مئة حياة وهذه واحدةٌ فقط / أولغا أولتشينكو
ألف
2020-11-21
صلاةُ الطفلِ
في الطفولة، يَرتبطُ بالله القلبُ الصغيرُ وليس العقل
تجثو تحتَ الأغطيةِ حتى لا يُلاحظَ أحدٌ وتهمس
يا رب لا تدعْ أبي يشرب اليومَ ولا أريدُه أنْ يَتشاجرَ مع أمي
الليالي مقمرةٌ ورائحةُ العشبِ المحترقِ تدخلُ من النافذة
يحرقُ الناسُ العشبَ الصيفيَ القديمَ للحفاظِ على نظافةِ ساحاتِهم بعدَ الشتاء
الطفلُ يجلسُ منتظراً، قربَ عيادةِ طبيبِ الأسنان
هل سيُؤلمني ضرسي؟
هل سيكونُ التخديرُ كافياً حتى لا أشعرَ بالألم
أم أنّني سأضُطر لأعصُرَ ملابسي
يقطرُ العرقُ من يدي، لكنْ فاتَ الأوانُ على المغادرة
يُسمعُ الصراخُ من الشارع، أعلى من صوتِ أجهزةِ حفْرِ الأسنان
أحدهُم ثَمِلَ مرةً أخرى
زجاجُ النافذةِ ينكسرُ مع القلب
وطوبةٌ أخرى تَطيرُ في ذاكرةِ الطفلِ مع ورقةٍ صفراءَ خريفيةٍ ملتصقةٍ بها
شكراً لله على الرحيل
يلمِّعُ الطبيبُ حشوةَ السن
ويبدأُ المخدّرُ بالانحسار، ثم يعودُ الألم
بعدَ يومين، يختفي كلُّ شيء
الأبُ الثملُ والغاضبُ
الضرسُ القديمُ هو نفسُه
لكنّه لا يُؤلمُ بعدَ الآن.
■ ■ ■
أنا رمل
أتسرَّبُ من بينِ أصابعِكَ فأنهارُ لأعودَ للرملِ
يُمكنُكَ أنْ تبنيَ قلعةً مني الآن، لكنَّ الموجةَ الأولى ستُدمّرُها
سأكونُ أقوى عندَما أختلطُ بالماءِ المالحِ الأزرق
حبيبي، ضعْ قبّعتكَ وإلّا ستؤذيكَ الشمسُ
يَزُمُّ الطفلُ شفتيه ويَعقدُ جبينَه لكنْ دونَ تجاعيد
تستيقظُ الأسئلةُ في رأسِه
فالطاعةُ العمياءِ لكبارِ السنِّ تتولَّى زمامِ الأمور
وفي رأسِه لا تتحرّكُ عقاربُ الساعةِ ولو خمسَ ثوان
فالطفلُ وَضَعَ القبعةَ على رأسِه
يقتربُ المساءُ وتبدأُ الريحُ تَهُبُّ من البحر
وفي مكانٍ ما على بعدِ عشَرةِ سنتيمتراتٍ حيثُ أطرافُ الموجةِ الأخيرةِ
يَتجسّدُ خيالُ الأطفالِ فيصيرُ واقعاً
ليس الطفلُ وَحدَهُ من يستطيعُ رؤيةَ قلعةٍ من مكعباتِ الرملِ على الشاطئ
أنا أستطيعُ ذلك أيضا
وعلى يساري يقعُ يومُ غدٍ وما بَعدَه
سأركضُ في الصباحِ سأتناولُ الخضارَ غيرَ اللذيذة
سأبتسمُ للناسِ بغضِ النظرِ عمّا يَحدث
أنظرُ إلى الجهةِ اليمنى
هنالك لوحةٌ بالتأكيد
منزلي وحصنُ أحلامي ووعودي الكثيرةُ بألّا أقولَ أكثرَ ممّا أُسأل
هنا إلى جانبِ البرج
لدي خطةٌ أيضاً لتحسينِ طريقتي بالحديث
قبلَ أنْ تتركَ الكلماتُ حصنَها الآمنَ في رأسي نحوَ هذا الفضاءِ المالح
الأفكارُ في دماغي إنّ قُدِّرَ لها أنْ تكونَ فيلماً فسيكونُ عن قصةِ انتحارٍ بطيء
أنا رمل
لدي مئةُ حياةٍ وهذِه واحدةٌ فقط
أنا سجينةٌ في حياةٍ تتسرّبُ من بينِ أصابعي
أنا قلعةُ رملٍ بناها طفلٌ على الشاطئ
تُغيِّرُ الأمواجُ شكلَها أو تُحوِّلُها إلى رملٍ فقط.
■ ■ ■
هل تستطيعُ سماعَ الصوت؟
الرجلُ العاديُ
يتكوَّنُ من الماءِ والكالسيوم في مئةٍ وخمسةٍ وسبعينَ سنتيمترا
يغفو على موسيقى البلوزِ المزاجية
ويستيقظُ على أفظعِ صوتٍ في العالم، الصمت
كلُّ شيءٍ هادئٌ جداً في منزلِه
لدرجةِ أنّ التنفّسَ البطيءَ ينتقلُ من غرفةٍ إلى أخرى بسرعةِ الضوء
ويتجنّبُ كلَّ عقبةٍ ويخترقُ الجدران
تُبرِّرُ عيشَكَ في غرفتِكَ الفقيرةِ بحبّكِ للبساطة
عالمُكَ عبارةٌ عن أريكةٍ صغيرةٍ زرقاءَ قابلةٍ للطي
وستائرَ مغلقةٍ بإحكامٍ تركَها صاحبُ شقتِك المستأجرة
وسجائرُ على طاولةِ القهوةِ الصغيرة
لا يجلبُ لك عملكُ الكثيرَ من الفرحِ
لدرجةِ أنّك عندَما تغسلُ ياقتكَ لتستخدمَها غدا
تستطيعُ أنْ تفكّرَ في حياةٍ موازيةٍ تتخيلُها في رأسِكَ تكفي لكتابةِ عشرِة مجلدات
أنت غيرُ سعيدٍ لدرجةِ أنك تحلمُ بيومِ آخر، يقعُ في قاعِ الزمن
لكنْ ما هي سعادتك؟
تنامُ ثلاثةَ أرباعِ اليوم؟ الجانبِ المشرقِ من اليوم
أم تذكرةُ اليانصيب؟
نعم ستسمحُ لك خمسونَ روبلاً بفعلِ لا شيء
أنت تعيشُ أحياناً فقط، لا دائما
يدكُ تحترقُ بنيرانِ القداحة
والعلاقاتِ والنكاتِ الغبيةِ والحليبِ الباردِ
والماءِ والكالسيوم
كل ذلك يُوصلكُ إلى القاع وربما لا.
* شاعرة ومستعربة روسية، وقد ترجمت بنفسها القصائد إلى العربية. حرّر الترجمة بشار النعيمي