من مجزرة الغوطة الى مجزرة سوريا
فايز سارة
2019-05-18
قبل خمس سنوات وفي مثل هذا اليوم افاق العالم على واحدة من اهم جرائم نظام وحشية ضد السوريين، اذ تكشفت الحقيقة عن هجوم كيماوي نفذه النظام ليلة الحادي والعشرين من آب/أغسطس 2013 على مدن وقرى غوطة دمشق، قتل بنتائجه قرابة 1500 من سكانها، كانت نسبتهم الاكبر نساء وأطفال وشيوخ، باسثناء آلاف غيرهم تمت معالجتهم من قبل الطواقم الطبيبة، التي كانت تقيم في المنطقة.
بعد تلك الجريمة المخالفة للقيم الإنسانية والأخلاقية، ولنصوص واتفاقيات القانون الدولي، حدث تحرك في مستوى الهيئات الإنسانية والحقوقية، والمنظمات الإقليمية والدولية، وعلى مستوى الدول، كان الأهم بين أهدافه ادانة نظام الأسد على جريمته، بل ان ردة الفعل تجاوزت ادانة الجريمة الى ضرورة محاسبة النظام، ولان انصار النظام وحلفائه، احبطوا صدور قرار من مجلس الامن الدولي، فان بعضاً من الدول بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، شرعت في اجراءات عملية عسكرية واسعة لمعاقبة نظام الأسد، وصلت الامر بانتظار إشارة بدء الهجوم.
فجأة تغير كل شيء، ومضى الكبار المشتتين والمنقسمين في الموقف من القضية السورية الى توافق مخالف للقيم الإنسانية والأخلاقية وللقانون الدولي أساسه نزع أسلحة نظام الأسد الكيماوية وافلاته من عقوبة الجريمة وفي التطبيقات الشكلية، سلم النظام بعض ترسانته الكيماوية مع إبقاء قدرته على انتاج غيرها بالتوازي مع قدرته على استخدامها حيث ومكان يشاء، كما اثبتت السنوات التاليه، وسط ادانات خجولة وعقوبات محدودة، لاتتجاوز اعلان انه تمت معاقبة النظام في بعض خواصره.
كان الدرس الأول في التسوية التي لاتقل اجراماً عن الجريمة ذاتها، ان نظام الأسد يمكن ان يستمر في ارتكاب جرائمه المختلفة بما فيها جرائم استخدام السلاح الكيماوي، وان قتل السوريين مباح ومستمر رغم كل مايقال، وان مجلس الامن الدولي عاجز عن القيام بمهمته الأساسية في الحفاظ على الامن والسلم الدوليين، وان المجتمع الدولي مستقيل من ممارسة مسؤولياته.
بين آب/ أغسطس 2013 واليوم خمس سنوات، لم يتوقف فيها نظام الأسد عن ارتكاب المجازر والجرائم ضد السوريين. بل ازداد توحشاً وتوسعاً في ممارساتها، وعلى صعيد مجازر الكيماوي، سجلت عشرات منها في غوطة دمشق وادلب وحلب وغيرها من مدن وقرى سورية، وهذه لم تكن سوى نسق من جرائم، لاتقل خطورة منها مجازر البراميل المتفجرة والقصف المدفعي والصاروخي، واغلبها انتهى ليس بقتل مئات الآف الأشخاص فقط، وانما بارتكاب جرائم الترحيل القسري، التي شملت ترحيل سكان مدن وقرى في ارياف دمشق ودرعا وحمص وحلب وغير بصورة كلية، كما حدث في داريا ووادي بردى، او جزئياً كما جرى في مدن وقرى الجنوب السوري وفي مناطق القلمون الغربي والشرقي.
لقد أعطت مجزرة كيماوي الغوطة حلفاء نظام الأسد فرصة الدخول على خط المجازر ضد السوريين وتصعيدها، حيث ارتكبت المليشيات الإيرانية وخاصة ميليشيات حزب الله اللبنانية وقوات الحرس الثوري الإيراني من فيلق القدس عشرات المجازر في المناطق التي وصلت اليها، قبل ان يتدخل الروس عسكرياً في سوريا أواخر العام 2015، وقد خلفت عملياتهم الجوية في كل مرة مجازر مروعة في القرى والمدن الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في حلب وادلب وريفي دمشق ودرعا، وفي كل المرات افلتت المليشيات الإيرانية والقوات الإيرانية إضافة الى القوات الروسية من العقاب المفترض على مجازرها، التي لم يتوقف عندها احد في غالب الأحيان.
وكان من الطبيعي، ان تشجع بيئة عدم محاسبة مرتكبي المجازر من النظام وحلفائه، اطراف أخرى على ارتكاب مجازر مماثلة ضد السوريين والمدنيين منهم بصفة خاصة، وقد ارتكب التحالف الدولي مثل هذه المجازر تحت حجة محاربة “داعش” في الرقة مثالاً، فقتل آلاف المدنيين، كما ارتكب “داعش”، وقوات سوريا الديمقراطية من حلفاء الولايات المتحدة مجازر مماثلة، وامتد هذا السلوك الاجرامي الى عصابات مسلحة من بينها جبهة النصرة، وبعضها مقنع بيافطة “المعارضة المسلحة” او “الجيش الحر”، وبالنتيجة قتل عشرات آلاف الأشخاص أكثرهم من المدنيين.
لقد فتحت مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق عام 2013 الباب واسعاً لارتكاب مجازر إبادة السوريين المستمرة حتى تاريخه، وهي جريمة تسببت في مقتل نحو مليون من السوريين، ويمكن ان يزداد العدد، طالما انه لم يتم التوصل الى حل يوقف الحرب، ويضع القضية على قاعدة حل سياسي، يوقف القتل.
لايكفي في ذكرى المجزرة، استذكارها، واستنكارها والترحم على ضحاياها. فهذه بين البديهيات، انما المطلوب إيقاف تداعياتها بتسهيل القتل والابادة، ومحاسبة مرتكبيها ممن ارتكبوا مجازر تالية اياً كانوا، وهي اهم خطوات يمكن ان تمنع تكرار المجزرة في سوريا وفي أي مكان آخر من العالم.