إصدارات - شبكات الفساد والإفساد العالمية (بيتر آيغن)
ألف
2006-04-07
(لقد قضيت حياة عملي، قبل كل شيء، في المصرف الدولي، وهو تلك المنظمة الإنمائية الدولية التي تساعد البلدان الفقيرة على نطاق العالم كله، بالقروض من أجل تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
غير أن كلمة (الفساد) لم يكن لها وجود في الاستعمال اللغوي الرسمي في المصرف الدولي، والحق أننا كنا نعلم أن الرشوة في كل مكان، وما زالت حتى الآن، وكنا نعلم أيضًا أنها كانت تعوّق كثيرًا من مجهوداتنا التنموية، إن لم تكن تجعل نجاحنا مستحيلاً إطلاقًا. ومع ذلك فلم نكن نتحدث في ذلك إلاّ في الخفاء، إذ لم يكن يجوز التعرُّض له من حيث كونه موضوعًا للعمل الجدّي، بل كان من المحرَّمات. ولم يكن المصرف الدولي نفسه يتعرّض للمساس به في هذا الصدد بحال من الأحوال، خصوصًا، ومع ذلك فقد كان يتعامى عن مسألة أن كل برنامج إنمائي كان يسانده، تقريبًا، كان يتعرَّض للتشويه بسبب واقعٍ فاسد، وكانت مبالغ طائلة تنتقل إلى الجيوب الخاصة للساسة والموظفين. وكانت المؤسسات الغربية تكتسب الثروة بوساطة تكليفاتٍ تكلف مبالغ طائلة، ولم تكن لها ضرورة، أو كانت السلطة الخاصة بالحسم يُساء استعمالها في نواحٍ أخرى. وكانت كل كلمة غير محمودة تصدر عنا معشر موظفي المصرف الدولي، تلقى أذنًا غير صاغية، وكانت المقترحات، أو حتى القواعد الإلزامية، التي كانت خليقة بأن تحول دون أن يثرى أرباب الثروات في البلدان النامية والمصدِّرون الفاسدون من الشمال على حساب مواطنيهم، بأموال البلدان المانحة، تُقابَل بالرفض الكامل، لأن حجة الدائرة القانونية لدينا كانت تقوم على أن هذا سيكون تدخُّلاً سياسيًا في الشؤون الداخلية في كل دولة من الدول على حدة، وهو تدخل كان محظورًا بموجب النظام الأساس للمصرف الدولي.
وطبعًا فإن المراقبين المتيقظين لم يكن في وسعهم أن يوصدوا عقولهم وأسماعهم عن الأثر الكارثيّ للفساد، وأنا أذكر جيدًا ملاحظة لزوجتي يوتّا وهي أن المصرف الدولي يعزف على الكمان على الأسطحة، بينما روما تحترق.
وما من شك في أن النظرة القائلة إن واجب هذه المؤسسة يتمثل في اتخاذ موقف واضح حيال الفساد خاصة، كان يعد من قبيل الهرطقة."
كثيراً ما يجد الفقر جذوره في الفساد، وذلك أن جبابرة العالم يسرهم أن ينظروا إلى الأموال العامة نظرتهم إلى محالّ قائمة على الخدمة الذاتية، (يتناولون منها ما يشاؤون)، وهم يشترون بمبالغ الرشوة الضخمة الموافقة السياسية على المشروعات التي لا يتحاج إليها أحد، ولا يستطيع ان يسدد تكاليفها أحد، ويدفع ثمن كؤوس الشراب المجتمعُ حين يكون الاقتصاد المحلي قد استنفدت طاقاته، وتأتي عملية تسديد الديون على المال اللاظم للمشروعات المهمة.
أتُراها مشكلة من مشكلات البلدان النامية؟ كلا، ولا بحال من الأحوال، ففي فهرس الرشوة عن هذا العام، وهو الفهرس الذي تحرره منظمة (الشفافية العالمية) في كل عام، تحتل ألمانيا المنزلة الدنيا من الميدان الأوسط بين الدول الأوروبية، على أن الصورة لا تبدو أفضل في حال دافعي الرشوة: ففي المراتب العالية في الكارتيلات تعد الرشوة أصلا من أصول الفروسية، بل لقد كانت الرشوة حتى عهد قريب قابلة للخصم من حساب الضريبة.
بيتر آيغن يصف في هذا الكتاب، الأثر المخرِّب الفتاك، للفساد، ولكنه يبين أيضاً على الوجه الصحيح تماماً، كيف يستطيع المجتمع المدني أن يتصدى لهذا الشر المتسطير، وبفعل منظمته العالمية للشفافية يكون قد أعلن الحرب على الفساد ولقد فعل ذلك بنجاح كبير؛ ففي نحو مئة بلد هناك في هذه الأثناء تجمعات وطنية من منظمة (الشفافية العالمية)..
من منشورات دار قدمس