يتعلق المستبدون بأوهامهم عن حتمية انتصارهم في كل معركة يخوضونها. كان السوفيات يقتحمون مبنى مستشارية ألمانيا، عندما دعا هتلر أطفالا لا تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام، ليوزع عليهم قنابل ضد الدبابات، ويربت على وجوههم ويأمرهم بتحقيق الانتصار. بعد سويعات أوصى هتلر نفسه أحد حراسه بسكب البنزين عليه وإحراق جثته، بعد انتحاره. وكان موسوليني، قبل إلقاء القبض عليه وإعدامه، يطلق صيحات الانتصار في مقر قيادته، ويرى علامات على انهيار الحلفاء، الذين كانوا يدخلون عاصمته روما.
هل الإفراط في الأدلجة، التي توهم معتنقها أنه على حق في كل ما يقول ويفعل، هو سبب الظاهرة، التي توهم صاحبها أنه منتصر لا محالة، بينما انهار سقف مخبئه على رأسه، ويفقد آخر ما لديه من قوة وأتباع؟ أم أن مزيجا من الفصام واللاعقلانية هو الذي يدفع بصاحبه إلى الهلوسة، ويغرٍّبه عن الواقع إلى الحد الذي يحول بينه وبين القدرة على التفكير، بل النظر والسمع، ويجعله واثقا من أن وهم انتصاره يبطل هزيمته؟
يقتدي بشار الأسد بهتلر، ويربت على أكتاف من يرسلهم من السوريين إلى الموت لتحقيق انتصار لم يجلبه له مئة الف قتيل منهم، سبق له أن أرسلهم إلى الموت، بينما كان يحزم حقائبه استعدادا للهرب من المقبرة الواسعة باتساع سورية، التي دفن فيها مليون إنسان ، من أجل كرسي ما كان ليبقى فيه من دون الغزو الإيراني، الذي نفذه حزب الله عام ٢٠١٢/٢٠١٣ ، ثم الجيش الروسي عام ٢٠١٥، وما أفضيا إليه من انخراط قوة دولية وأخرى إقليمية في الحرب ضد شعب سورية، الذي تركته واشنطن يغرق بدمائه، بامتناعها المتعمد عن وقف المقتلة الرهيبة، التي تعرض لها، واعتبرها الأسد، بأسلوبه الأخرق في قلة الفهم، دليلا يؤكد المؤامرة الدولية على نظامه، رغم انضمام دولة عظمى وأخرى إقليمية وعشرات تنظيمات الارتزاق والإرهاب إليه في الحرب ضد السوريين، ودعمه إلى حد خوضها نيابة عنه، بعد ظهور تنظيمين صنعتهما أجهزته وأفادت منهما طهران وموسكو وواشنطن وأنقرة، هما النصرة وداعش، اللتان قتلتا من الثوار والشعب عشرة أضعاف ما قتلتاه من ميليشيات السلطة ، وبررتا قتل أعدائها باسم الحرب عليها !.
دفع الأسد بأعداد هائلة من السوريين إلى الموت، بحجة الحرب على الإرهاب، وفي ذهنه فكرة شيطانية هي إقلال السوريين إلى أدنى مستوى ممكن، ليكون باستطاعة من تبقى من طائفة سلطته حكمهم، إن سمح له الذين أنقذوه بالبقاء في موقعه، بعد أن سئموا تبجحه بانتصار لا علاقة له به، بقي طيلة أعوام متفرجا على الإيرانيين والروس وهم يقاتلون السوريين من أجله، بينما يسمع هو أخباره من بعيد، ومع ذلك، يسارع لعزوه إلى ما يسميه" الجيش العربي السوري"، ليس لأنه شارك حقا في تحقيقه، بل لأن بشار الأسد، الذي نسب انتصارات هؤلاء إليه، هو إحدى أشهر كذبات العالمين العربي والإسلامي .
هل هزم الطغيان الحرية في سورية؟ سيكون الأسد منتصرا حقا لو كان قادرا على رد الشعب إلى ما كان عليه من خنوع واستسلام قبل يوم ١٥ آذار من عام ٢٠١١، وردع أسر مليون شهيد قتلهم ونجح في جعل ذويهم ينسونهم، ويسامحونه على اغتصاب نسائهم، وسحق أطفالهم بالبراميل، ونهب ممتلكاتهم، وتدمير وجودهم المادي والمعنوي. هل سيفعل هذا من ثار طيلة قرابة تسعة أعوام وتحمل ويلات الحرب من دون أن يتراجع عن حقه في الحرية والعدالة والمساواة وكرامته الإنسانية؟ أم أنه سيواصل معركته، ليزج بالأسدية وزبانيتها في عالم من الرعب لن يطيب لهم عيش فيه، وسيلعنون يوميا ساعة أطاعوا فيها مخبولا عديم الخبرة وحاشيته وشنوا حربا عبثية لن تنتهي بالتوقف عن إطلاق النار، أو بإيجاد حل سياسي لا يرى ملايين السوريين فيه تعويضا عما ضحوا بأرواحهم لتحقيقه: حريتهم، التي سيحول تمسكهم بها دون قبولهم بقاء مجرم محترف في السلطة، التي ستتيح له مواصلة مجازره ضدهم؟
بأي منطق يتوهم بشار الأسد أنه انتصر، إن كان سيجد نفسه أمام حرب جديدة أشد ضراوة من تلك التي شنها بعد رفضه إصلاح نظامه والوصول إلى حل وسط مع شعبه المسالم؟ وأي دعم إيراني أو روسي سينقذه من غضب ضحاياه، إن كانت الدولتان قادرتين على كسب معارك وعاجزتين عن كسب الحرب، وكان السوريون قد حطموا في الحرب ضدهما خوفهم منهما، وفضلوا الموت على العيش دون كرامة، وقرروا ألا يتوقفوا في منتصف الطريق إلى حريتهم، لأنهم سيربحون كل شيء إن ربحوها، ولن يخسروا الكثير إن فشلوا في نيلها، بما أن جولتها الأولى لم تترك لهم الكثير ليخسروه، كما لم تترك للأسد ما يكفي من قوة ليهزمهم ويعيدهم إلى ما كانوا عليه من إذلال وظلم قبل ثورتهم؟
يجهل الأخرق الذي باع سورية من أجل كرسي لن يبقيه فيه أحد بعدما تخلى شعبه عنه، أن الانتصار على الثورات لا يقاس بما يحتله من أرض، بل يقاس بما في صدور بنات وأبناء شعبه من تعلق بالحرية: السلاح الذي مكنهم من الصمود في مواجهة جيش من قتلة السلطة والمخابرات فاق عدده المليون، وسيبقى سلاحهم الذي لا يقهر، إذا ما توقفت العمليات العسكرية، واستعاد الشعب المطرود من وطنه قراه وبلداته ومدنه، التي ستكون خالصة له، ولا حضور فيها للأسدية بغير الصورة الأمنية/ المخابراتية، التي ستؤجج من جديد نار الثورة، ولن تنجو منها .
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...