سيرة روائية لموسى ابن ميمون
ممدوح الشيخ
خاص ألف
2019-07-20
... إنَّ الغريبَ حَزينٌ حَيثــُما كــَانــَــا
{سِيرَةٌ لـَم يَكتُبهَا مُوسَى بن مَيمُون}
ولا غَريبَ إذا أصبَحتُ ذا حـــَــــزَنٍ
إنَّ الغريبَ حَزينٌ حيثما كَانــَـا
(من شعر: ابن معصوم المدني)
مقتطفات من الرواية
1
"قِصَّتي تَبدُو غَريبَةً، وكَذلِكَ كَانَ حَالُ اليَهودِ في مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِها، وكَما قَال إِبراهام بن عزرا "التَفَاسِيرُ كَالمَلبُوسَاتِ تَلتَصِقُ بِالجَسَدِ، فَمِنهَا رَقِيقٌ كَالحَريرِ ومِنهَا غَليظٌ كَالوَبَرِ"، وبَينَ الوَقَائَعِ والتَفسيرَاتِ كَانَ اليَهودُ في أَزمِنَةٍ كَثيرَةٍ ضَائِعين.
ولِماذا أَضرِبُ مَثَلَاً وحَيَاتِي أَنَا تُعَبِّرُ عَن هَذِهِ المَتَاهَةِ التَّاريخيةِ؟.
وأَنَا مُتَيقِّنٌ مِن أَنَّ أُنَاسَاً سَيَأتُونَ يَومَاً لِيَسأَلُوا: لـِمَ عَمِلَ مَعَ صَلاحِ الدِّينِ الأَيُوبِي وَأَوصَى أَن يُدفَنَ فِي طَبَريّا؟ ولِـمَ ارتَابَ فِيهِ مُسلِمُونَ ويَهوُد؟
لَكِن لا بَأس!."
2
"وفِي عَالَـمِ الأَندَلُس سَفَكَ الَخوفُ دِمَاءَ مَشهُورينَ ومَغمُورينَ، دِمَاءٌ دَفَعَ أَصحَابُهَا – أَو كَثيرٌ مِنهُم – ثَمَنَ خَوفِ صَاحِبِ تَاجٍ عَلَى عَرشِهِ، فَلمَّا مَلَأَ الَخوفُ ردهَاتِ القُصورِ، وسَدِّ الدَّمُ أَبَوابَ الأَمنِ، صَارَ مَأَلُوفًا استِئصَالُ جَمَاعَةٍ أَو تَحطِيمَ نُفُوذِهَا بِلَا رَحمَةٍ، وشَرِبَ العَرَبُ والبَربَرُ مِنَ الكَأسِ نَفسِهِ، فَصَعَدَ نَجمُ الصَقَالِبَةِ وبَنِي مِلَّتِي اليَهود.
اضمَحَلَّت نُخبَةٌ وحَلَّت مَحَلَّها أُخرَى قِوامُها القَادَةُ والرُّؤسَاءُ العَسكَرّيونَ مِنَ الـمَوَالي والصَقَالِبَة، ومَعَ صُعُودِهِم صَعَدنَا"
3
"وحَسداي بن شبروم كَانَ سَفيرًا لِلخَليفَةِ الأُمَوَي عَبدِ الرَّحمَنِ النَّاصِر، لِلتَفَاوُضِ مَعَ أَعدَائِهِ مِن الـمَمَالِكِ النَصرَانيّةِ. كَانَت سِفَارَتُهُ الأُولَى إِلَى أردينو الثَّالِث صَاحِبِ ليون، وبَعدَ حَربٍ أَرَسلَ سَفيرين: مُحمَّد بِن حُسَين، وأَبُو يُوسُف حَسداي بِن شبروت، اللَّذَين تَمَكَّنَا مِن إِقناعِ أردينو بِالتَّنَازُلِ عَن حُصُونٍ. وسِفَارَتُهُ الثَّانيَةُ كَانَت إِلَى سانشو الأَوّل فِي لِيون، وسِفَارَتُهُ الثَّالِثَةُ كَانَت إِلى مَلِكِ الَخزَرِ. وفِي رِسَالِةٍ مِن حَسداي إِلَى مَلِكِ الَخَزَرِ سَ� �َلَهُ: "إِنَّنِي أَشعُرُ بِنزوعٍ إِلَى مَعرِفَةٍ الحقيقة، هَل ثَمَّةَ حَقَّاً مَكَانٌ فَوقَ هَذِهِ الأَرضِ يَستَطيعُ الإِسرَائِيليُّ المُضطَّهَدُ أَن يَحكُمَ فِيهِ نَفسَهُ؟".
وفِي مُقتَبَلِ عُمرِي، عَجِبتُ كَيفَ أَنَّ حسداي مَا زَالَ يَشعُرُ بِالاضطِّهَادِ مِن أَهالِي الأَندَلُس رَغمَ الـمَكَانَةِ الَّتِي حَصَلَ عَليَها فِي عَهدِ النَّاصِرِ!!.
وبَعدَ أَن رَأَيتُ بِعَينَّي مَصيرَ أَبنَاءِ مِلَّتِنَا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، وفِي الأَندَلُس نَفسِهَا، أَدرَكتُ أَنَّ الأَمنَ لَيسَ مَالَاً وَفيرًا، ولَا مَنصِبَاً يُقَرِّبُ صَاحِبَه مِن السُّلطَانِ، ولَا شُهرَةً بَينَ النَّاسِ، بَل شُعُورٌ بِأنَّ الأَرضَ الَّتِي تَمشِي عَلَيَهَا أَرضٌ صُلبَةٌ، وأَنَّ النَّاسَ الَّذينَ تَعيشُ بَينَهُم يَرَونَكَ بِعينِ التَقدِيرِ والـحُبِّ. فإِذَا حَاصَرَتكَ نَظرَاتُ رِيبَةٍ أَو هَمهَمَاتُ كَراهِيَةٍ، أَو وَسوَساتُ حِقدٍ، فَأَنتَ عَارٍ مِن كُلِّ مًا يُمكِنُ أَن يَدفَعَ الغَو� �ئِل".