مشهدٌ طارئٌ في متحف
الأعرجُ الذي يرافقُ امرأةً بعيونٍ زرقاء
في متحفِ الفنّ المعاصر
شغلكَ أكثر من لوحات فان غوخ
المعلّقة بسحرها الوحشيّ منذ القرن التاسع عشر!
رحتَ تتأمل مشيتهما الحميمة
وتبحثُ في حبٍّ غيرِ متكافئ جسديًا
عن لغزٍ عاطفيٍ مُحتمل...
أوقعَ بها دون نزهاتٍ طويلة
ومطارداتٍ شقيّةٍ قرب النهرَ
... ومن دون رقص!
ربما استدرجها الثراءُ الآسرُ
الذي يرقّقُ القلوب
مثل كراتِ العجين في يدي الخبّاز
أو لجرحٍ عميقٍ خلّفته عاطفةٌ سابقة
فاختارت رجلًا ضعيفًا
تأمنُ يومًا خيانته
وتتقي شرورَ المُحبين المباغتة!
لن يهدّدها بالوحدة يومًا
لن يهجرها... بل سيبقى عالقًا،
في حالة دهشةٍ دائمة!
وسيمنحها سببًا وجيهًا
لإحساس القديسين الخالص بالتضحية
وسيمنحها إن شاءت
ذريعة سائغة
لممارسة متعتها الأبديّة بالتذمّر!
***
لكنكَ لن تُحيل الأمر إلى معادلات
الحُبّ الطبيعيّ المُتبادل...
ربما عليكَ الإقرار يومًا
أنّ "مُعاقًا" بقميصٍ أسود
وألقٍ حقيقيٍ خافت
يمكن أن يملكَ ما تحلمُ به
دون شريكٍ أو مُنازع!
دَعَساتٌ في شارعٍ ضيّق
البلدُ الذي تضاءل مثل غيمة صيف
سيتناثر عمّا قريب
مخلّفًا بقعًا صغيرة على الخارطة!
ستعضّ أطرافه بأسنانك مليًّا
بأظافركَ النابية
وتشدّه إلى عظام القفص الصدري
علّه يتسع لرقصةٍ جماعيّةٍ
لمشوارٍ صباحيٍ بحثًا عن الأوكسجين
أو لسباقٍ رياضيٍ مُرتَجل
وعلّه يكفي لدرس سياقة
لدعسة بنزين جريئة...
أو لزيارة جبليّة في ربيع قادم
البلدُ الذي سيتلاشى من تحت قدميك
كحفنة تراب في الهواء
ستزرعه بأشجار زيتون جديدة
وبَتَلاتِ لوز وخرّوب
لتذهب في التراب عميقًا!
لكن لن تجد اسمه في القواميس
ولا في دليل السفر
ستجده في سجلّات قديمة
صورًا على الحائط
بأسماء ورموز لا يتداولها أحد
***
البلدُ الذي تحفظ صفاته
كسِمَات الجلالة
وتعرف حتى طُرُقُه الترابيّة
ويبدو أليفًا لكَ مثل وجه أطفالك
سيتبدّد مثل غبارٍ صامت
أو سيراوح بالأحرى مكانه
ليظهر لك بتضاريس غريبة
رُسِمتْ مسبقًا
بأيدٍ خفيّة
على شاشةٍ في مكتبٍ بعيد!
الأمّ الراحلة
الرّفوةُ في ساقِ بنطالي القديم
بقيتْ إرثًا حيًّا
ليديكِ الماهرتين
بخياطة التمزّقات الصغيرة
التي غالبًا ما تفاجئنا في الملابس التي نحبّ!
كنتِ جالسةً أمام نافذةٍ مُشرَعة
على هواءٍ أليف... يأتي من بحرٍ لم يعد لنا
تمرّرين الخيطَ في ثقب الإبرة
بيدٍ خفيفةٍ ترتعش
وتتحدثين بصوتٍ متعب
تسمَعُه مرّةً
فيسكن الجسد إلى الأبد
كم استغرقتُ في النظرِ إليكِ
بأنفاسٍ طويلة
وبعينين واسعتين
تعانقان الوقت...
الذي كان يأتي وقعُ خُطاه
من ساعةِ الحائطِ القديمة
ولم يكن هذا كافيًا
ومرّ مثل أيّ وقتٍ مضى
وحتى بسرعة أكبر!
***
الرّفوةُ في البنطال القديم
ظلّت مثل توقيعٍ شخصيٍّ
من خيوطٍ بيضاء
تتعانق في ما بينها...
ومثل ذكرى قديمة
تنبضُ في قماشٍ مهترئ
مطوّيٍ بعناية
على رفّ الخزانةِ البعيد عن متناول اليد!
(باريس)
قصائد من ديوان سيُنشر قريبًا.