هل حرم الأسد بيدرسون من دمشق لأستنة اللجنة؟
سميرة المسالمة
2019-12-07
اللجنة الدستورية، بين أنه تنفيذاً للقرار الدولي 2254، أو التزاماً بمقررات مؤتمر سوتشي "سيء السمعة" في يناير 2018، وأن الخلاف على منطلقات كل وفد وأهدافه من هذا التبني للقبول بهذه الاجتماعات.
فبينما تعتبر روسيا أن اللجنة الدستورية أصبحت ذراعها الحديدية بعد شرعنتها "أممياً" -من حيث الشكل- ما يسمح لها اليوم بتحميلها مشروع الحل السياسي السوري برمته، وبضخ أجندتها "الأستانية" مضموناً، وبالتالي إلحاقها بمسارها العسكري الذي أفضى اليوم إلى استسلام "معارضاتي فصائلي " كامل لشروطها، وتنفيذ مخططها المعلن عنه منذ دخولها المباشر في الصراع السوي2015، واختراع مسار آستانة نهاية 2016 بداية 2017، والتي تطلبت من الحليف الجديد تقديم عربون صداقة دفعت حلب مدينة وسكاناً ثمناً باهظا فيه، وبعدها إلزام الفصائل المهزومة -أو كما تتهم "المستسلمة"- في معركة حلب في اتباع طريق خلاصها، والانخراط بما سمي مسار أستانا بضامنيه الثلاثة روسيا- إيران- تركيا.
فإن الولايات المتحدة لا تزال تعول على أنها صاحبة القرار النهائي في رسم خواتيم العمل السياسي ومساراته، سواء تشكلت اللجنة الدستورية وفق رغباتها، أم أنها مجرد "ورقة توت" منحتها لروسيا مقابل أجندة عمل لا تزال التسريبات الإعلامية منذ عام 2013 تكشف عن تفاصيلها، بدءا من اتفاق نزع السلاح الكيماوي للنظام السوري، أو عبر الصمت عن خطط مدارات آستانا العسكرية، وإتاحة الوقت الكافي لانتزاع ما تبقى من مناطق خارج السيطرة والاستحواذ عليها روسياً، حتى تلك الواقعة تحت حمايتها المباشرة من "درعا إلى الشمال السوري".
وإذ تتذرع الولايات المتحدة الأميركية بأن الحل السياسي في سوريا مبني على أساس القرارات الدولية التي تنسبها إلى قوتها الناعمة داخل مجلس الأمن، رغم عدم تحقيق الحد الأدنى من فعالياتها ميدانياً، إلا أن الحقيقة الماثلة هي عبر سطوتها العسكرية، التي تكتفي في بعض المواقف بالتذكير فيها عبر "تغريدة" هنا، أو تصريح هناك، أو قتل بضع مئات من مرتزقة الروس في التنف، او قصف مطارات للنظام ومواقع عسكرية لإيران سواء بأسلحتها أو أسلحة حليفتها إسرائيل، وهو ما يمكنها دائما من أن تسجل حضورها الفاعل عندما تشاء أن توظفه وتستثمر فيه داخل الملف السوري أو خارجه.
ومع كل ما يمكن الاستقواء به أميركياً فإن التعويل على موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب وتصلبه بما يتعلق بأستنة اللجنة الدستورية، وحرف ولايتها من الشأن الدستوري إلى الشأن السياسي برمته، وإطلاق عملية إعادة الاعمار، التي تراهن عليها كل من روسيا وإيران والنظام لإنقاذ اقتصاداتهم المتدهورة مرهون بتحقيق روسيا ما وصلها من رسائل عبر التصريحات الأميركية، التي تبدو كشروط مماثلة لما كانت عليها شروط التطبيع ال 12مع إيران.
ومنها النظر إلى العملية الدستورية كمقدمة لصناعة نظام سياسي سوري جديد لا يشبه سوريا ما قبل 2011، وهو ما عبرت عنه وثيقة اللاورقة التي قدمتها المجموعة الدولية المصغرة نهاية عام 2017، وتضمنت نظاماً برلمانيا لدولة غير مركزية، من شأنه أن يضمن لحلفائها الكرد مشاركة فاعلة، وهو ما يفسر الغزل الروسي لكرد سوريا في الشمال والتفاهمات البينية بينهما والمسكوت عنها أميركياً، الأمر الذي حاول النظام تجاهل الحديث عنه خلال إعلانه عن محادثاته مع مبعوث الرئيس بوتن الأسبوع الماضي ليأتي بيان الخارجية الروسية ليؤكد ذلك في رسالة روسية للجانب الأميركي.
وعلى الجانب الآخر قد يضمن لحلفاء تركيا السوريين جانباً من استقلالية النفوذ في مناطق تريدها تركيا تابعة لهيمنتها على الطريقة السورية في لبنان، ما يسهل على روسيا انجاز مهمتها وحرف اللجنة من أمميتها إلى آستانا، مع ضمان طواعية ومرونة الوفد المسمى على المعارضة فيها وهو حتماً سيستبعد كثير من السوريين الأحرار في اللجنة الدستورية، وتماشيه مع الحليف التركي، وعلى ذلك فإن ما شهدناه في جنيف من تعطيل هو مقدمة للتدخل الأستاني المباشر للم شمل اللجنة في نور سلطان كزاخستان، ونعي مطالب الانتقال السياسي التي عول عليه السوريون لضمان حقوقهم المواطنية في بلد موحد أرضاً وشعباً.
لا مصادفات في توقيت الفشل في جنيف مع انهيار الليرة السورية أمام الدولار خلال الأيام السابقة، ورغم توفر الظروف الاقتصادية لتبريره، وغباء السلطات التنفيذية السورية في معالجاته، إلا أنه صدى مباشر لرسائل المندوب الأميركي في جلسة مجلس الأمن والذي أعاد التذكير بلاءات بلاده وأوروبا الرافضة لإعادة الإعمار في سوريا قبل الحل السياسي، الذي يراعي مصالح الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، وهو ما أحرق أصابع الأسد امام مؤيديه، رغم محاولات شراء صمتهم بزيادة رواتب تساوي بل تقل عن نصف ما باعه به معارضوه حسب تصريحاته أي 25 دولار فقط.
فهل يقف السوريون في وجه عاصفة آستانا، أم ينتظرون السيل ليجرف حقهم وحلمهم في دولة مواطنين أحرار لن تكون كذلك بعد أستنتها