التصعيد ضد إيران وسياسة روسية جديدة
عمار ديوب
2019-07-06
الترسانة الأميركية في الخليج تتعاظم يوميًا، والردود الإيرانية بدورها لا تخفت أبدًا، ومنها عسكرية كـ “تفجير ناقلات نفط، إسقاط طائرة، وغيره”. القادة الإيرانيون والأميركيين يتناوبون التصعيد والتخفيض بآن واحد في التصريحات؛ ما هو واضح أنّ كل الاحتمالات ممكنة. عدم اندلاع الحرب هو كذلك رغبة يعبّر عنها الطرفان، ولكن إيقاف الحرب، التي كاد ترامب أن يأمر بها، لا يعني بحالٍ من الأحوال أن الأمور في طريقها إلى الحل. إن السياسة الأميركية ترفض وجود دولة قوية في المنطقة، ولا سيما أنّها دولة لديها مشاريع عسكرية، تبدأ بالتقليدي والنووي والصواريخ الباليستية، وبالنفوذ الإقليمي “الطائفي”. مشكلة أميركا أن كل هذه المشاريع ليست تحت الطلب، وعكس ذلك “إسرائيل” والسعودية، فهاتان الدولتان متضررتان من إيران، وتعملان بكل الطرق من أجل إعادة إيران دولة طبيعية، لا دولة “سيدة” في المنطقة؛ إذًا مهما تبدل الموقف الأميركي إعلاميًا وتمَّ تأجيل الضربات العسكرية، فإن أميركا لن تغيّر استراتيجيتها في المنطقة، والنقاط الـ 12 التي صرح بها بومبيو توضح ذلك.
لقاء القدس الأمني، بين “إسرائيل” وروسيا وأميركا، كان بدلالته وبنتائجه رافضًا للوجود الإيراني في سورية، والتلكؤ الروسي نحو إيران تكذبه الخلافات الروسية الإيرانية على الأرض السورية. وكافة اللقاءات الدولية لحلف الأطلسي أو المجموعة “الداعمة” للشعب السوري وسواها تؤكد ذلك؛ فالأوربيون واليابانيون والصينيون جميعهم لا يتجاوزون السياسة الأميركية، وهذا واضح من عدم التجديد للدول الثمانية في العلاقات التجارية مع إيران، والتزام هذه الدول بالعقوبات التي فرضتها أميركا. وترافق مع تأجيل الضربات العسكرية فرضُ عقوبات إضافية، وتُصعد إيران ضد ذلك بالتهديد بأنها لن تعود إلى الاتفاق النووي، وأنّها ستطوّر برامجها الصاروخية، وهذا يصعد بدوره من المواقف. موضوع الانتخابات الأميركية، وخشية ترامب من حربٍ غير مدروسة، ومرفوضة من الرأي العام الأميركي، ربما هي فكرة صحيحة، وتقرؤها إيران كذلك منذ مدة طويلة، وترغب في وصول رئيس أميركي كأوباما، والعودة إلى الاتفاق السابق. وعلى الرغم من كل هذه المعطيات، فإن الحرب ليست مستبعدة، وكذلك لم تحدّد مواعيدها، وربما المصطلح المتداول “حالة اللاحرب” يعبّر عن الممكنات الحالية.
اللقاءات لا تتوقف بين الروس والأميركيين، وربما سيكون هناك لقاء بين بوتين وترامب، ويشكل الخلاف في السياسة الدولية لكلا الدولتين سببًا في تأجيل حسم الموقف الروسي من إيران أو من سورية. وبخصوص الأخيرة، أرادت روسيا إعادة الوضع إلى ما قبل 2011، وربما ترغب في عدم إجراء تغييرات في النظام السوري قبل الانتخابات الرئاسية في سورية في 2021، ولكن فشل السياسة الروسية قد يغيّر من المعطيات، ويدفع روسيا نحو صفقةٍ ما مع أميركا؛ حيث لم تستطع إعادة السوريين إلى مناطقهم الأصلية، ولم يستطع النظام إعادة الأمن إلى درعا وغوطة دمشق، ولم تحدث انفراجات مالية من الدول الثرية نحو النظام، وهناك وضع اقتصادي واجتماعي يتدهور باضطراد في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ولم “يُطبّع” أي نظام جديد مع دمشق، ولن نتكلم عن تركيا وأوروبا، بل عن الأردن والعراق وتونس وسواها.
روسيا محشورة في سورية، وهناك تحليلات تقول بتخوفها من تحوّل الوضع في شمال حماة وإدلب إلى نزيف مفتوح لها، ولا سيّما بعد الخسارات الكبيرة في الأشهر الأخيرة، وفشل كل أشكال التشكيلات العسكرية التابعة لها في إحراز تقدم كبير في تلك المناطق. مسار أستانا وسوتشي وصل إلى نهاياته، والحرب في شمال إدلب توضح ذلك، ويضاف إليه التمركز الأميركي في شمال سورية، والزيارات السعودية إلى هناك، ودلالة ذلك أن أميركا باقية هناك وتحاول إلحاق بعض العشائر العربية بها، ولن نتكلم عن التقارب بين أميركا وتركيا، وهو تقارب يميل إلى التطور لا إلى الانتكاس والتعقيد، وبالتالي روسيا أمام وضع معقد في سورية، فهناك رفض إقليمي ودولي للوجود الإيراني في سورية والمنطقة، وهناك تقارب تركي أميركي، وطبعًا العلاقات بين أميركا و”إسرائيل” قوية، وبالتالي كثير من المعطيات تميل إلى ضرورة التغيير في السياسة الروسية في سورية والعالم. أكثر نقطة يمكن لروسيا التحرك فيها، وتضمن بذلك مصالحها في سورية، وتخفف من التأزم مع أميركا، هي المساومة على ورقة إيران في سورية.
الحصار المفروض على إيران الذي تلتزم به كل دول العالم يوضح للروس الممكنات التي تستطيع التحرك فيها، إضافة إلى ما ذكرناه أعلاه، من بقاء أميركا في سورية، ومن مأزق روسيا في شمال حماة وإدلب، وغياب الاستقرار في المناطق تحت سيطرة النظام، والوضع الاقتصادي المتدهور في روسيا ذاتها، كلها عناصر تُجبر روسيا على أن تنتقل من أوهام تقسيم العالم مع أميركا، إلى الاكتفاء ببعض قطع الكعكة هنا وهناك؛ هذا الشي الوحيد الذي يمكن أن تعطيه أميركا لروسيا، ودون هذا الخيار، فإن أميركا ستستمر في التصعيد ضد إيران وضد روسيا في شمال حماة ومدن أخرى، وقد يتم إغراقها بحروبٍ متعددة في سورية وفي أكثر من منطقة؛ هذا ما تعيه روسيا، وفشلها يقدم لها الوقائع. وعلى الرغم من ذلك، ليس من السهل على روسيا التخلي عن أحلامها بالهيمنة على العالم مع أميركا، وبفرض معادلات جديدة، كما احتلالها لسورية، لتجبر أميركا على عقد قمة لحل كافة المشكلات.
روسيا تغرق في سورية، وهي تتضرّر من وجود إيران بدرجة ما، والعلاقات المتينة بين روسيا وإيران، كما تمّ في السنوات السابقة، مرفوضةٌ إقليميًا ودوليًا، وعلاقاتها مع تركيا تتعقد أكثر فأكثر، وبالتالي هل تنضم روسيا إلى السياسة الأميركية في مواقفٍ واضحة ضد الوجود الإيراني؟ القضية ليس سهلة أبدًا، ولكنها من الخيارات التي تقوي صلاتها مع أميركا، وتسمح لها بالهيمنة على سورية والضغط على تركيا، وربما هذا يخفض من العلاقات التركية الأميركية ذاتها.
ربما يشكل فشل الروس، والرفض العالمي لوجود إيران في سورية خاصة، وإعلان أميركا بقاءها في سورية، ما يدفع روسيا إلى سياسةٍ، أو صفقةٍ، تحتل بموجبها سورية، وتُهمش كلًا من إيران وتركيا بموجبها؛ كل ذلك ممكن وسواه كذلك.