أسمرالدا / قصة : كريكور زوهراب / ترجمة :
خاص ألف
2008-06-17
كريكور زوهراب من كبارالكتاب الأرمن. ولد في إستانبول عام 1861 . درس في مؤسسات رسمية أرمنية و فرنسية و حاز على إجازة في الهندسة ثم الحقوق. و في عام 1883 نشر أول كتاب له في العلوم الحقوقية. عاش في ظل الاستبداد العثماني. و كشف الغطاء عن مؤامرة ضد الأرمن عام 1878 . لجأ إلى أوروبا. و عاد إلى إستانبوال عام 1915 . و سجن في أورفة. كان صوت زوهراب غاضبا في كتاباته ، و قد صب جام غضبه على بنية مجتمع مشبوه و متخلف يخدم نظاما فاسدا . و ذلك بإطناب بلاغي مكثف يذكرنا بموباسان الفرنسي. و أخيرا اغتاله الأتراك في 7 تموز عام 1915 . و إحياء لذكراه توقد حلب شمعة صغيرة تحمل اسمه .. و هي عبارة عن مختارات من أهم أعماله بعنوان ( آلام مكتومة – أصوات الضمير ). و منها نختار هذه القصة .
---------------------
عندما جاء دور صديقي الماسيان ، ذلك الشاب الغني الجميل ، الذي شاعت أحاديث مغامراته العالمية في أن يقص علينا إحدى مغامراته قال :
في العام الماضي كانت تقيم في بيتنا يونانية تتمتع بحصيلة كبيرة من الجمال و الفتنة. كانت فريدة بين الخادمات الكثيرات في حيّنا. و كانت حلم جميع الطباخين و الخدم و الباعة المتجولين.
عندما تبدأ صباح كل يوم سبت بغسل درج باب بيتنا حسب عادتها شبه عارية منحنية مشغولة بعملها كان المارة يقفون ليستمتعوا بالنظر إلى مفاتن جسمها. كانت قدماها صغيرتين ناعمتين لا تحتملان هذا الإرهاق، و لكنها بسبب حاجتها كانت تنهمك في العمل و لا تبالي بأحد ، فتكتسب قدماها لونا ورديا و شكلا جميلا لا يوصف.
كان شعرها المرسل الغزير فوق رأسها كاللهب يحرق جيدها الأبيض و ينسدل على كتفيها. أما عيناها ، فبالرغم من نظراتها المستحيية الجميلة فقد كان فيهما شيء قوي جذاب يرتد عند البصر فيحاول أن يهرب منه و أن لا يهرب.
لقد ظن الجميع أنني استطعت أن أستمتع بمفاتنها ، و أخطؤوا. إذ لم تتكرم أسمرالدا حتى بمجرد النظر إلي. كانت قليلة الكلام كأولئك الذين تتجمع قوتهم في صمتهم.
في أحد الأيام ضبطتها تغازل أحد الشبان عند منتصف الليل . و أردت أن أعرف من هو ذلك المحظوظ ، و اتجهت نحوه بشكل لم أترك له مجالا للإفلات و قابلته وجها لوجه. كان أجير اللحام الذي في زاوية المنعطف. في العشرين من العمر فقيرا ، وسخا زفرا ، يحمل معه رائحة اللحم.
و اختفت أسمرالدا حين رأتني ، و لكنني قررت ضمنا أن أكتشف سر هذه المتعة الشاذة. و لا يخفى عليكم أنني أهوى دراسة نفسية النساء. و هذه الهواية تتملكني و لا أعرف لها سببا.
في اليوم التالي استدعيت أسمرالدا إلى غرفتي ، فجاءت مسرعة و هي تظن أنني سأطلب منها خدمة ، و أجبرتها على الجلوس فوق كرسي أمامي و اتخذت لنفسي مهمة المستنطق و استجوبتها كأنها مذنبة.
كانت تنظر إلي بغباء ، ثم أدركت أن لهذا التصرف علاقة بلقاء الأمس.
و لما انفردت بها قلت : يا ابنتي، لا أستطيع أن أطلب إليك أن تستلطفيني ، فالأذواق تختلف. و لكنني مدفوع بالفضول لمعرفة رأيك أنت ، أنت التي تملكين كل هذا الحسن ، كيف يروق لك أن تغازلي ذلك الشاب التافه ليلة أمس؟.
فأصغت إلي حتى انتهيت . و إذ بعلامات الرقة قد اختفت من وجهها و أجابتني بحزم و تأنيب :
حقا إنك رجل جشع ، مثال للغني الطماع الشره . ماذا يعنيك من أمري لتسألني عن تصرفاتي ؟ إن تفسيري لتصرفاتي مقتضب و لن تفهمه أنت و لكن تصرفاتي هي نور حياتي.
من أنت حتى تلاحق فتاة فقيرة مسكينة ؟ ألا تكفيك تلك الحبيبات التي أرى صورهن تملأ جدران غرفتك؟. تأتيك صاحبة الصورة ، فتدخل إلى غرفتك و هي لا تعرف من هي صاحبة الصورة الثانية. نساء غانيات من كل الطبقات و لا ينقصك منهن شيء. لقد واتاك الحظ لتستمتع بكل أنواع المتع ، و ذلك على حساب حرمان الآخرين. ألا يكفيك هذا؟..
هذا الشاب الوسخ الذي ينقل معه رائحة اللحم أينما ذهب إنما ينقل ما كتب عليه في لوح القدر من النحس و الشقاء......
.......................................
.......................................
كانت وجنتا أسمرالدا تزدادان احمرارا كلما استمرت في الكلام ، و عندما انتهت من كلامها قامت واقفة ، و في كلماتها الغاضبة و في حديثها الناقد تملك هيمنة غريبة ألجمت لساني . كانت تقف أمامي شامخة أبية ، كأنها تلقي محاضرة قيمة و كنت أنظر إلى صدرها الخافق أكثر من نظري إلى وجهها. و قد امتلأ قلبي باحترامها و حبها أكثر ، و وجدتني منكسرا أمام جبروتها؟. و خفضت رأسي ، و كمدني مخلص أحجمت عن مناقشتها و بصورة لا شعورية أردت الاقتراب منها : فدفعت يدي الممتدتين إليها بشدة كأنها تحاول التخلص من شيء قذر و خرجت هاربة.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |