ما يسبق إعادة إعمار سوريا
فايز سارة
2020-02-08
تتردد بين وقت وآخر كتابات وأحاديث عن إعادة الإعمار في سوريا في إطار محاولات استكمال نقاشات تناولت الموضوع في الأعوام الثلاثة الماضية، وخلصت الى تأكيد معارضة دولية لعملية إعادة الإعمار، وهي معارضة ربط أصحابها موافقتهم عليها بالذهاب الى حل سياسي للقضية السورية، وهو امر مازال نظام الأسد يرفضه، ويراوغ مناصروه الروس والإيرانيون للالتفاف عليه عبر سياسات تسكين لا حل، وفق ما تجسده جهودهم في أستانا وسوتشي، لتكون بديلة عن مسار جنيف الذي يمثل مسار الحل السياسي الدولي المتوافق عليه.
وتستمد وجاهة واهميه الربط بين إعادة الإعمار والحل السياسي للقضية السورية من امرين أولهما خوف المانحين من قيام النظام وحلفائه بالاستيلاء على تقدمات المانحين وإدخالها في سياق سياسته الخاصة، كما حصل ويحصل بمساعدات الدول والمنظمات الدولية للشعب السوري، حيث يوزع النظام ما يتسلمه على شبيحته وبطانته، ولايذهب منها إلا القليل الى غيرهم، وهم الأكثر عددا وتضرراً وحاجة من إجمالي السوريين، والأمر الثاني أن يتفرد النظام ومعه الروس والإيرانيون بتوجيه أموال ومشاريع إعادة الإعمار بما يتفق مع مصالحهم، ويخدم مشروعهم في سوريا مع اقل قدر من المراعاة للاحتياجات الأساسية للسوريين من جهة ومصالح الأطراف المشاركة في إعادة الإعمار، وثمة كثير من تأكيدات أصدرها النظام وحلفائه تعبيراً عن هذا التوجه.
ورغم أهمية الخلفية التي ينطلق منها موقف معارضي إعادة الإعمار، وما يحيط بالعملية من مخاوف، تتصل بسياسات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، فلابد من التدقيق في نقاط ووقائع أنتجتها سنوات الحرب، تتصل بموضوع إعادة الإعمار، ولها تأثير كبير على فكرته ومساره ونتائجه المحتملة، وبدون معالجتها أو وضعها على سكة العلاج، فانه لا يمكن بدء عملية إعادة الإعمار، والأبرز في هذه النقاط:
إن إعادة الإعمار ستجري في بلد، تحكمه سلطة مسؤولة بصورة مباشرة عما آلت اليه حالة سوريا والسوريين. ليس فقط لجهة مسؤوليتها عن تدمير القدرات المادية والبشرية، بل لجهة التفريط بالسيادة الوطنية، ووضع سوريا تحت احتلالات اجنبيه، وجعل القرار السوري مرهوناً لإرادة الروس والإيرانيين الذين سيكون لهم التأثير الأساسي في قرارات إعادة الإعمار.
وأحدثت السنوات الماضية تغييرات عميقة في واقع التركيبة العامة للسكان في أعدادهم وخبراتهم إضافة الى ما لحق بهم تشريد وتدمير، وتغيير في مسارات حياة وأنماط عيش من لم تصبه المصائر السابقة، وهناك كثير ممن غادروا قناعاتهم ودورهم الاجتماعي.
إن البنى التحتية للدولة والمجتمع، تم تدميرها جزئياً أو كلياً. فمؤسسات الدولة، لم تعد مؤسسات للسوريين، إنما هي مؤسسات للنظام والموالين له، وهذا الأمر لا ينطبق على المؤسستين الأمنية والعسكرية فقط، وإنما على كل المؤسسات ومنها مؤسسات الخدمات التي تخص البيئات التابعة للنظام بأفضل ما لديها، وتعطي ما تبقى لبقية السوريين، كما في مثال توزيع الكهرباء أو الغاز أو المحروقات، وفي تقديم خدمات مثل التعليم والصحة، التي صار السوريين من غير بيئة النظام، لا يحصلون عليها إلا بشكل محدود.
وتركت الحرب بصماتها على قطاعات الاقتصاد السوري. فعطلت قطاعات الإنتاج من زراعة وصناعة وحرف بمستويات متعددة، كما الحقت الأضرار كبيرة بقطاعات الخدمات مثل السياحة والنقل والمصارف، وحدثت تغييرات في مكانة بعض أنشطة الاقتصاد الوطني، كما في تراجع دور القطاعات الإنتاجية مقابل نمو أكبر في قطاع الخدمات والأنشطة الهامشية.
وأدت سنوات الحرب الى تبدل هيكلي في واقع النخبة السورية، وهو امر لا يقتصر على نخبة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بل يشمل نخبة المناطق الأخرى. وفي كل الحالات، فقد تنامي حضور وتأثير الشخصيات الأمنية والعسكرية لدي الجانبين، وصعد دور المنظرين من المتدينين والإعلاميين في إطار حملات الترويج الديماغوجي لسياسات أطراف الصراع، وصعد دور تجار الحرب الذين شكلوا وسطاء لتبادل المصالح العاجلة مع قادة الحرب وتنظيماتهم، وكله شكل انقلاباً في واقع ودور النخبة السورية.
وطبقا للتقديرات، فان الخسائر المادية للحرب، تجاوزت ستمائة مليار دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة للاقتصاد السوري الذي راكم طرفا الصراع فيه ثروات كبيرة، وطبقاَ للتقديرات فان ثروة آل الأسد تزيد على ثلاثمائة مليار الى جانب ثروات بطانتهم، ولاسيما تجار الحرب الذين تقول التقديرات، أن حجمها قريب من هذا الرقم، فيما أشارت تقارير إعلامية الى ثروات النافذين على الطرف الآخر من الصراع بلغت مليارات الدولارات. وفي الحالتين، ليس من المتوقع، استخدام هذه الأموال في إعادة الاعمار ألا بصورة جزئية.
وعدم مشاركة ثروات النافذين في إعادة الإعمار، يمثل خطاً موازياً لعدم مشاركة القدرات التقليدية في الاقتصاد السوري، والإشارة في هذا الجانب تتعلق بالثروات الاستخراجية ومنها الغاز والنفط، والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية وابرزها القطن والحبوب، واذا كانت الأخيرة صارت في ادنى مستويات إنتاجها، فان الأولى أصبحت تحت السيطرة الأجنبية، كما في حالة السيطرة الأميركية على حقول الشمال الشرقي، وسيطرة ايران وروسيا في مناطق دير الزور وامتدادها غرباَ في عمق البادية السورية، أو بفعل اتفاقات عقدها النظام مع حليفيه الروسي والإيراني، وأعطاهما امتيازات العمل في قطاع النفط والغاز بالعمل بين حدي الاستكشاف والاستهلاك، وشملت الامتيازات مناطق في الداخل والمياه الإقليمية.
وقد يكون من المهم الإشارة الى تفريط النظام ببوابات الخروج والدخول الى سوريا، حيث أعطيت روسيا حق السيطرة والإدارة على ميناء طرطوس، وحصلت ايران بصورة مماثلة على ميناء اللاذقية، ولايحتاج الى تأكيد، أن السيطرة الروسية -الإيرانية على المطارات المدنية والعسكرية، هي امر واقع، إضافة الى سيطرة الإيرانيين وميليشياتهم على بعض المنافذ البرية ومنها المنفذ الرئيس مع العراق في معبر القائم-البوكمال الذي تتحكم به ايران، فيما يتحكم حزب الله اللبناني التابع لها بأغلب المعابر السورية مع لبنان عبر جبال القلمون، ولايحتاج الى التأكيد أن عدم سيطرة أي نظام على المعابر التي تربطه بالعالم، يجعله غير قادر على التحكم بما يمر من حدوده دخولاَ وخروجاَ، وهو الحال الذي صارت حالة نظام الأسد في سوريا، والوضع الى تفاقم متزايد.
أن التوقف عند هذه النقاط وبدء معالجة جوانبها، يمثل ضرورة تسبق عملية الإعمار. ليس فقط من حيث التدقيق فيها لإعادة بناء قواعد البيانات والإحصائيات السورية اللازمة، بل أيضا لجهة تأمين قوة دفع وإشراف سياسي لإعادة الإعمار ومعالجة المشاكل الأساسية التي تواجه السوريين، وتدفعهم نحو إعادة تطبيع حياتهم، وهو امر لا يمكن إن يتم في ظل بقاء المعتقلين والموقوفين في السجون، واستمرار حالة التهجير واللجوء سواء في داخل سوريا أو في بلدان الجوار، كما لا يمكن أن تتم إعادة الإعمار في ظل فقدان السيادة الوطنية، وتحكم القوى الأجنبية بالقدرات وبالقرار السوري.