قصة / السوريون يصعدون إلى الجنة بشهادة حسن سلوك ' من الله '
2007-01-26
خاص ألف
الطريقُ إلى السماء كان خاليا ًمن المُذَنَبَات، بدا كلّ شيء وكأنه برزخي. جلست مشدوها في عربةٍ تَجرها ثلاثة غزلان يقودها حوذيّ صامت يلهب ظهورها بسياط تفرقع على ظهرها فتشبحُ تحِثُّ الخُطا بين المجرات والثقوب السوداء. ألقيت نظرة خاطفة على درب التبانة واختفى أجيج اللازورد المنبعث من الكوكب الأزرق.
كانت الريح قد بدأت بالغناء، عندما عرفت أني أقترب من ملكوت السماوات وبدأ طنين الجنة يصدح في أذني وهبّاتِها تلفحُ وجهي وصدري يَستنْشِقُ رائحةً "الأضَاليا الممزُوجة بالحلندوق تبعتُ الرجلَ الأخضر المرتدي زيّا ًمن سندس ٍخالص بعد أن أخبرته أنيِّ أحتاج إلى شهادة حسن سلوك من السماء كي يقتنع بعض موظفي الأرض باني لست شريرا.
الأمر يأخذ بعض الوقت سيدي " كلمني ملاك ٌدمثٌ"
يمكن لك أن تتمشى قليلا في الجنة بينما نرتب لك أمر الشهادة.
في الجنة ؟
تساءلت برهبة وخشوع
وهل الدخول الجنة بهذه السهولة ؟
سيدي ألستَ سوريا ولا تحملُ جنسية أخرى ولم تشغل يوما أيّ منصب من فئة مدير وفما فوق ؟
نعم سوري ولم أشغل أي منصب من ذاك ....
إذا تستطيع زيارة الجنة
ولماذا هذا الامتياز غير المتوقع ؟
تململ الملاك الدمث قليلا واهتزت حَلَقَاتُ رأسِه الثلاث و فردَ جناحيه وضمّهما بسرعة
وقال:الصبر يا سيدي ...هو الصبر ؟
وأخرج من تحت جناحه دفترا ضخما مكتوب عليه " سِفْرُ سورية " وبدأ يقرأ بسرعة خارقة وأنا أرى كلماته تتحول صورا تمرُّ، تكرُّ، واثبةً صارخة ً،جعلتني أتصببُ عرقاً وجعا ًينبشُ من أعماق ذاتي، وجوها مررت بها عرفتها شاركتها خبرتها بقسمات واجمة وابتسامة"جيوكندا " قلوبهم مثلومة بجرح طاهر، من أبناء جلدتهم من أهلهم من أناس أمنوا بهم وثقوا بهم وصفقوا لهم ورهنوا حيواتهم لأجلهم
سوريون بعيون وأرواح سوريّة، يتحملون سنوات من النفاق وينفقون أرواحا وأعمارا على حياة تتراوح بين التوق للسفر والموت بالضجر يدفعون ضرائب لمجهود حربي ولا يحاربون يدفعون ضرائب لاغتراب ويغتربون وضريبة للسقف وضريبة لرفاهية وشرفيّات لطرق ومتع للنظر وضرائب أكثر من دول أوربة الغربية ويحاكمون بتهمة مخالفة نظام اشتراكي.وتُبددُ حقوقهم في ثروات وطنهم- في أيدي أمينة - ومياه وطنهم وهواء وطنهم، بينما ناهبيهم يسرقون وطنهم ويجففونه ويلوثونه ويبددونه وكأنه وطن الأعداء، وكل معترض يصبح عميلا وكل متسائل يصبح جاسوسا وكل موجوع ومتألم عليه بكظم صراخه ووجعه لـ ألا يتهم بإضعاف الشعور الوطني.
سوريون متألمون بنظرات مكسورة، وخواطر مكدودة وأجنحة متكسرة وأعمار كأعمار القطط. محنتهم أن ألمهم غير واضح وأن مأساتهم لا توثق ولأن مصائبهم لا تمنحهم حق اللجوء السياسي "أيامكم مشحونة بالأنين "1 أوقف الملاك الثلاثي الحلقات انهراق ذاكرتي وانهدارها المخفوق بالصور الحارة وشدّني من كميَّ الأيمن
أنظر ..أنظر إلى هذه ..
نظرت من ثقب المراقبة السماوي رأيت غيمة سوداء كثيفة تتأرجح فوق سورية، تمورُ فيها مسوخٌ وأشلاء قرف وشتائم سخاميّة تختلط برماد الصراخ وثفل الآهات تتقاطرها أدعية واستغاثات ابتهالات وغصات تشكل زوبعة من احتشاد أشياء أختلط فيها الحابل بأكياس سوداء ممزقة وعلب "سومر" فارغة والنابل بمحارم القُطة وقشور ثلاثة عشر نوعا ًمن العلكة، فخر الصناعة الوطنية.
بجانبي المقابل كان هنالك جهاز تخطيط النوايا يحلل كل هذه الكتل المحتشدة ويوزعه على الأقسام المختصة، وجيوش مجيّشة من "ملائكة الطرقات السريعة "2 يتولّون نقل ووصل كل تلك الحشود إلى جهاز نبض السوريين فنجد أن لهم قلوبا مرتبطة بحبل سري مع تلك الخريطة المصنوعة على شكل فبضة يد وإصبع من الأعلى. قلوب تعشق بلدها رغم كل الجلطات المزمنة التي أصابت جسد على شكل قبضة يد وإصبع.
هذه الحالة أثارت إعجاب لجنة الأولياء والصالحين .
أردف الملاك بصوت دافئ وتابع بخشوع يشع من صوته "الفيروزي " نسبة لصوت فيروز ...حتى أيوب عليه السلام معجب بصبر السوريين وقدراتهم على الاحتمال.
طيب أنت من أين عرفت كل هذا ؟ سألت الملاك بسذاجة أهل الأرض.
حرك راسه يمينا وشمالا . وقال بفخر
أنا خدمت بسوريا طوال 40 سنة ألا ترى أن لي ثلاث حلقات. هذا امتياز خاص بالملائكة الذين خدموا في سورية..
هيا لا تضيع الوقت روح " كسدرلك " قليلا في الجنة بينما نُجَهزَ لك شهادة حسن السلوك.
دخلت مبهورا من عظمة المشهد وشعرت وأن كل أحقاد العالم زفرتها خارجا وبدأت أسير على السندس والإستبرق و أكل الفاكهة وألحس الأبّا كان طعم "الأبَّا" أقرب لبوظة بكداش.
علامات وشواخص تدل على متنزهات "جيحان و سيحان". وأنهار من ضوء تهدر موسيقى لا ترعوي تطرب الروح أكسترا عملاقة تعزف سموفونيات " يَسْمَعها المؤمنين كلٌّ حسبَ ذَوْقَه أنغام تنسرب من أقواس قزح وشلالات كرستيال سائل، طربٌ يَّرقِّصُ الأرواحَ والخصورَ وثُمالة بالغبطة.
غلمانٌ من مرمرٍ يطوفونُ على المؤمنين الغارقين في "الاصطهاج"العالي وحوريات يتجولنَ على الحاضرين الفائزين الغارقين في لمس والعض والرضع والمص والتقبيل وتبجيل الجسد الذي صبروا وترفعوا وتنسكوا وتعبدوا ليحصلوا عليه أخيرا.
على كل كانوا بلا خبرة كبيرة فشخصيا أنا وصديقاتي نصنع وضعيات أهم بكثير، المهم أن الشيء الوحيد الذي كان يسبب بعض الكدر هو أن الحوريات كن ّ يعدنَ عذروات بعد كل نكح مبارك فمنظر الدم وتكراره يثير بعض " التحسف "
بحثت عن المسؤول عن السقايّة، وبمجرد أن فكرت به ترأى أمامي وأخذ يصدرُ الأوامر إلى مجموعة من الغلمان "المرمريين" كان صارما هادئا يوزع المهمات ويحرص على أن الجميع لا يحتاجون شيئا
وطلبت منه أن يرشدني إلى الكوثر فأنا أحتاج كأسا على وجه السرعة دّلني بإصبعه البلوري فوجدت الأنهار الأربعة
وجلست قرب نهر الخمر، طلبت عرق ريان الذي كانت إعلاناته تملأ المكان .ومن نهر اللبن كانت ثلة من"الحور العين" تحوّل اللبن إلى شنكليش يقدم " مازة " مع العرق. طلبت" نَفَسْ أركيلة" بينما أحدى الحوريات تمّسج أصابع قدمي بفمها، وأخرى تمسد كتفاي بزيت العنبر المبارك.أخذت أرتشف من عرق الريان لم يكن الطعم مختلفا كان يشبه نفس الطعم الأرضي ، أخذت نفسا عميقا من "النارجيلة" ونفثت دخانا أخذ يطير على شكل غمامة تسقط منها حبات لؤلؤ، فيحلق عصفور الجنة إليها يلتقط الحبَّة بمنقاره الألماسي ويضرط فتخرج من ضرطته وردة ...ياه .. " كم هي رائعة الأشياء في الجنة "
ولكن ماذا عن أخواتي المؤمنات على ماذا سيحصلن هنا، تطلعت حوالي وجدتهم يجلسن بعيدا منزويات باردات بلا ملامح ينتظرن أزواجهن من رحلات الاستمتاع اليومي ليَكنَّ زوجات صالحات. فهن فزن في الدنيا والآخرة بأنهن زوجات صالحات ينكحهنَ أزواجهنَ الصالحون أنى شاؤوا.
لأن المكان بلا ضغائن ولا أحقاد هو أيضا خال من التكافل والتعاضد فلم استطع التضامن معهن ولا أن أشفق على المشركين وهم يتعذبون بلا هوادة
فمن أي زاوية تنظر ترى جهنم وأهلها ينادونك لتشفع وما أنت بشفيع. لتشفق وماأنت بشفيق، فلا يتحرك بك شعور أو تستنهضك نخوة. فأنت في مكان لازوردي ليس بها مشاعر أو انفعالات فكل ما تحياه أنيٌ وسرمديٌ. شاشة بلازمة عملاقة تنقل لك ما يحدث في الجحيم لكي تعرف قيمة ما أنت فيه.وبطبع تنقل لأهل الجحيم ما يحصل في قطاعنا لتزيد كنوع من القصاص النفسي.
كنت أرى أناس في الجنة فاستغرب وجودهم وأرى أخرين في جنهم واستغرب كيف دخولها. سأتكلم عنهم لاحقا إذا عدت سالما للكوكب الأرض.
يقف المشركون والخاسرون في طابور طويل واحدا تلو الأخر تُبخشُ مُؤخراتهم بأسياخ ٍفولاذية مُسَنَنةٌ بشكلٍ مَخْروطي حَتَى تَخْرجَ من رؤوسهم وعقولهم الكافرة، ثم يركَبون على شوايَّة عظيمة تَبْدَأ بالدوران على موقدٍ ضخم، وكلما تحمَّرت ونضجت جلودهم انسلخت مهترئة يتقدم شيطان كهل، يُخيْط لهم الجلدَ المهترء لتحرق من جديد هكذا حتى تَنْتَهيْ حِصَةُ الشَوي.انتقلوا إلى مرجل الزيت المغلي تُغطس به أجسادهم رويدا رويدا، لتكوى بالملح الكثير اليود وفي نفس اللحظة يتكفل "شيطون" صغير برشق ِظهورهم العارية "بسرنكات" يملأها بالأسيد يَزْرُقُهَا على أجسادهم النجسة بينما يعصر عليها أخر الليمون الحامض ويبصق كتل نارية ملتهبة يفركها بيده الكبيرة المليئة بنتوءات تشبه شفرات الحلاقة ويَمْرُس البصقات النارية على الأجساد الكافرة ويستمتع بصراخ يمزق الأذان وعلى إيقاعه يتابع الكفار طريقهم إلى حجرة الغرق، والاغتصاب ، فقء العيون، وأرض العطش" وهناك تغدو "شرورة الحمار" حلمٌ مرتجى.ثم يمرون على المكان الأكثر رعبا.
الغرفة 101 استمدتها جهنم من رواية "جورج أورويل" ( 1984)
رجال أشرار في الحقيقة هم أكثر الرجال شرا على الإطلاق ولكنهم مَعْفُون من العذاب لتكفلهم بتدريب الشياطين على فنون التعذيب .
ألّفَوا كتاباً خارقا من 150 جزء بعنوان " أفضلُ الوضعيات لانتزاع الاعترافات" كانوا مجموعةً مُختارة من أمهر المختصين الذين مروا على كوكب الأرض، على رأسهم ضباط" أبو غريب " و"المساعد جميل" وعدد من الأشاوس السوريين من قروع التحقيق الذائعة الصيت .عرفتهم ليس من " لهجاتهم السورية " أنما من كاسات " المتي " التي تملأ الاستراحة. وبينما اختص "علاء الدين الأيوبي" بتوثيق الندم الذي لا يجدي، في برنامج تلفزيوني بعنوان "في خدمة الصالحين" يبث يوميا من ردهة الاستقبال في الجحيم.للوافدين الجدد.
يجلس الطلاب في" الغرفة 101 " بقرونهم الطويلة وأعينهم النارية تقدح شرار من الرعب ويدخلون أذيالهم بين أرجلهم عندما يَسْتَمِعُون لأصول التعذيب التي يشرحها لهم الضباط الخبيرون بفنون لم تعهد لا في الأرض ولا في السماء ويقوم الضباط والمساعدون بتلقينهم أهم التقنيات والطرق للوصول إلى أعلى المراتب في هذا الفن الذي أبتكره أحفاد أدم.وتفوقوا به على سلالة أبليس من جملة ما تفوقوا. يُعطى الشيطان المتخرج من الغرفة 101 لقب أستاذ جهنمي في التعذيب ويبدأ من يومها برفع تقارير أمنية عن أخوانه الشياطين وتوجهاتهم وعقائدهم.
أشحت نظري عن جهنم أسفل السافلين وما يحصل في الدرك التحتاني واستدرت إلى امرأة أقرب لسيدات الأرض ألقمتني صدرها المرمري وتهت في فيافي نبضها..أخرجني نداء غامض هزتني يد عملاقة هبطت بي من شاهق بلا حد، انخفض قلبي، نترتُ يدي، صحت بعالي الصوت...واستيقظت.
كانت ثلاث دقائق، مرت بسرعة خارقة بيدي ورقة كتبتُ بها.عبارة لصوفي عربي " ربي أعبدك لا خوفا ولا تجارة ".لا أخشى نار جهنم ولم تعجبني كثيرا نساء الجنة.
هنا جهزت كل قواي النفسية والجسدية والعقلية وسارعتُ ليس إلى أقرب جامع أو كنيسة بل إلى القنصلية السورية عليّ أحظا هذا العام بسند إقامة مقبول يؤجلني عاما أخر من خدمة العلم فازورَ جنتي المفضلة.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |