،
لكنه..
لم يفعل ذلك
مطلقًا.
مات وهو يكافح.
لم أحضر جنازته،
إنَّما استحضرت صبرًا على فراقه
ذلك المشهد؛
مشهد جَلْدِه لأختي الكُبرى
بحزام الجيش.
علَّمته الحربية
أنْ يكون قاسيًا باستمرار،
لكنه كان يجد مبرِّرًا.
القانون العسكري
يحكمنا منذ قيام الثورة؛
فلتحيا الثورة،
فليحيا الضباط الأحرار
***
لكوني هكذا..،
بِتُّ مشروعًا نسبة نجاحه ضئيلة جدًا،
لماذا أتعلَّق به كالطفلة هكذا..؟!
هذه هي المرة الأُولَى
التي يحدث فيها هذا،
ما الذي أيقظ بداخلي هذا الكم الهائل؟
وغيَّر أيدلوجياتي نحو مفهوم الشجن؟!
كان نوعًا من الهروب،
من الليل، والشتاء، ومرتبتي المزعجة،
وصياح أبي، وناموس منزلنا،
وجزيرة القطن التي تقطني
هروبًا إلى الأسوأ،
قلبي يؤلمني، وقلمي ينزف حروفًا
حين أعيد سماعها لنفسي
أسخط على هذا الحب الذي علمني
ألا نكتفي بأن نكون سعداء،
بل لا بُدَّ وأن نسعد في وقتنا.
كنت سعيدة، ليس لأني وجدت رجلاً،
بل لأنِّي عثرت على مفهوم الوجود داخل رجل.
كان لا بُدَّ وأنْ أؤجل هذا الصراع قليلاً
وأضع رأسي على صدره.
فاطمة بنت الشيخ سيد،
صديقتي الوحيدة،
برغم قصة أختي الكبرى مع قريبها،
بداية من زواج غير متكافئ،
ونهاية بمبررات قوية لفك الارتباط،
كانت تتمنى طفلاً لتربيه
مثلما يكبر بطها البلدي
بجوار وابور الجاز وطشت الغسيل الألمونية
وطُلقت لذلك
إلا أنَّ..
فاطمة ظلت لوقت طويل
صديقتى التي لم تفهمني،
وحين أوشكت على مصارحتي ببداية عهدها لي
أودعتني ربع جنيه، مازال معي حتى الآن.
لو أعلم أنَّ فرق الدرجات في الشهادة الإعدادية
سينصرني عليها أمام أمها؛
لما نلت شرف الحصول على المركز الأول في الشهادة الإعدادية
فلم أكن أعشق المواد الدراسية،
لكني أحترم فرحة أبي بتفوقي،
أراه طوال الوقت مناضلاً يشبه "جان ميسليه"،
لكنه لم ينتقل من التأمل إلى الفعل،
كان يدفعني باستمرار للكتابة،
بدعوى أنه شاعر أُمِّي القديم.
اكتشفت بعد ذلك،
أنَّه كان يقتبس أشعاره من قصص أبو زيد الهلالي.
أورثني "منشوراته السرية"
التي لم تطلع عليها سوى نسوته؛
فَرُحت أصنع قوانين تمحو الفقر والجهل.
كان لا بُدَّ مِن مُدَافع قوي
فحتى الأفكار تموت بلا سند.
ماتت فكرتي بموت أبي،
ورحت أسرد لنفس سُبل الخلاص مرة أخرى،
بعيدًا عن الاعتماد والتوكل؛
فالخراب يحوطني يومًا بعد يوم؛
ورطتني أحلامي المثالية زمنًا كبيرًا،
قبلها بساعات كنت أحفر مجاري لتجاعيد وجهي،
ولا أقبل كل الرهانات.
فرق كبير بين المكسب والخسارة.
أنتظر مجيء فارسي عند توتة قديمة وراء منزلنا؛
ليجدد الأحلام.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |