قطار من الحزن وقصائد أخرى
إنتصار الدنان
2020-12-05
قطارٌ من الحزن
أنا قطارٌ من الحزنِ
لا رصيفَ لي ينتظرُني،
يحملُ بيارقي الحُمرَ،
وينتظرُ الرّيحَ
وعويلَ الأمطار.
عبّأوا أهلي بصناديقَ ملأى
بأساطيرَ من العبوديّة،
رصّوهم فوق بعضِهم
في محطّةِ التّاريخ
كالسّردين، كالدّجاجِ، كالنّعاج.
همّشتنا النّشراتُ الإخباريّة.
رحّلونا، وتحوّلْتُ إلى قيثارةٍ
تعزِفُ لحنَ الحرّيّة.
صِرْتُ كالفجرِ،
أشرقُ من بين أنيابِ العبوديّة،
كالسّحبِ أهطلُ
من بين الغيومِ الرّماديّةِ.
أنا الأسيرة الفلسطينيّة،
أطلعُ من بين العُشبِ
من الخرابِ،
من بين الأشواكِ البرّيّة،
أطلعُ من رائحةِ التّراب،
ومن الزّنازين،
لأسجّلَ اِسمي
في حدائقَ التّاريخِ المخفيّة.
كلمات
حين تحادثني
يهتزُّ جسدي طربًا،
أتهادى على نُسيماتٍ رقراقة.
حين تُحادثُني
أشعرُ بدبيبِ حياة،
أصيرُ كطفلٍ يحلُمُ بأنّه يمشي على الغيم.
حينَ تُحادثُني
يمتزجُ لُعابي بأريجِ الزّهر
وأترنّمُ طربًا،
كأقحوانةٍ هزّتها نشوة الرّبيع،
أترنّحُ كالسّكارى بين يديْك
يغمرُني دفء آذار،
يحفّني بعبقِ الرّياحين،
فأنتشي ملْءَ بصري وسمعي.
حين تُحادثني
تسافر بي الكلمات نحو الشّمس
تفتّشُ عن حروفٍ
أكتُبُها لك.
نبض
كرشح الثّلج،
كنثر الفضّة،
كغيمات المساء
يحوّلني حبّك
إلى قطراتٍ،
تزيّن الوريقات الخضر
المتلألئة عند الفجر
برذاذها،
وينفض عنّي اللّيلُ
أجنحتَه السّوداء،
ويحطّ على غصني
عُصفورٌ بليلُ الرّيش
يحضنُ ربيعي
ويرسمُ صباحاتي الملوّنة
بعطرِ نيْسانك،
وتجري الحياة في شراييني،
كالغزال الشّرود،
يطربه ندى الفجر،
فتناديه الحقولُ الزّاهية
فيعدو،
ويلامسُ حدودَ السّماء،
وتتضاربُ دقّاتً قلبي،
ويضجُّ الصّراخُ
داخلي،
ويرفرفُ كحفيفِ الأوراقِ
مع ابتسامِ الفجرِ
واستيقاظِ الصّباح،
ووتوتةِ العصافير.
رفّة عطر
بكامل أنوثتي انتظرْت قدومَك،
وعريّتُ جسدي من زينته،
وقدّمْتُ لك حبّي على صوتِ الرّعِد،
ونغماتِ المطر،
وحفّتني الرّيحُ بأجنحتها،
وتمايلْتُ كزهرةٍ برّيّة تنتظر،
قدومَ المطر،
وجعلتني كلماتُك سحابةً
تتهادى فوق موجاتِ العمر،
تلفحُني برذاذها الفضّي،
ويناديني بريقُ عينيْك،
لأشتمَ رائحةَ عطرك،
تغلغل حبُّك بين أنفاسي،
وانسدل جفناي بعد سهاد طويل،
وهمت بعالم الأحلام والصور،
فهبط طيفُك على غفوتي
وانسلّ إلى جسدي ليستريح
من عناء السّفر،
فرفرفَ قلبي، واحتضن قلبك،
وتسلّق جدران الهوى،
وتناغمَ العطرُ مع الماءِ،
وخرج غزيرًا من بين شقوق الصّخر،
فطرت بين الحقول،
كعُصفورةٍ بريشها البرّيّ
تبحث عن رائحة البنفسج والحجر،
وتفتح جناحيْها كنسيمٍ ناعم،
كحفيفِ شجر،
فنفضْت الصّيفَ عن جسدي،
وانهمرَ المطر،
وارتوى البنفسجُ،
وضحك الشّجر،
وعربشَ الوردُ البرّيُّ،
على أناملي،
وعادت روحي إليك،
وبين جفنيْك كان السّمرُ.
(فلسطين)