رجال سورية الخالدون....... حتى لا ننسى ...لهشـام الخـاني
روى الدكتور (محمد فاروق النبهـان) وهو حفيد الشيخ (محمد النبهان رحمه الله - أحد كبار مشايخ حلب) عبر صفحته عن سـاعة التقـائه الحميم، منذ سـنوات ليست بالقريبـة، بالرئيس الدكتور (ناظم القدسي رحمه الله) في المغرب في بيت الدكتور (عبد الهـادي بو طالب) مستشـار ملك المغرب، حيث وجه الملك الحسن (آنذاك) بتكريـم الدكتور (القدسي) الذي كان في زيـارة شـخصية للمغرب بعد أن علم بوجوده. ومن المعلوم أن الرئيس (القدسي) قد غـادر سـوريا إلى المنفى في أوائل الستينات وتوفـي قبل أن يعـود. وكان من الملفت أن علق أحد الشهود على صفحة الدكتور (النبهـان) يحدث على لسان أحد سـائقي مكتب أرسان للسفريـات (وهو مكتب معروف في دمشق حتى منتصف السبعينيات) حيث قال السائق: استدعيت من قبل القصر الجمهوري في دمشـق ففوجئت بالرئيس (ناظم القدسـي) يودع امرأة وشـابا ينويـان السـفر إلى حلب. فمالبثـا أن ركبـا (التاكسي) في المقعد الأمـامي فيما كان المقعد الخلفــي مشـغولا بثلاثـة ركاب من عامـة الناس. واثناء الطريق سـألت الشـاب عن علاقتـه بالرئيس، فأجـاب: هو أبــي وتلك التي بجواري هي أمي!! ولقد حـرك هذا المشهد مشـاعر الناس فكانت التعليقات كثيرة على الصفحة جميعها يتغنى بالذكريـات العطـرة لرجال الشام الذين كانوا مثلا وقدوة.
أثـار هذا السرد ذاكرتـي تجـاه قصة مماثلة رواها لي أخي وصديقي الأستاذ (هشـام معروف الدواليبي) عندما زار دمشق عام 2002 بعد غياب لمدة ثمانية وثلاثين عاما. وكنت كثيرا ما أسال أخـانا (هشـام) ونحن في الرياض: أيــن كان بيتكــم أبــا معـروف؟ فيجيبني: كان بيتنــا في حي المزرعـة قريبا من البساتين. فكنت أضحك وأقول: لا أعلم عن بساتين في المنطقة التي تصف.
المهم نزل الرجل إلى دمشق وسعدنا جميعا بزيارته لبلده الأم. وطلب أول ما طلب أن يمر بالقرب من بيت والده الذي كان مملوكا لأبيه حتى تلك اللحظة. فأخذته الى منطقة المزرعة، وبعد تجوال في السيارة فاجأني يقول: يا هشـام .. هذا هو بيتنا. فنظرت إلى البيت فرأيت شـقتين عاديتين في الدور الثالث إلى اليمين من الشارع الذي يربط جامع الإيمان بشارع الملعب، وكنت مدركا تماما بأن المنطقة كانت نائية ورخيصة عندمـا اشــترى فيها الدكتور (معروف الدواليبي) من حر مالــه في أواخـر الخمسينات. فقال لي بعـد أن سـكت لفتـرة يتأمـل: تصور ياهشـام (وهو يشــير إلى شـــرفة في الطابق الأسفل من نفس العمـارة): تذكرت جارتنـا التي وقفت مرة في هذه الشـرفة منذ عقـود تنـادي جارتهـا الأخـرى على عجل (دون أن تنتبـه إلى وجودي إذ كنت طفـلا أيامهـا): أم فلان ... تعـالي وانظـري ... هذا هو رئيس الوزراء ينتظر الباص عند الموقف !!!
من المعلوم أن الدكتور (الدواليبي رحمه الله) قد تقلـد منصب رئيس الوزراء السـوري مرتين، وحقائب الدفـاع والخارجيـة لأكثـر من مرة. وقد توفي وهو على رأس عمله مستشارا في الديوان الملكي السعودي. وهو الذي حمـل باليـد وثيقـة الاسـتقلال بعـد أن اســتلمها من وزير الخارجيـة الفرنسي، واستقل الباخـرة من مرسيليا (آنئـذ) ليســلمها إلى الرئيس شكري القوتلي (رحمه اللـه) .. وتلك قصة رواها لي الدكتور (معروف الدواليبي) شـخصيا.
عندما يتذكر التاريخ مواضع نيرة من صفحاته، فإنه يتحدث عن الشام مفاخرا برجالها الذين نالوا عن جدارة ثقة الناس، وكذا ثقة الملوك والحكام وأهل الفضل والعلم. وإن من اشترى مصلحة البلاد بالغالي والنفيس هو خير من يكرم. فهذا رئيس الجمهورية يرسل زوجته بسيارة الأجرة إلى حلب، بينما يقف رئيس الوزراء ووزير الدفـاع في الصف ينتظــر الباص ليذهب إلى مقـر عمــله !!!
(قصة واقعية)