عن عمليات "تبييض" سمعة موسكو
سميرة المسالمة
2020-08-01
تراهن شخصيات في المعارضة السورية على مستقبل المفاوضات مع النظام بناء على تسريبات إعلام روسيا، وما تتضمنه من تلميحاتٍ عن خلافات وانزياحات في موقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من الرئيس بشار الأسد، وضمناً نظامه وشبكة الفساد داخل منظومته الحاكمة. وفي وقتٍ لم يخرج أي موقف رسمي، يشير إلى تغير في تعاطي موسكو مع القضية السورية، ودعمها اللامحدود استعادة النظام سيطرته على كامل أطراف سورية التي تناثرت منه بين مناطق محرّرة تحت حكم محلي، أو مناطق محكومة من كيانات وتنظيمات بدعم دولي يقارب، في وضعه وحدود تمركزه، صفة الاحتلال المباشر، أي أننا أمام سياسةٍ روسيةٍ يمكن وصفها حتى اليوم بالثابتة تجاه متغيّرات متحرّكة، على عكس ما تحاول ترويجه الانتقادات المباشرة التي يجري تحميلها موقفا روسيا رسميا.
صحيحٌ أن بوتين، منذ بدء التدخل الروسي المباشر في سورية، لم يتعامل، في أي لقاء مع الأسد، على أن الأخير نظير له، لكن ذلك لم يخفّف، في أي وقت، حجم الدعم العسكري لعمليات النظام ضد الشعب السوري، وكذلك لم تتأخر موسكو في الدعم الدبلوماسي وحماية النظام من أي قرار دولي، ورفع سلاح حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارٍ ينال من حصة الأسد في سورية من عام 2011 وحتى 10 يوليو/ تموز الحالي، عندما رفضت قرارا لمجلس الأمن لإدخال المساعدات إلى سورية من معبرين حدوديين مع تركيا، بغرض قطع ما سمته المنظمة الدولية شريان الحياة لملايين السوريين. وجاء ذلك الرفض بعد مقالات مطولة تتحدّث عن ملل روسي من سياسات النظام ورغبة قوية في العملية الانتقالية، ما يجعل ما يكتب مجرّد دعاية "تببيض" أو"غسيل" سمعة روسيا بين أوساط سورية معارضة.
وفي الوقت نفسه، تلتزم روسيا الصمت المريب على ممارسات إسرائيل في سورية وضرباتها المتكرّرة، في حين لا تترك فرصةً للتنديد في أي تحرّك عسكري أو سياسي أو اقتصادي ضد النظام، من أي جهة محلية او إقليمية أو دولية، وضمن ذلك خبر الغارات الإسرائيلية الجوية، أو القصف الصاروخي، على مواقع عسكرية في سورية (كما حدث قبل أيام)، وعلى الرغم من أنه لم يعد خبراً استثنائيا، أو حدثا مفاجئا، علما أن ذلك لم يبدأ من الغارة على مركز البحوث العلمية في جمرايا (2013)، في ريف دمشق، إذ سبق ذلك تحليق جوي إسرائيلي فوق قصر الرئاسة (2003 و2006)، وقصف ما عرف بالمفاعل النووي السوري قرب دير الزور (سبتمبر/ أيلول 2007). ويبدو أن ذلك لن ينتهي مع الغارة التي شنتها إسرائيل على مواقع قرب القنيطرة يوم الجمعة الفائت، علما أن تلك الغارات، أو الضربات، ازدادت في الأعوام الثلاثة الماضية، بل باتت تتوالى أسبوعيا في العام الحالي.
أي أننا أمام الوجه الآخر لروسيا غير الموجود في المقالات التي تنتقد النظام بكل سلوكياته، وجديدها انتقادات حادّة لانتخابات مجلس الشعب التي تجري للمرة الثالثة بعد الثورة (2012، 2016، 2020)، على الرغم من عدم قدرة هذا المجلس أساساً على إحداث أي تغيير في حياة السوريين، تم تعيين أعضائه أم انتخبوا! أي أنها الدولة ذاتها التي تستمر بحماية النظام، وتصمت على كل الفرص التي يهدرها لإنقاذ سورية من براثن مأساة مجتمعية، ليس آخرها الفقر المدقع لأكثر من 85% من السكان، سواء بسبب الحرب التي يشنها دفاعاً عن بقائه في السلطة، أو بسبب نتائجها والعقوبات التي فرضت عليه بسبب ممارساته، وقمعه وتغييب معارضيه وتعذيبهم حتى الموت.
وهي (روسيا) أيضا التي تبرّر ضربات إسرائيل ضد النظام من جهة ثانية، من دون أن يكون للنظام السوري الموقف المناسب منها، والذي يتوافق مع ادعاءات محور المقاومة الذي يتقاسمه الأسد مع إيران، وربيبها حزب الله، ما يعني أن بوتين يرى في إسرائيل شريكا إقليميا، يحق له التدخل، ويُترك لها من خلال تلك الغارات والضربات المساحة لأن تقول إنها طرف فاعل في الصراع السوري، مثل الدولتين الإقليميتين الأخريين (تركيا وإيران)، بل ربما إنها معنية أكثر منهما، سيما أنها تحظى بعلاقات متميزة مع الطرف الدولي الآخر المتحكم في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة، في حين أن لكل من تركيا وإيران مشكلاتهما مع شركائهما أيضاً، سواء مع روسيا الشريكة لكل من إيران وتركيا، أو مع الولايات المتحدة.
لهذا، التعويل على الموقف الروسي من خلال بضعة مقالات ناقدة للنظام السوري وممارساته في إعلام روسيا لا يمكن إسقاطه على حقيقة ما تريده موسكو، من خلال وجودها في سورية، بالتوازي مع الوجود الإيراني. وبينما حوّلت موسكو هذا الحضور العسكري إلى مساحة لحضورها السياسي والدبلوماسي دولياً، فإنها، في الوقت نفسه، تركت سورية لتكون ساحة تصفية حسابات لإيران وأذرعها، سواء مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة، فلا هي تدخلت لوقف الضربات الإسرائيلية على أرضٍ تحميها منظومة الدفاعات الجوية الروسية، ولا هي أخذت مسافة أمان في علاقتها مع إيران وتداخل أدوارهما في سورية، ما يؤكد أن العلاقات الروسية البينية مع الدول لا تلتمس سياساتها من إعلامها، أو المحسوب عليها، كما لا يمكن الاعتماد على أنه ينقل لنا أسرار موقف روسيا من الأسد ونظامه وحقائق هذا الموقف.
واللافت أيضاً هو الصمت على تطورات الدور الذي يلعبه حزب الله الذي يشتغل ضمن منظومة الحرس الثوري الإيراني، وذراعا إقليمية لإيران، ويشتغل على جعل سورية ساحة له، من خلال جبهة الجولان التي استمرت في صمتها منذ عام 1973 برعاية روسية، ما يضع إشارات استفهام كبيرة تجاه ذلك الصمت الذي قد يفجر حربا فاصلة تنهي وجود إيران وأذرعها على الجبهتين، السورية واللبنانية، أهو صمت مدبّر مع الشريك الإقليمي لها إسرائيل لتحقيق غايات إسرائيلية في إبعاد إيران من المنطقة؟ أم هو رهان على الصمت لتحقيق مصالح تفرّدها في سورية، من دون أن تخسر توازن علاقتها مع إيران وأذرعها؟