لم يقولا أيّ شيءٍ

عندما سِيقا الى مقْصلة الذبحِ وحيدَيْن،

ولم يستلْفتا سمْعَ سماءٍ

صُمّمتْ عمدًا

لتشتيتِ انتباه الخلْق

عمّا ارتكبتْ أيديهما من هفواتٍ،

ولإعفاء الأناجيل من الإيغالِ

في تفنيد ما يُضفي على صمتهما

معنى الجساره

لم يقولا حينما سيقا الى مقصلة الذبحِ

وحيدين:

لماذا نحن من دون جميع الناسِ

مَن نُهدى لأعقاب المساميرِ

التي تودي بشخصينِ طريديْنِ الى حتْفٍ كهذا؟

ولماذا نحن مَن جاءت بنا الآياتُ

كي تجعلنا الرؤيا عزاءً

غير ذي جدوى

لِما عاناه في عزلتهِ طفلُ المغاره

لم يقولا مثلما قال:

لماذا يا إلهي أُتركُ الآن لجلاديّ

في عالمك الخاوي؟

بل اختارا ذهولًا كامل الإذعانِ

عمّا حُمّلا من لعنة الأقدار،

والتفّا على نفسيهما مثل محاره

أيّ جرمٍ جنَيا كي يُجعلا ندّيْن غُفْلينِ

لمن قُلّد في محنتهِ تاجًا من الشوك،

ومَن جُرّع كأسَ الخلّ صِرفًا،

قبل أن يُعلن، عريانَ ومنبوذًا،

على الموت انتصارَه

وهما ليسا سوى لصّينِ مجهولينِ

لا نعرف إسمًا لهما،

أو كنْيةً تستدرجُ المغزى

الى ما أَهدرا من حشرجاتٍ

لم تُعرها الأرضُ بالًا،

أهُما محضُ اختبارٍ عاطفيّ

لتلهّي العقل عن سَكْرتهِ؟

أم هما وجهان طبق الأصلِ عمّا يحفظُ التاريخُ

في أدراجهِ من فائض القتلى،

وما تتركُهُ في عهدة المجهولِ

أسماءُ الإشاره؟

لكأنّ الصُّدف العمياءَ جاءت بهما

من سُمّها المعسولِ

كي تتّحد الحكمةُ مع بُطلانها

عند اشتباك الخير بالشرّ،

ولكنْ ما الذي يربحهُ الطينُ

إذا اقتيدا الى قبريْهما غصبًا؟

بلا معجزةٍ للسير فوق الماء،

أو مأْثرةٍ تستدرج الخمرَ الى الافصاح عن معدنهِ

في عرس قانا،

وبلا أمْثولةٍ تكفي لجعل الحبّ

برهانًا على التوبةِ،

منقوعًا بدمع المجدليّات الذي أَعلنه الغفرانُ

رمزًا للطهاره

في احتفالٍ للتفاني ملحميّ،

حيث لا رجْع حدَاديًا

لمن لم تأخذ الأجراس ذكراهمْ على عاتقها،

ثَمّ لصّانِ شهيدانِ استعانت بهما

آلهةُ التنزيل،

كي تختار للمشهد ما يلزمهُ من تورياتٍ،

ويحيطا دون لأيٍ

بمسيح اللغةِ الممعنِ في التنقيب خلف العقْمِ

عن فصح العباره

ربما لم يوجَدا إلّا لحَرفِ الظنّ عن وجْهتهِ

في مرتقى الغيب،

وكي يزّيّن الوحيُ بكبْشينِ إضافيينِ

من أضْحية الإنسان في محنته القصوى،

وكي تُرفَد واقعةُ الصّلب بضلعيْن إضافيّينِ

لاستكمال ثالوث الإثاره

ربما لم يسرقا شيئًا

سوى نار الكناياتِ التي حرّرها

من قبضة العجز المرائي

شاعرانِ اثنانِ

سِيقا مثل لصّينِ الى جلجلة المعنى

التي تجعل من موتهما

محضَ استعاره.