فضاء التجاوز- قراءات تطبيقية في إبداعات شعرية وروائية لإبراهيم نصرالله"
ألف
2019-05-10
عمان - يقول د. محمد عبد القادر ان كتاب "فضاء التجاوز- قراءات تطبيقية في إبداعات شعرية وروائية لإبراهيم نصرالله"، تضيء جوانب مهمة من الإبداع الشعري والروائي عند إبراهيم نصرالله، ويرصد ابرز ملامح تجربته الفنية، تلك التجربة التي توجته قامة عالية في ميدان الإبداع الأدبي.
ويضيف المؤلف في كتابه الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع –عمان، رام الله فلسطين- ويضم تسع عشرة دراسة نقدية، ان نصرالله شاعر وروائي امتلك صوتا خاصا يميزه عن مجايليه، فهو مبدع متجدد، سعى في كل ابداعاته الى حماية روحة وروح الشعب من القنوط ومن الانصياع لقوى القهر والطغيان.
في هذا الكتاب يرصد عبدالقادر ملامح التجربة الشعرية عند نصر الله والتي امتدت قرابة ثلاثين عاماً اصدر فيها العديد من الاعمال الشعرية المتميزة التي رسخته قامة ابداعية بارزة في ساحة الشعر، والتي اسبغت عليه عدة جوائز للإبداع الشعري على المستويين القطري والعربي.
ويرى عبدالقادر ان ابرز ملامح هذه التجربة الشعرية كانت في إصداراته الشعرية الاولى، حيث امتلك صوته الخاص الذي ميزه عن سابقيه ومجايليه ولاحقيه من الشعراء، فكان ان بدأ بداية شاعر واثق من موهبته ورؤاه وادواته الفنية.
وتحدث الكاتب عن سمات هذه التجربة الشعرية عند نصرالله: إتقانه الكتابة الشعرية بجميع اشكالها والوانها، فانطلق يكتب القصيدة ذات الطول العادي، ثم اردفها بالعديد من القصائد الطويلة، لافتا الى ان معظم قصائده "ملحمية حداثية"، ثم الحقها بقصائد قصار بحجم قصيدة "الهايكو"، وأصدر اكثر من مجموعة شعرية مستخدماً هذا اللون.
ويشير المؤلف الى ان نصرالله كتب قصيدة النثر أحيانا وإن سادت قصيدة التفعيلة اعماله الشعرية بصفة عامة، مشيرا الى قدرة نصر الله على توظيف التقنيات الدرامية والحوارية الفردية والثنائية ومتعددة الاصوات ما جنب الكثير من القصائد رتابة الوصف والسرد، وبخاصة فيما يتصل بالقصائد الملحمية الطويلة.
ويؤكد عبدالقادر ان اللافت في تجربة نصرالله انه يكتب قصيدة اسمها "القصيدة – الجنين" أو "القصيدة – الطفل" ليعود في تجربة شعرية جديدة لاحقة ليستولدها من جديد ويضخ فيها دماً جديداً لتغدو "القصيدة الفتية".
ويقدم المؤلف رؤيا لملامح التجربة الروائية عند نصرالله، مبينا ان القارئ لا يفاجأ بقدرة الشاعر على كتابة الرواية، فالكثير من قصائده، ان لم اقل معظمها، وبخاصة الطويل منها، تترجم المهارات السردية والدرامية للكاتب متمثلة في استخدام تقنيات روائية متعددة كالسرد والوصف الدقيق والمونولوج والديالوج، والاحلام وغير ذلك.
ويرى الكاتب ان نصر الله "مدمن" للسينما منذ امد طويل، منوها الى ان هذا النوع من الفن الذي امده بتقنيات فنية وظفها نصرالله في الشعر والرواية على حد سواء، وهو شديد الاهتمام بالإبداع الروائي العربي والعالمي الى جانب اتقانه مهارات الرسم والتصوير ما يجعل خوض عالم الرواية امرا طبيعيا.
ويبين عبدالقادر ان الشاعر وطد قدميه في ارض الشعر منذ بدايته في "الخيول على مشارف المدينة"، ورسخ حضوره منذ البداية في عالم الرواية حين كتب "براري الحمى" ليحقق في الحالتين عدداً من النتائج اهمها:"اصالة الموهبة، وعمق الرؤية، والتمكن من الادوات الفنية واستيعابها وتطبيقها بشكل خلاق، والقدرة على الجمع بين الشعر والرواية بثقة وتميز مع احتفاظ واضح بخصوصية صوته الشعري والسردي.
ويقول المؤلف "مجمل الاعمال الروائية التي توالت تباعاً علي مدى اكثر من عقدين من الزمان جعلت من نصر الله روائياً حداثياً يقف الى جانب كبار كتاب الرواية في الاردن وفلسطين وفي الساحة العربية بعامة، استناداً الى شرعية الرواية، لا شرعية الشعر، وكذلك فيما كتب عن فلسطين، استناداً الى شرعية الفن الروائي لا الى شرعية القضية".
ويعتبر الكاتب نصرالله تجاوز في بعض اعماله افق الحداثة الى ما بعد الحداثة، واخص بالذكر روايتين مهمتين هما: "براري الحمى"، "شرفة الهذيان"، حيث قسوة الطبيعة والسياسة تطوحان بالإنسان في مهاوي الفصام والتشطي.
ويشير عبدالقادر الى حرص نصرالله على تجاوز "ذاته"، منوها الى ما قاله د. احسان عباس "نراه يكسر القلم الذي يكتب فيه عملاً ما، ليستل قلماً آخر ويكتب عملاً جديداً"، وذهب الى ان نصرالله في كل رواية يرصد بناء فنياً متميزاً، وتقنيات فنية مختلفة.
ويرى المؤلف ان استخدام تيار اللاوعي ملمحاً ملحوظاً في رواية نصر الله، مشيرا الى انه استخدم تقنيات روائية وسينمائية تثير الدهشة، مبينا انه استخدم "القناع" في "طيور الحذر"، والقرين في "تحت شمس الضحى" والفنتازيا في "حارس المدينة الضائعة"، وتقنيات الاسترجاع والاحلام والكوابيس التي تميز عالم الرواية الجديدة، وكان في ذلك مسهماً في تطوير بنية الرواية العربية.
ويعتقد عبدالقادر ان نصرالله في مسار تجربته الروائية، اختط لنفسه مشروعاً روائياً اسماه "الملهاة الفلسطينية" صدر منها حتى الآن سبعة اجزاء هي: "قنايل ملك الجليل، وزمن واعراس آمنة، وتحت شمس الضحى"، ولكل منها مرحلته، ورؤيته وشخصياته، وتقنياته الفنية، لكنها تشكل فيما بينها نسيجاً روائياً يحكي جوانب من المأساة/ الملهاة الفلسطينية.
ويتحدث المؤلف عن رواية "زمن الخيول البيضاء" التي يرى انها تحظى من النقاد والقراء والمؤسسات بترحاب شديد باعتبارها الملحمة الروائية الفلسطينية الأكثر تكاملاً وتماسكاً وشفافية، والأوسع مدى، والأعمق رؤية في كتابة الملحمة القصصية الفلسطينية، ويقيني أن روايته الاخيرة "قناديل ملك الجليل" ستحظى بترحيب غير مسبوق.
ويؤكد عبدالقادر ان الاعمال الروائية لنصرالله اتسمت عموماً بالسخرية السوداء من الواقع العربي المتردي، ومن التهميش المتزايد لدور الانسان العربي في صياغة واقعه ومستقبله، ومن هيمنة قوى القمع الداخلي والاستعمار الخارجي على سيادته ومقدراته، منتصراً في ذلك كله للحرية ضد الخوف، وللكرامة ضد القهر، وللنور ضد الظلام، وللأوطان ضد المنافي والاغتراب.