ليس ما يجري في سورية والمنطقة العربية بالأمر العابر، بل هو تأسيس جديد وشامل لحياة شعوبهما وأدوارهما، لن يكبحه نظام شن حربا ضروسا على شعبٍ بأسره، بجرم تذكيره بما تعهد بتحقيقه منذ عام 1947: الحرية. لكنه تنكّر لها، وأقام استبدادا قاتلا وقمعيا وفاسدا، لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا له. وكما يحدث في مثل هذه الحالات، دفع الإذلال والإفقار الشعب إلى إسماع صوته، فنزل إلى الشارع مطالبا بحقوقه الطبيعية. عندئذ، شنّت الأسدية عليه الحرب، بجيش أعظم مآثره الفرار أمام جيش إسرائيل في ثلاث حروب متعاقبة، وتسليمه الجولان من دون قتال في أولاها، قبل نيف ونصف قرن، وتعايشه السلمي مع الاحتلال، وانقضاضه، في المقابل، العنيف والهمجي، على ما يفترض أنه شعبه، وتدمير قراه وبلداته ومدنه، وقتل وجرح وتشويه واعتقال وتعذيب وحرق وإخفاء بضعة ملايين من بناته وأبنائه، وطرد نصفه إلى خارج وطنه، بحجة محاربة الإرهاب الذي لو صح أنه منتشر في سورية بالحجم الذي تدّعيه الأسدية، لكان هذا وحده كافيا للمطالبة بإسقاطها، ولنزع الشرعية عنها بوصفها سلطة أنتجت هذا الكم الهائل من الإرهابيين في أثناء نصف قرن انفردت خلاله بالحكم، وها هي تدمّر منذ سنوات العمران السوري، وتسحق مجتمع السوريين ودولتهم، وهم الذين تحولوا جميعهم إلى شعب إرهابي. تُرى، بأي ضمير ديني أو إنساني يمكن اعتبار مقتلةٍ ذهب ضحيتها مليون شهيد سوري انتصارا للأسدية؟ وإلى أي قدر من انعدام الضمير يحتاج أمراء الكنائس المسيحية في سورية كي يهنئوا أنفسهم بانتصارٍ كهذا، تقشعر له أبدان أعتى المجرمين؟ وإلى أي قدر من العته والبلاهة يحتاج هؤلاء ليصدقوا أنه انتصار نهائي، وأن السوريين سيقبلون العودة كالأغنام إلى ما كان قائما قبل عام ثورتهم 2011 من ظلم وبؤس؟ لم أصدّق أن كنائس سورية المسيحية يمكن أن تصدر بيانا تهنئ فيه القاتل على جرائمه، بينما يواصل حربه ضد العزّل، ويلقي عليهم خلال أسبوعين آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ. وافترضت أن المطارنة والبطاركة لن يصدروا بيانا هذا مضمونه، لأن غبار الانفجارات زكم أنوفهم، ولأنهم أشاحوا بوجوههم عنها وهي تغطي قرى بأكملها، ويراقبون بحزن أرتال الأبرياء الذاهبة إلى المجهول، لافتراش الأرض تحت الأشجار، مع من سبقهم من مهجّرين لم يعد هناك خيام يأوون إليها، وكسرة خبز يُسكتون بها جوعهم، وتوهمت أن أمراء الكنائس سيتعاطفون مع ألمهم الإنساني! عن أي انتصار تتحدّثون، يا أمراء الكنيسة، وقد بلغ عدد ضحايا السلطة التي تساندونها مليون مهجر وآلاف القتلى من الأطفال والشيوخ والنساء؟ ولماذا لا تهنئون المنتصر الحقيقي، روسيا، وأنتم تعلمون أن سيدكم تحول إلى "خيال مآته" يحرّكه من يحرّكه من لبنان والعراق وأفغانستان وبنغلادش.. الذين لو أصدر شريككم في الانتصار، خامنئي، إليهم أمرا بقتلكم، لذبحوكم؟ اختار أمراء الكنائس الأسدية دعم من فتكوا بشعب سورية، وذبحوا شعبا أعزل فارق أكثر من نصفه الحياة أو وطنه، لمجرّد أنه طالب بالحرية التي يتشارك الإرهاب الأسدي والداعشي/ القاعدي في قتل أنصارها، و"العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية" هي قيم ثورتهم التي يكرّرون المطالبة بها، وهم يطلقون هتافهم "الإرهابي" الخطير، كلما تظاهروا: "سورية بدها حرية، والشعب السوري واحد". لن يبقى بيان أمراء الكنائس من دون رد فعل لدى من يرفضون من المسيحيين إسقاط كنيستهم بالتلازم مع سقوط الطغاة، وزوال المسيحية من المشرق، وترحيل المسيحيين من وطنهم، لأن كهنتهم يرفضون الانتماء إلى شعبه، والتضامن معه في محنته، وينتمون إلى السلطة التي تقتله. ولا بد أن يحاسب المسيحيون من يخونون تعاليم مسيحهم، وينبذوهم، لتعود الكنيسة إلى دورها الذي يحمي المظلومين، ويقيهم العنف، ولا تبقى أداة بيد "كهنة المخابرات" وسادتهم القتلة.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...