ذكريات من والدي ج3
خاص ألف
2020-11-21
عندما قصف حينا السكني بعد إجتياح الكويت وفشل االنتفاضة، تركنا البيوت رفقة جمو ع من عوائل الجيران. منّا الراجلة ومنّا من نقلوه بسيارات الجيران. ُصنِفت من قِبل مدير األزمة حينها )أبو عدنان ويوسف وعلي وجواد( )هؤالء هم اوالده بترتي ب عُمري( ب وضعي بقائمة األكثر اولوية ل نقلهم بالسيارات حالي حال جميع األطفال والنساء. تم ت قسيمنا لمجاميع ينقلون بعض وتركهم بمكان ما ومن ثم العودة لمجموعة اخرى لنقلها. صادف أن ق اسفلتي على بعد مسافة من احد ن تُرابي جنب طري بمكا كانت المجموعة التي أنا فيها استقرت أخيراً ِلب منا عدم التحرك لوجود وحدة امريكية اتخذت من مباني متروكة قرب هذا جسور الطريق السريع وطُ المكان مقرا مؤقتا لها. ً وبينما نحن ُجلو س على صعيد التراب جنب الطريق رأيت فيما يرى الرائي سيارة قادمة تجاهنا في الطريق المتروك الخالي من حياة. كانت سيارة ابو عدنان )الكابرس( متجهة نحونا وحدها في الطريق. مخاطبا الجميع أن يسيروا باتجاه السيارة بخ ط مستقي م واحد وبسرعة. ً اوقف السيارة على األ سفلت وبدقيقة أو اثنتين امتألت السيارة بثالث اضعاف قدرتها المفترضة بعدد الركاب. مسرعا وهو يخبرنا أن ما حولنا حقل الغام ! ً استدار بالسيارة رجع لمحل استقرار بقية عوائل الجيران الذين صار الخيار األ مثل لهم بالبقاء تحت مقتربات جسر ن. ً كونكريتي ليكون اكثر امانا وسط شبح الموت المحيط بكل مكا كان هذا ما نصحت به احد نقاط السيطرة التابعة ل لجيش األمريكي التي اتخذت من نفس الجسر مقراً مؤقتا لها حيث ابلغ مترجم كويتي كان مرافق للمفرزة األمريكية )مساكين اولئك النسوة واألطفال، ً سيموتون فهم وسط حقل الغام(. وقع صوت المترجم على أبي عدنان صاعقة كتلك التي رأيناها عندما هشمت قذيفة حائط بيته العلوي لدى تجميعنا للفرار بحياة مخافة أن تروح. صاح بال وعي على المترجم الكويتي )ولك ذولة اهلي( وهو يركض رغم كبر سنه ليدير محرك سيارته وينطلق بها ُمسرعاً تجاهنا. )لم يكن أحداً من النسوة واألطفال بتلك البقعة الترابية من عائلة ابي عدنان(. ما هي اال ساعة وتفجر المكان بأكمله نيران تتصاعد وتراب يتطاير امام األنظار وقت الغروب. ربما كان تفجي ر ُمسيطر عليه من قبل األمريكان أو تف ّجر بع رض عارض. ساعة من الزمن وحركة خاطئة وربما أ طفال يركضون الهين ال عبين كانت كفيلة بأنهاء ما لم ينهه قصف نظام صدام بالمدافع والدبابات. أصر ابي على البقاء بالبيت وال يتركه لكنه أرادنا أن نهرب لنحيا. ال اعرف ماذا كان يدور بذهنه حينها فهو قد بنى هذا البيت بيديه بمساعدة أخيه األصغر )عمي( على فترات، فكلما زاد من رصيد المال ال ُمّدخر باشر في اكمال بناء جزء ا من أ جزاءه حتى قام للبيت قوامه. ً كان عمري عند انتقالنا لهذا البيت الجديد قرابة األ ربعين يوماً. عمري االن قارب األ ربعين سنة. الفرق بين ع ّداد األيام والسنوات حرب ثمان سنوات ، وقصف امريكي مدمر، وانتفاضة شعبية اعقبها قصف همجي أل حياء سكنية، وحصار اقتصادي بشع، وفقر اشد بشاعة، وعم ل في مذخر ادوية لتحميل صناديق األدوية مذ كنت في الثانية عشر من العمر وحتى أيام الجامعة، وقصف امريكي اخر خاطف مدمر، وايام دراسة أعدادية ممتعة، ومرحلة جامعية جميلة رغم كثرة المنغصات فيها، تلتها حرب سقوط يزيد فسادا ، ً وفُحشاً نظام حكم ظالم، ليقوم على اطالله نظام حكم فاسد بتقادم السنوات وتغير الحكومات وفوز العراق بكأس اسيا ، وتفجيرات وارهاب وميليشيات واحزاب سياسية كثيرة تتحالف وتتخالف وواقع خدمي بائس وباعث للقرف. من بين هذه وتلك ذكريات وصداقات ومواقف ومشاعر تبعث في الروح نشوة الفرح محل تقدي ر وشرف، ومشا ِهد وتغيرات وتقلبات ومواقف اخرى تبعث على القرف. ربما احس أبي أن البيت أحد أبناءه فت ركُهُ ام ر صعب والبقاء به وسط تلك الظروف أصعب ولكن جلداً عاصر قسوة المحن تتولد فيه جالدة المناعة وصالبة الصبر. ربما احس إحساس الكث يرين أن الوطن بي ت تسكنه معززاً مكرماً وليس الوطن نظاماً سياسياً مستغنياً عنك وال يكترث لك، وليس عل ماً وخريطة يرفعوها شعارات لنيل مكاسب مؤقتة ومغانم كثيرة، وليس أرضا تُهان فيها لمجرد عيشك فيها أو تكون فيها كرامتك موضع شك. ً البيت وطن تعيش فيه بحقك من تعبك وبراحتك وبكرامتك )وبطيبة خاطر( على عكس شعور الكثيرين أن الوطن )الخريطة ( مضيعة للحقوق ومحرقة للمشاعر و)كاس ر للخاطر( وماخور لل فساد وال سرقة. يجيء شارك والدي بجميع األنتخابات التي تلت سقوط نظام ظلم صدام كما شاركت أنا لعل إصالح وينقذ البلد من سوء ما فيه، ولكن ال يوجد نادم يندم على تضييع البلد وسوء ادارته وال محاسب يحاسب من ضيعوا وأسائوا. مؤقتا ولكن البيت لمن بناه بتعبه ً بالنسبة لنا نحن اال والد ساكني البيوت أن البيت محطة مستقرين بها الشديد وحرصه األشد هو كائن حي كشجرة تسقيها فتخ ّضر وتكبر وتستمتع بالنظر للبيت الذي رافقك حياة صعبة وحلو األيام ومرها بل وتحدث نفسك بشوق عنه ومعه حديث الخواطر واألحاسيس. الجدران فصول في كتاب الحياة، ومدخل البيت ربي ع تودعه في )داعة( هللا عند الخروج وتستقبله بحمد هللا عندما تعود مشتاقا رائحة الخبز الحار وغفوة الظهيرة. ً الل البيت والبيت و ق معك تراه البيت با وان ت تكبر في السن وتنظر لجدرانه شاخت معك. مبتسما لدى استقبالنا. ً لدى عودتنا بعد بضعة ايا م عند هدوء القصف وجدنا البيت بخير ووالدي بخير أتعرف شعور النصر بحر ب لم تخضها؟! شعو ر بنصر معنوي اننا وهو والبيت بخير وعشنا رغم ان خطة القصف هي قتلنا. أن تبقى على قيد الحياة في حر ب عليك هو نصر بحد ذاته. نحن معاشر االوالد نعرف بحق قيمة االب عندما نكون نحن اباءاً. الصبر على األبناء أطفاال وتربيتهم ورعايتهم والحرص عليهم والخوف عليهم وتحمل مشاغباتهم ومشاكلهم وازعاجهم ومرضهم وحاجاتهم وفرحهم وحزنهم والغضب الشديد والضحك الجميل والنجاح والفشل كلها مشاعر تتجسد واق ع ملموس بعدما كانت خياال وكالماً قبل ان نكون اباء. حدثني ابي ذات مرة انني ُولدت بحالة حرجة خطرة. وضعوني على اثرها بوحدة العناية المركزة أياماً. قال لي انه دعا هللا بخالص القلب وصفو الضمير دعاءاً لم يفصح عنه حتى كبرت. انه دعا هللا ببساطة القول ودون تعقيد الصياغات وتراكيب الكالم )ربي اخذ نص عمري وانطيها اله خله يعيش(. اتتصورون أن رحيماً ودوداً سيرد هكذا دعوة. أعطاني حياتي وحياته )وما ذلك على هللا بعزيز(.
08-أيار-2021
10-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
13-آذار-2021 | |
05-كانون الأول-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |