Alef Logo
الآن هنا
              

شرف المرأة و عود الكبريت

2008-06-15

قد يكون قرار محكمة ليل الفرنسية بإبطال زواج السيدة التي كذبت على زوجها بشأن عذريتها، مقبولا شكلا، لأن خللا أصاب صحة العقد، وهو مسألة الكذب بشأن العذرية، إلا أنّ الجزء الثاني من الجملة: بشأن العذرية، هو ما أحدث فضيحة أخلاقية في فرنسا، فهبّت الجمعيات النسائية والثقافية، لتطالب بإلغاء هذا القرار، لأنّه قد يسبب تراجعا في مستوى الحريات في فرنسا، فيصبح سابقة قانونية، تبطل بعدها عقود الزواج، لا بسبب الكذب، بل بشأن العذرية، وهنا ستنقلب المسألة، إذ سيُضطرُّ النساء إلى الكذب بشأن العذرية .

إذن لا تنحصر القضية التي أثارت كل هذا الجدل، والذي لا يزال قائما، في فسخ عقد الزواج لو كان لسبب آخر، بل لما قد يؤدّي إليه موضوع عذرية الزوجة،من نتائج وخيمة في الثقافة الفرنسية، بحيث تصطف عشرات النساء على أبواب الأطباء، لتضليل أزواج المستقبل، كما لو أن قرار المحكمة، بشكل ما، يتضامن مع الزوج في حقه، لا في أن تصدق زوجته، بل في عذريتها. وهنا يكمن التراجع الأخلاقي والفكري الذي يرعب الفرنسيين، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من 70 بالمائة من الفرنسيين مستاؤون من هذا القرار.

هذا هو باختصار شكل القضية من وجهة النظر الفرنسية، أما لو ذهبنا بالأمر بعيدا، واقتربنا من تخوم منطقتنا، لندخل في هذا الطابو المحكم الإغلاق، ونناقش عذرية المرأة قبل الزواج، فإنه برأيي، سوف نكشف الغطاء عن إحدى القضايا المتعفنة في ثقافتنا العربية، والتي لا نتحدث عنها جهارا، لأنها أكبر الطابوات في المنطقة، وتتلخص في السياسي والديني والجنسي، فأما السياسي، فقد أفرزت المنطقة الكثير من حركات المعارضة السياسية، المناهضة للحكم وآلية وصول الحكام إلى السلطة، وجميعنا على اطلاع بما يجري في المنطقة، من مناوشات سياسية بين الحكومات والمعارضة. وعلى المستوى الديني، فقد نهضت أيضا العديد من الجهود في المطالبة بالعلمانية، وأفرزت هذه النهضة العديد من التيارات والمؤسسات المدنية والمثقفين والكتاب، الذين يجهرون بخروجهم عن المحرّم الديني. أما الطابو الجنسيّ، وهو الأشد تعقيدا في المنطقة، فإنّ المساهمين في تحريكه و"خضّه" قلائل جدا، لما قد يؤثر به هذا الأمر على موضوع السمعة الشخصية، التي تحرص الثقافة العربية، على الحفاظ عليها.

إذ أننا في المنطقة العربية، لا يزال الفرد خاضعا لأحكام المجتمع، ولا تزال سمعة أحدنا، أهم منجز يحاول الحفاظ عليه، لذلك فإن عاقلا أو عاقلة، لن يتجرأ على إعلان الحريات الجنسية للمرأة، ولكنه يفعلها، بالنسبة لحريات الرجل الجنسية، بل ويتباهى بها.

منذ طفولتي ومراهقتي الباكرة، كنا، نحن الفتيات، وأحيانا الصبيان، نكرّر من باب الدعابة، الجملة الشهيرة، والتي أطلقتها السينما، وأعتقد أنها ليوسف وهبي " شرف البنت زي عود الكبريت، ما يولعش غير مرة واحدة "، اكتشفت الآن، وبعد مرور سنوات على تلك الدعابة السخيفة، أننا كنا نمزح بخبث، ففي الوقت الذي نتهكم فيه من تلك الجملة، كنا نزرع في وعينا الأخلاقي ضرورة التقيد بهذه الحالة أو القانون أو الشريعة: المحافظة على الشرف.

طبعا والشرف دوما منوط هنا، بالمرأة، فإن وُصف رجل ما، بأنه قليل شرف، فهذا يعني، على الأغلب، أن الأمر له علاقة بسلوكه الجنسي أو سلوك نساء العائلة، حيث يعتبر المسؤول عن سمعتهن، وحسن سلوكهن، أي شرفهن. بمعنى آخر، فإن شرفه متوقف على شرف المرأة التي تحمل وحدها هذا الشرف، لا بالمعنى الإيجابي، أي يتم تشريفها كحامل للشرف، بل بالمعنى السلبي، بحيث تحاسب على الإخلال والإساءة لهذا الشرف.
وقد حُمّلت المرأة تاريخيا، ولاتزال تُحمّل حتى هذه اللحظة، من انفتاح العالم الثقافي، والسياسي والديني، أعباء التفكير الذكوري المتسلط، بسجنها داخل جسها، لأنها موضوع لمتعة الرجل، بشروطه، ولا يحق لها أن تستقل عنه، بالمتعة.

من هنا، فإن قضايا الشرف، التي تصدم الفكر الغربي، الذي لا يفهم، أن تُقتل امرأة، وبحماية قانونية للقاتل، لأنها أقامت علاقة مع رجل، بل وفي حالات عديدة، بمجرد الاشتباه والشك في سلوكها، وسمعتها، يجب أن تؤخذ بجدية أكبر من جدية الجدل السياسي أو الديني، علما أنه لا أحد من ذينك الفريقين المعارضين، قد تعرض لمسألة المرأة، والحريات الجنسية، ولا حتى أقصى حركات اليسار، بل عوملت "الرفيقة" على الدوام، كامرأة في المنزل والمطبخ . بل تّم تعهير العيد من "الرفيقات"، وحتى المثقفات والكاتبات والشاعرات ، لمجرّد مطالبتهن بحقوقهن، أو تعبيرهن عن مشاعرهن وأفكارهن، وأنا أظن أن هذا هو المقياس الحقيقي للفكر المعارض والحديث، سياسيا، ودينيا، في حجم تبنيه لحقوق المرأة الجنسية ومساواتها مع الرجل، ونسف قوانين ومفاهيم الشرف، التي لا تنسجم مع العقليات المتنورة، بل تنتمي لعهود التخلف والتراجع الإنساني والفكري .

جميعنا، نحن أبناء هذه الثقافة، عانى من مسألة السمعة، وخضع في الكثير من اختياراته، حتى المصيرية منها، لمساومة السمعة، لأننا نعيش معا، ويحكمنا هذا القانون، وأي خروج عنه، سيجعلنا منبوذين ومرميّين من قبل مجتمعاتنا. ولا أنسى صدمتي، حين كنت أحدّث أحد الحقوقيين الشرقيين في أوربا، عن اهتمامي بمواضيع الشرف، وضرورة تعديل المواد القانونية التي تسهّل قتل النساء، فقال لي، هو سياسيّ معارض، وعلمانيّ: لو أن ابنتي أقامت علاقة مع رجل، لقتلتها. ثم راح يشرح لي أنه محكوم بالعادات، وإن لم يفعل ذلك، فإن المجتمع سيبصق عليه، ولن يستطيع أن يسير، كرجل، بين الرجال، بل سيطأطئ رأسه بذل . هذا الرجل، المحامي ، العلماني، المعارض، قد يحصل على منصب سياسي ذات يوم، ويكون من المشّرعين والمعدّلين للقوانين !


والسؤال الذي لم أجد عليه جوابا حتى اليوم، لماذا يقبل الرجل الشرقي بالزواج من امرأة أوربية، غير عذراء، ويعرف أن لها تاريخها الجنسي قبله، ولا يقبل بذلك مع المرأة الشرقية؟ يقول أحدهم، هذه عاداتهم ! ولكن كيف هو نفسه، يقبل هنا، ولا يقبل هناك؟ لم أفهم هذه النقطة حتى الآن. حتى أن بعض الرجال الشرقيين ، هنا في فرنسا ، تتغير معاملتهم لي حين يعرفون أني لست فرنسية، ويحاولون فرض الثقافة الشرقية علي في التعامل مع المرأة، باعتبارها أقل، وقابلة للمساومة، كما لو أنها " أقل " من المرأة الأوربية في الدفاع عن حقوقها، أو أنها " أرخص "، بل، وكأنه يستعيد حماية الشرق له، وتعاطفه معه، في حال أي خلاف، فالمرجعية الشرقية، ستنتصر له.

لن أطيل أكثر من هذا، فالموضوع طويل وشائك، وأعتقد أنه آن الأوان لمناقشة أكبر عيوبنا المشرقية، وهو الثقافة المزدوجة، نفعل في الخفاء ما نتستر عليه علنا، خوفا من تشويه سمعتنا، والسؤال المطروح أمام الرجال المصرّين على عذرية نسائهم: إلى أي حد يثق أحدكم أنها لم تفعل كل شيء قبل الزواج بكم ، دون أن تمس عذريتها بأذى، أو أنها لم ترمم تجاربها على يد طبيب ماهر، أعاد الفتنة لبكارتها، كما لو أنها " ما باس تمها غير أمها "، وأيهما يفضل أحدكم: امرأة صادقة غير عذراء، أم عذراء كاذبة؟
عن موقع الأوان












تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow