Alef Logo
ابداعات
              

جثث.. أرقام وقطط !

خاص ألف

2019-12-28


*فادي درويش

في كل صباح أستيقظ مغمض القلب .أفتح عيني اللتين كانتا تراقبان آلاف المجازر. أُرتب الجثث حسب فئاتهم العمرية:
الأطفال أولاً ثم الشباب ومن ثم العجائز!
لا أفصل بين الجنسين لقناعتي التامة بأن للأنثى حقوق كالرجل إلا أن في بلادي لم أستطع تطبيق الأمر سوى هنا.
أنهض وبجسد قد عاش أكثر مما يلزم وهو يقتات على إيقاع ذاك القلب الأعمى.
وعن كل هذا التعب المُحدقْ في كل شيء إلا نفسه، أهرب بعيني عن صور الموت المحفوظة في لونهما
وأعدُ أصابع يديَّ وأتساءل: هل تكفي أصابعي العشرة لغسل كل هذه الأوساخ التي حظيت بها من يومي الذي قد مضى ؟؟؟
لاأعلم .. لكن لا بأس ببعض المياه نُعكر بها صفو وساخات يوم آخر..أعدُ قهوتي، التي لا أحبها، لكن لطمعي بلون الرغوة البيضاء على وجهها.
ربما هو اللون الأبيض الوحيد الذي أبتلعه في حياتي؛ وبالتأكيد أن وجه القهوة هو الوجه الوحيد الذي ألامسه بشفتي بدون خجل من أعين الناس!
أنهي فنجان القهوة وأتجه للمرآة لأُصفف شعري حسب ترتيب السنين، فأجد نفس اللون الأبيض قد ابتلع أغلب خصلات شعري الأصفر !
أقنع نفسي بأن الأمر غير مهم، وأني في الأصل لا أُحب اللون الأصفر، المقرون اسمه بمرض الطاعون!
أرتدي بنطالي الأزرق وأرتب بيدي بعض انحناءاته التي عاصرت عمره؛ فأُلحق به قميصي وأُغلق أزراره على صدري وأخبئ الكثيرين ممن مروا في حياتي!
أسحب حذائي الأسود من تحت السرير.. وهذا اللون الذي أحبّ، لا لشيء، فقط لصدقه كالحزن الذي يرمزه
الحزن الصديق الصادق على نقيض الفرح!
أفتح باب الغرفة لأخرج وأغلقه على وحدتي بعد أن أعِدها بعدم تأخري.

الوحدة كالزوجة التي تهتم بزوجها فتراها تسأل عن أدق التفاصيل التي تحدث في غيابها، ولربما بدافع الغيرة، من أن ألتقي أحد الأشخاص فأقع بخيانتها.

أعدُ درجات السُلَم بنزولي للشارع، وكالعادة وقبل أن أصل الرقم عشرين، أكون في الشارع، وألتقي بجارتي الخمسينية، التي أكلت الحرب اثنين من أبنائها... فأُلقي تحية الصباح، لتبادرني بعد ردّها بسؤال: هل رأيت هرّي سالم ؟؟

لا ياخالة.. لم أره، وفي هذه البلاد لن يراه أحد في هذا الأسم أبداً !

لكن في الليلة الماضية، قد رأيت فأرين في درج مكتبتي يقضمان أفكاري التي قد دونتها على الورق!
فأضعها في ظهري وأمشي وصوتها يقول: اترُك هذه البلاد يابني قبل أن تأكلك جرذانها..

أمشي وأنا أعدُ بلاط الرصيف..
ربما من يقرأ الآن، يتساءل ما سري مع عدّ كل شي أمر به!؟

أنتَ، وأنتمُ على حق.. حتى أنا لا أعرف!
لكن هذا الأمر أصبح رفيقي من لحظة اعتقالي بتهمة خيانة الوطن!
فقد اخذ لساني بعد سياط السجان على جسدي أثناء التحقيق لينتقل الأمر بعدها بعدِ بلاط زنزانتي المنفردة وبعدها صوت نقاط هاربة من حنفية المياه (آه لوكنت وقتها نقطة ماء وأهرب من ذلك المكان) لأصل بعدها بعدِ أرقام جثث رفاقي الخائنين المرمية في الممر !!
- خونة كل هذا الوطن الكبير مكدسين بممر لايتعدى ثلاثة أمتار.. كم هذا الوطن كريم !!!!!!

دعك.. من أمر العدِّ، فهو أمر سهل، نتعلمه ببداية عمرنا في المدرسة، لكنه يصبح ثقيل الوزن عندما يوضع أرقام الممر ذي الثلاثة أمتار على كتفيك...!

أُكمل عدَ بلاط الرصيف دون العلم أين أتجه..
أرفع رأسي فقط بمرور أحدهم قُربي.. فأنظر في وجهه لأرى التعب والحيرة على وجه الناس وكأنهم يبحثون عن شيء ما !!!
مابهم ؟؟
أيُعقل بأنهم جميعاً يبحثون عن سالم ؟؟

لا أعلم ولايهمني..

أكمل عدَ بلاط الرصيف.. أعدُ أشجار الحديقة.. قارمات الشوارع المليئة بأسماء الأطباء والصيادلة.. كم هي كثيرة في مدينتي هذه اللافتات؛ وهذا إن دلّ فهو يدل على أن هذه المدينة مريضة بشكل كبير!

أكمل سيري وأنا أرمي أحلامي بالشارع كلها، بحلوها.. ومرها.
وعصافير الدوري أخذت تتراقص خلفي. تلتقط فتات الخبز مطلقة زقزقاتها الفرحة لحصولها على وجبة فطور لفراخها؛ أرجو حينها أن تكون قد اخذت معها أحلامي التي رميتها، لربما تطير خارج هذه المدينة.

يأخذ لون الحذاء الأسود المتعب من غُبار الشارع، لأعود أعدُ خطوات طريق العودة لغرفتي وأكمل العدّ والعدو على درجات السُلَم التي لاتنتهي عند الرقم العشرين!
لا أعلم السر..! ربما رقم الصعود مكلف أكثر من النزول!
أفتح باب الغرفة لأرتمي بأحضان وحدتي التي تشتاقني. أفتح التلفاز الذي لا يعمل به جهاز الصوت ليضيف نوعاً جديداً لصمت وحدتي وأقرأ:
خبر عاجل .....
انفجار يهز المدينة وأنباء أوليّة تفيد عن موت عشرة مدنيين بينهما طفلان وامرأة !
تفيد ؟؟؟ وهل أصبح من الموت إفادة؟
يمر الأمر هكذا.. أأخذ بالأرقام وأضعها في عينيّ بحسب الترتيب الذي ذكرته وقت استيقاظي؟ لكن ماهذا الذي في زاوية المذبحة؟ ..هل هو هرٌ؟ أيعقل هذا؟؟

معالم أشلائه تقول كذلك..
هذا سالم؟؟؟
نعم؛ هو .. وقد مات دون رقم يذكر!
لكن من اليوم سأضع له ترتيب في عينيَّ حسب الجثث:

الأطفال أولاً .. الشباب، وبعدهم العجائز ومن ثم القطط

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow