السعي سعادةً" أو "لذّة المطاردة _ ت سارة حبيب
2021-02-20
في تلك السنة، كنا قد خططنا أن نذهب لصيد سمك المارلين في الشاطئ الكوبي على مدى شهر. بدأ ذلك الشهر في العاشر من نيسان/ أبريل وبحلول العاشر من أيار/ مايو كنّا قد اصطدنا خمسًا وعشرين سمكة مارلين وانتهت مدة إيجار القارب. الشيء التالي الذي توجب فعله كان شراء بعض الهدايا لنأخذها معنا إلى كي ويست وتعبئة قارب الأنيتا بأكثر مما نحتاج من الغاز الكوبي الغالي الثمن اللازم للمطاردة والعودة إلى الشاطئ، ثم الرجوع إلى بيوتنا. لكن السمكة الكبيرة لم تكن قد ظهرت بعد.
"هل تريد أن تجرّبها لشهر آخر، كابتن؟" سأل السيد جوزي. كان يملك قارب الأنيتا ويؤجره مقابل عشرة دولارات في اليوم. كان سعر الإيجار المتعارف عليه في ذلك الوقت خمسة وثلاثين دولارًا في اليوم. "إذا أردتَ الاستمرار، أستطيع أن أخفّض الإيجار إلى تسعة دولارات".
"من أين ستحصل على الدولارات التسعة؟"
"ادفع لي أنت عندما تحصل عليها. أنت تتمتع بسمعة جيدة عند شركة ستاندرد أويل في بيلوت عبر الخليج، وعندما تستلم الفاتورة أستطيع أن أدفعها من أجور الشهر الماضي. وإذا ساء الطقس هنا، تستطيع أن تكتب شيئًا".
"حسنٌ"، قلت له، وتابعنا الصيد لشهر آخر. مع انتهاء الشهر، كنا قد حصلنا على اثنتين وأربعين سمكة مارلين، وكانت السمكات الكبيرة لا تزال غائبة. كان هنالك تيار قوي وعميق قريبًا من المورو - أحيانًا كانت تتوفر كميات كبيرة من الطعوم- وكان هنالك سمك طائر يتقافز قرب مقدمة السفينة وطيور تحوم طوال الوقت. لكننا لم نستطع انتشال أي سمكة مارلين ضخمة، على الرغم من أننا كنا نصطاد، أو نفقد، سمكة مارلين بيضاء كل يوم، وفي أحد الأيام اصطدتُ خمسا.
كنا نتمتع بشعبية كبيرة على طول الساحل لأننا كنا نقطّع كل السمك الذي نصطاده ونقوم بتوزيعه. وعندما كنا نقترب من قلعة المورو ونبلغ أعلى القناة باتجاه مرفأ سان فرانسيسكو ومعنا سمك المارلين كنا نستطيع رؤية الحشد وهو يبدأ بالركض نحو الأرصفة البحرية. كان سعر السمكة الواحدة تلك السنة يتراوح بين ثمانية إلى اثني عشر سنتًا للباوند الواحد بالنسبة إلى الصياد وضعفي ذلك السعر في السوق. وفي اليوم الذي كنا نأتي به بخمس سمكات، كان على الشرطة أن تنقضّ على الحشد بالهراوات. كان ذلك سيئًا وكريهًا. لكنها كانت سنة سيئة وكريهة على الشاطئ أيضًا.
"رجال الشرطة اللعينون يطردون زبائننا المعتادين ويحصلون على السمك كلّه"، قال السيد جوزي لرجل شرطة كان يحاول الوصول إلى قطعة مارلين تزن عشرة باوندات. "اذهب إلى الجحيم، لم أرَ وجهك القبيح من قبل. ما اسمك؟"
أعطاه الشرطي اسمه.
"هل هو في قائمة الوعود، كابتن؟"
"كلا"
قائمة الوعود هي كراسة نكتب فيها أسماء الأشخاص الذين وعدناهم بالسمك.
"سجّلْ اسمه في القائمة ليحصل على قطعة صغيرة في الأسبوع القادم، كابتن"، قال السيد جوزي. "والآن أيها الشرطي، اذهب من هنا بحق الجحيم واضرب بهراوتك شخصًا ليس من أصدقائنا. لقد رأيتُ ما يكفي من الشرطة اللعينة في حياتي. اذهب. خذ هراوتك ومسدسك وانزل عن الرصيف ما لم تكن شرطيّ رصيفٍ بحري".
في آخر الأمر، كان السمك كلّه قد قُطِّع ووزِّع وفقًا للقائمة وكانت القائمة ممتلئة بالوعود للأسبوع التالي.
"اذهب أنتَ إلى فندق آمبوس موندوس واغتسل، كابتن. خذ دُشًّا وسأقابلك هناك. وبعدها يمكن أن نذهب إلى حانة الفلوريديتا ونناقش الأمور. لقد أثار ذلك الشرطي أعصابي".
"تعال معي إلى الفندق وخذ دشًّا أنت أيضًا".
"كلا، أستطيع أن أغتسل جيدًا هنا. لم أتعرّق مثلك اليوم".
وهكذا مشيتُ عبر الشارع المرصوف الذي كان يشكّل طريقًا مختصرًا إلى فندق آمبوس موندوس وسألتُ في مكتب الاستقبال إن كان وصلني أي بريد ثم ركبتُ المصعد إلى الطابق العلوي. كانت غرفتي في الزاوية الشمالية الشرقية والرياح التجارية تهب عبر النوافذ وتجعل الغرفة رطبة. نظرتُ عبر النافذة إلى أسطح بيوت الجزء القديم من البلدة وعبر الميناء. وراقبتُ مدينة أوريزابا تهمد ببطء أسفل الميناء وجميع أضوائها مُنارة. كنتُ متعبًا من تجهيز الكثير من السمك وأحسستُ برغبة في الذهاب إلى السرير. لكني عرفتُ أني سأغفو إذا استلقيت، ولهذا جلستُ على طرف السرير ونظرت عبر النافذة وراقبت الخفافيش وهي تصطاد، ومن ثم، في آخر الأمر، خلعت ملابسي وأخذت دشًّا وارتديت بعض الثياب النظيفة ونزلت إلى الأسفل. كان السيد جوزي ينتظرني عند مدخل الفندق.
"لا بدّ أنك متعب، إرنست"، قال لي.
"كلا"، كذبت.
"أنا متعب"، قال. "متعبٌ من مجرد مراقبتك وأنت تسحبَ السمك. العدد هذه المرة أقل باثنتين فقط من رقمنا القياسي. سبعا وعين الثامنة". لم يكن أيّ منا، أنا أو السيد جوزي، يحب أن يفكر بعين السمكة الثامنة، لكننا كنا دائمًا نعلن الرقم القياسي بهذه الطريقة.
كنا نمشي على الرصيف الضيق في شارع أوبيسبو وكان السيد جوزي يتأمل نوافذ المتاجر المضاءة. لم يكن يشتري أي شيء قط قبل أن يحين وقت الذهاب للمنزل. لكن كان يحبّ أن ينظر إلى الأشياء المعروضة للبيع. تجاوزنا آخر متجرين ومركز بيع بطاقات اليانصيب ودفعنا الباب الدوّار لحانة الفلوريديتا القديمة.
"من الأفضل أن تجلس، كابتن"، قال السيد جوزي.
"كلا. أفضّل الوقوف عند البار".
"بيرة"، قال السيد جوزي. "بيرة ألمانية. وأنت ماذا تشرب، كابتن؟"
" كوكتيل دايكيري مثلّج من دون سكر".
حضّر كونستانتي الدايكيري وترك في الخلّاط ما يكفي لكأسين إضافيين. كنت أنتظرُ أن يتطرّق السيد جوزي إلى الموضوع. وقد تطرّق إليه حال وصول البيرة التي طلبها.
"يقول كارلوس إنهم لا بدّ أن يأتوا خلال الشهر القادم"، قال السيد جوزي. كارلوس هو مساعدنا الكوبي، وقد كان صيادًا عظيمًا، يصطاد المارلين بكميات كبيرة للبيع. "يقول إنه لم ير قط مثل هذا التيار وإن السمك حين يأتي، سيكون شيئًا لا مثيل له. يقول إنه لا بدّ أن يأتي".
"أخبرَني بذلك أيضًا".
"إذا أردت أن تجرّب لشهر آخر، كابتن، أستطيع أن أجعل الأجرة ثمانية دولارات في اليوم وأستطيع أن أطبخ، بدلًا من تبذير المال على شراء الساندويشات. نستطيع أن نمرّ بالخليج عند الغداء وسأطبخ هناك. نحن نحصل على سمك البونيتو المخطط بشكل متموج طوال الوقت. وهي جيدة بقدر سمك التونا الصغير. يقول كارلوس إنه يستطيع أن يحصل لنا على أشياء رخيصة من السوق عندما يذهب لإحضار الطعوم. عندها نستطيع تناول العشاء في مطعم بيرلا في سان فرانسيسكو. تناولتُ طعامًا طيبًا هناك الليلة الماضية مقابل خمسة وثلاثين سنتًا".
"لم آكل الليلة الماضية ووفرتُ النقود".
"عليك أن تأكل، كابتن. ربما لهذا السبب تبدو متعبًا قليلًا اليوم".
"أعرف هذا. لكن هل أنت واثق أنك تريد تجربة شهر آخر؟"
"قد لا تُضطر المارلين للخروج قبل شهر آخر. لماذا نتوقف الآن إن كانت السمكات الكبيرات قادمة؟"
"أليس لديك شيء آخر تفضّل فعله؟"
"لا. وأنت؟"
"هل تعتقد أنها ستأتي حقًا؟"
"يقول كارلوس إنها لا بدّ أن تأتي".
"افترض إذًا أننا أمسكنا بواحدة ولم نستطع أن نتدبر أمرها بالمعدات التي لدينا".
"علينا أن نتدبر أمرها. تستطيع أن تصمد معها إلى الأبد إذا أكلتَ جيدًا. وسوف نأكل جيدًا. ثم أني كنت أفكر في أمرٍ آخر".
"ما هو؟"
"إذا ذهبتَ إلى الفراش مبكرًا وتخلّيتَ عن أيّ حياة اجتماعية، يمكنك أن تستيقظ عند الفجر وتبدأ بالكتابة وتستطيع أن تنهي عمل يومكَ بحلول الساعة الثامنة. أنا وكارلوس سنجهز كل شيء للذهاب للصيد ولن يكون عليك إلا أن تصعد على متن القارب".
"حسنٌ،" قلت. "لا حياة اجتماعية".
"الحياة الاجتماعية هي ما ينهكك، كابتن. لكني لا أعني لا حياة اجتماعية على الإطلاق. لتكن لك حياة اجتماعية في ليالي السبت فقط".
"حسنٌ،" قلت. "حياة اجتماعية في ليالي السبت فقط. والآن ماذا تقترح أن أكتب؟".
"هذا يعود لك، كابتن. لا أريد أن أتدخل في ذلك. دائمًا كنت تبلي حسنًا عندما تكتب".
"ماذا تحب أن تقرأ؟"
"لماذا لا تكتب قصصًا قصيرة جيدة عن أوروبا أو الغرب أو عنك عندما كنتَ متشردًا أو عن الحرب أو هذا النوع من الأشياء؟ لماذا لا تكتب قصة عن الأشياء التي نعرفها أنا وأنت فقط؟ أكتب قصة عن الأحداث التي شهدها الأنيتا. وتستطيع أن تضيف إليها ما يكفي من الحياة الاجتماعية بحيث تجعلها تروق للجميع".
"أنا أقلع عن الحياة الاجتماعية".
"بالطبع، كابتن. لكن لديك الكثير لتتذكره. الإقلاع لن يضرّك الآن".
"كلا،" قلت. "شكرًا جدًا لك سيد جوزي. سوف أبدأ بالعمل عند الصباح".
"ما يجب أن نقوم به قبل البدء بالنظام الجديد هو أن نجعلك الآن تأكل شريحة لحم كبيرة متوسطة النضج حتى تكون قويًا في الغد وتستيقظ راغبًا في العمل ومستعدًا للصيد. يقول كارلوس إن السمكات الكبيرة قد تأتي في أي وقت بدءًا من اليوم. كابتن، عليك أن تكون في أفضل أحوالك لأجلها".
"هل تعتقد أن كأسًا آخر من هذا سيسبب لي أي ضرر؟"
"بالطبع لا، كابتن. كل ما تحويه هو مشروب الرُّم وقليل من عصير الليمون والكرز المخمر(الماراشينو). لا يمكن لذلك أن يؤذي أحدًا".
في تلك اللحظة، دخلت فتاتان نعرفهما إلى البار. كانتا جميلتين للغاية ومتأنقتين لأجل الأمسية.
"الصيادان"، قالت إحداهما بالإسبانية.
"الصيادان الضخمان المعافيان القادمان من البحر"، قالت الفتاة الأخرى.
"ل. ح. ا"، قال السيد جوزي لي.
"لا حياة اجتماعية"، أكدت كلامه.
"هل تخفيان أسرارًا؟"، سألت واحدة من الفتاتين. كانت جميلة إلى حد كبير وبالنظر إليها جانبيًا، لا يمكن ملاحظة العيب الطفيف حيث أفسدت اليد اليمنى لصديق قديم نقاوة خط أنفها الجميل إلى حد ما.
"أنا والكابتن نتحدث في أمور العمل"، قال السيد جوزي للفتاتين، فتراجعتا إلى الطرف البعيد من البار. "هل رأيتَ كم كان الأمر سهلًا؟"، سألني السيد جوزي. "سأتولى أنا مسألة وضع الحد الاجتماعي وكل ما عليك فعله هو أن تستيقظ في الصباح الباكر وتكتب وتكون في حالة جيدة لاصطياد السمك. السمك الكبير. النوع الذي قد يتجاوز وزنه ألف باوند".
"ما رأيك لو نتبادل الأدوار؟"، قلت له. "سأتولى أنا مسألة وضع الحد الاجتماعي وأنت استيقظ باكرًا في الصباح واكتب وكن في حالة جيدة لاصطياد السمك الكبير الذي قد يتجاوز وزنه ألف باوند".
"سيسرّني ذلك، كابتن"، قال السيد جوزي بجدية. "لكنك الوحيد بيننا الذي يستطيع الكتابة. كما أنك أصغر سنًا مني وأقدر على التعامل مع السمك. سأُدخل القارب في الماء بقدر ما يحتمل المحرك، وأديره كما أفعل عادة".
"أعرف هذا"، قلت. "وأنا سأحاول أن أكتب بشكل جيد، أيضًا".
"أريد أن أظلّ فخورًا بك"، قال السيد جوزي. "وأريد أن نلتقط أكبر سمكة مارلين لعينة سبحت يومًا في المحيط، وأن نزنها بأمانة ونقطّعها ونهبها للناس الفقراء الذين نعرفهم، ولا نعطي أي قطعة منها لأي شرطي لعين يحمل هراوة في هذا البلد".
"سوف نفعل هذا".
في تلك اللحظة، لوّحت لنا واحدة من الفتاتين من الطرف البعيد للبار. كانت ليلة هادئة ولم يكن هنالك غيرنا في المكان.
"ل. ح. ا"، قال السيد جوزي.
"ل. ح. ا"، كررتُ بطريقة طقسية.
"كونستانتي"، قال السيد جوزي. "إرنستو يريد نادلًا. سوف نطلب شريحتي لحم كبيرتين متوسطتي النضج".
ابتسمَ كونستانتي وأشار بإصبعه للنادل.
بينما كنا نمرّ بالفتاتين في طريقنا إلى غرفة الطعام، مدت واحدة منهما يدها إليّ فصافحتها وهمستُ برصانة بالإسبانية: "ل. ح. ا".
"يا إلهي"، قالت الفتاة الأخرى. "إنهما يعملان في السياسة وفي سنة مثل هذه". كانتا متأثرتين وخائفتين قليلًا.
في الصباح، عندما أيقظني أول شعاع ضوء فوق الخليج، نهضتُ وبدأت بكتابة قصة قصيرة أملتُ أن يحبها السيد جوزي. كانت تضم الأنيتا والساحل والأشياء التي نعرف أنها حدثت، وقد حاولتُ أن أضع فيها مشاعر البحر والأشياء التي رأيناها وشممناها وسمعناها وأحسسنا بها كلّ يوم. كنت أعمل على القصة كل صباح وفي النهار نقوم بالصيد، وقد حصلنا على سمك جيد. تدربت بجدّ والتقطتُ السمك كلّه بينما كنت واقفًا، بدلًا من الجلوس في كرسي. وما زالت السمكة الكبيرة غائبة.
في أحد الأيام، شاهدنا أحدهم يجرّ زورق صيد تجاري، والماء قد غمر مقدمته، وسمكة المارلين تحدث طرطشة مع كل مرة تقفز بها كتلك التي يحدثها زورق سريع. ذلك الزورق تحطم. في يوم آخر، في أثناء عاصفة مطرية، رأينا أربعة رجال يحاولون أن يرفعوا إلى زورق صغير سمكة مارلين عريضة ذات لون أرجواني غامق. كانت تزن خمسمائة باوند وقد رأيت شرائح اللحم الكبيرة التي قُطعت منها على البلاط الرخامي في السوق القديمة.
ثم، في يوم مشمس، والتيار قوي وعميق، والماء صافٍ جدًا ورائق لدرجة أنه يمكن رؤية أسراب السمك عند مدخل الميناء حتى عمق عشر قامات، حصلنا على سمكتنا الكبيرة الأولى تمامًا عند المورو. في تلك الأيام، لم يكن هنالك أذرع امتداد ولا حوامل صنارات، وكنت أهمّ بإخراج معدات ضوئية، آملًا أن ألتقط سمكة من نوع الكنعد في القناة، عندما جاءت السمكة الكبيرة. خرجتْ مع موجة وبدا منقارها شبيهًا بعصا بلياردو منشورة. وخلف المنقار ظهر رأسها كبيرًا وعريضًا مثل زورق. مرّت السمكة بنا مسرعة، وكان خيط الصنارة يحزّ جانب القارب والبكرة تفرغ بسرعة كبيرة لدرجة أنها أصبحت ساخنة الملمس. كان هنالك أربعمائة ياردة من خيط بخمس عشرة لفة حول البكرة، وكان نصفه قد ذهب في الوقت الذي وصلتُ فيه إلى مقدمة الأنيتا.
وصلتُ إلى هناك بالتشبث بالمقابض التي ركبّناها في أعلى القارب. كنا قد تدربنا على هذا الجري والتدافع فوق السطح الأمامي إلى حيث يمكننا أن نستند على جسم القارب بأقدامنا. لكننا لم نتدرب على ذلك قط مع سمكة تمرّ بنا مرور مترو أنفاق سريع في محطة محلية، ويدٍ واحدة تمسك بالصنارة التي كانت تتقافز وتحفر في المسند الذي يرتكز عليه عقبها، واليد الأخرى وكلا القدمين العاريتين تتشبثان بسطح القارب بينما السمكة تجرّنا إلى الأمام.
"اشبكها بالخطاف، جوزي!"، صرخت. "إنها تحتاج إلى كامل الخطاف".
"لقد علقتْ بالخطاف، كابتن. ها هي ذي".
في هذا الوقت، كانت إحدى قدميّ مستندة إلى مقدمة الأنيتا والأخرى على مرساة الميمنة. كان كارلوس يمسك بي من الخصر وأمامنا السمكة تقفز، وتبدو، حين تقفز، كبيرة جدًا مثل برميل من النبيذ. كانت تلمع فضية في ضوء الشمس الساطع وكنت أستطيع أن أرى الخطوط الأرجوانية العريضة على كلّ من جانبيها. وفي كل مرة تقفز فيها، كانت تحدث طرطشة مثل حصان يسقط من فوق جرف وقد كانت تقفز وتقفز وتقفز. كانت البكرة ساخنة لدرجة يصعب الإمساك بها ولبّ الخيط الملفوف عليها يصبح أنحل وأنحل على الرغم من أن الأنيتا كانت ينطلق بكامل سرعته خلف السمكة.
"هل تستطيع أن تُخرج المزيد منها؟" صرختُ بالسيد جوزي.
"مستحيل"، قال. "ماذا بقي لديك؟"
"قليل جدًا".
"إنها كبيرة"، قال كارلوس. "أكبر سمكة مارلين شاهدتها في حياتي. فقط لو أنها تتوقف عن الحركة. فقط لو أنها تنزل. كنا عندها سننقض عليها ونلتقط الخيط".
أتمت السمكة دورتها الأولى من قرب قلعة المورو إلى قبالة الفندق الوطني. وهي تقريبًا ذات الطريق التي سلكناها. ثم، بأقل من عشرين ياردة من خيط الصنارة على البكرة، توقفتْ وانقضضنا عليها، مستعيدين الخيط باستمرار. أتذكر أنه كانت هنالك سفينة "غراس لاين" أمامنا وزورق مرشدين أسود يتجه إليها وخشيتُ من أننا قد نكون في طريقها وهي تقترب. وأتذكر أنني رحت أراقبها وهي تزيد من سرعتها بينما ألفُّ البكرة وأعود إلى مؤخرة القارب. كانت تبتعد عنّا وكذلك كان قارب المرشدين.
كنت حينها جالسًا في الكرسيّ والسمكة تتجه باستقامة للأعلى والأسفل وثلث الخيط قد صار على البكرة. سكب كارلوس بعضًا من ماء البحر على البكرة لتبريدها وسكب دلوًا من الماء فوق رأسي وأكتافي.
"كيف حالك كابتن؟" سأل السيد جوزي.
"بخير".
"هل آذيت نفسكَ عندما كنتَ في مقدمة القارب؟"
"كلا".
"هل اعتقدتَ يومًا بوجود مثل هذه السمكة؟"
"كلا".
"ضخمة. ضخمة"، ظلّ كارلوس يردد بالإسبانية. كان يرتعش مثل كلب صيد، كلب صيد جيد. "لم أرَ مثل هذه السمكة في حياتي. أبدًا. أبدًا. أبدًا".
لم نر السمكة بعد ذلك لساعة وعشرين دقيقة. كان التيار قويًا جدًا وقد حملَنا إلى قبالة كوجيمار، التي كانت على بعد ستة أميال من مكان ظهور السمكة الأول. كنتُ متعبًا لكن يديّ وقدميّ كانت في حالة جيدة وكنت أسحب الخيط بثبات، حريصًا ألا أسحبه بعنف أبدًا وألا أتأرجح. استطعتُ عندها أن أحرّك السمكة. لم يكن الأمر سهلًا. لكنه كان ممكنًا إذا أبقينا الخيط في وضع يحول دون انقطاعه.
"سوف تصعد"، قال كارلوس. "أحيانًا يفعل السمك الكبير ذلك وتستطيع أن تخدعه طالما بقي غافلًا".
"لماذا تصعد الآن؟" سألت.
"إنها مرتبكة"، قال كارلوس. "وأنت تقودها. إنها لا تعرف ما الذي يحدث".
"لا تجعلها تعرف أبدًا"، قلت.
"سيكون وزنها أكثر من تسعمائة باوند"، قال كارلوس.
"لا تتحدث عنها بهذه الطريقة"، قال السيد جوزي. "فأنت لا تريد أن تثيرها، كابتن؟"
"لا".
عندما رأينا السمكة عرفنا كم هي كبيرة. لا يمكن القول إن الأمر لم يكن مخيفًا. لكنه كان رائعًا. كانت بطيئة وهادئة وتقريبًا ساكنة في الماء وزعانفها الصدرية الكبيرة تبدو مثل شفرتي منجل أرجوانيتين طويلتين. ثم رأتْ السمكة القارب وبدأ الخيط ينطلق بسرعة فوق البكرة كما لو أننا كنا مربوطين بسيارة، وراحت تقفز خارج الماء باتجاه الشمال الغربي والماء ينسكب منها مع كل قفزة.
كان عليّ أن أعود إلى مقدمة القارب مرة أخرى ورحنا نطارد السمكة إلى أن ظهرت. في هذه المرة نزلتْ تقريبًا قبالة المورو. وعدتُ مجددًا إلى مؤخرة القارب.
"هل تريد شرابًا، كابتن؟" قال السيد جوزي.
"كلا"، قلت له. "اجعل كارلوس يضع بعض الزيت على البكرة ولا يريقه، واجعله يضع مزيدًا من الماء المالح عليّ".
"ألا أحضر لك أي شيء حقًا، كابتن؟"
"يدان وظهرٌ جديد"، قلت. "تلك اللعينة نشيطةٌ كما كانت في البداية".
المرة التالية التي رأيناها فيها كانت بعد ساعة ونصف الساعة، بعد تخطي كوجيمار. كانت تقفز وتبتعد ثانية وكان عليّ أن أعود إلى المقدمة ونحن نطاردها.
عندما عدتُ إلى مؤخرة القارب واستطعتُ أن أجلس من جديد، قال السيد جوزي: "كيف هي، كابتن؟"
"على حالها. لكن المرونة بدأت تغادر الصنارة".
كانت الصنارة محنية مثل قوس مشدود على آخره. لكن، عندما رفعتها، لم تستقم كما يجب.
"لا تزال فيها بقية"، قال السيد جوزي. "قد تعلق معها إلى الأبد، كابتن. أتريد مزيدًا من الماء على رأسك؟"
"ليس بعد"، قلت. "أنا قلق حيال الصنارة. لم يترك وزن السمكة أي مرونة فيها".
بعد مرور ساعة كانت السمكة تقترب بثبات واطراد وتدور في دوائر كبيرة وبطيئة.
"لقد تعبتْ"، قال كارلوس. "سوف تقترب بسهولة الآن. لقد ملأ القفز غلاصمها بالهواء ولن تستطيع الغوص عميقًا".
"لقد تلفت الصنارة"، قلت. "لن تستقيم بعد الآن أبدًا".
كان ذلك صحيحًا. كان رأس الصنارة حينها يلامس سطح الماء وعندما أرفعها لترفع السمكة وألفّ البكرة لأستعيد الخيط، لا تستجيب. لم تعد صنارة أبدًا. أصبحتْ مثل مسقط للخيط. كان لا يزال ممكنًا كسب بضع إنشات من الخيط في كل مرة أرفع الصنارة فيها. لكن ذلك كان كل شيء.
كانت السمكة تتحرك في دوائر بطيئة وأثناء تحركها في نصف الدائرة البعيدة كانت تسحب الخيط من البكرة. وفي الدائرة القريبة نكسب الخيط من جديد. لكن مع ذهاب المرونة من الصنارة، لم يعد ممكنًا معاقبة السمكة، ولم تكن لنا سلطة عليها مطلقًا.
"الأمر سيء، كابتن"، قلت للسيد جوزي. كان واحدنا يدعو الآخر "كابتن" بشكل متبادل. "إذا قررتْ أن تغوص الآن لكي تموتَ في الأعماق، لن نستطيع رفعها أبدًا".
"كارلوس يقول إنها ستصعد. يقول إنها التقطتْ الكثير من الهواء جرّاء القفز ولن تستطيع الغوص والموت هناك. يقول إن هذه هي الطريقة التي يتصرف بها السمك الكبير دومًا عند النهاية، وعندما يكون قد قفز كثيرًا. وقد أحصيتُ لها ستًا وثلاثين قفزة وقد أكون فوّتُ بعض القفزات".
كان هذا أحد أطول الأحاديث التي سمعتُ السيد جوزي يقولها قط وكنتُ متأثرًا بذلك. في تلك اللحظة، بدأت السمكة الكبيرة تغوص وتغوص وتغوص. كنت أحاول أن أتشبّث وكلتا يدي على أسطوانة البكرة، محافظًا على الخيط تقريبًا عند نقطة الانقطاع وشاعرًا بمعدن أسطوانة البكرة وهو يدور باهتزازات بطيئة تحت أصابعي.
"كم مضى من الوقت؟" سألتُ السيد جوزي.
"أنتَ مع السمكة منذ حوالي ثلاث ساعات وخمسين دقيقة".
"اعتقدتُ أنك قلت إنها لا تستطيع النزول إلى الأعماق والموت هناك"، قلتُ لكارلوس.
"همنغواي، لا بدّ أن تصعد. أعرف أن عليها أن تصعد".
"قل هذا لها"، قلت.
"أحضر له بعض الماء، كارلوس"، قال السيد جوزي. "لا تتكلم، كابتن".
جعلني الماء المثلج أشعر بالارتياح وقد رذذتُ بعضًا منه على رسغيّ وأخبرت كارلوس أن يسكب بقية الكأس على مؤخرة عنقي. كان العرق قد ملّح أجزاء كتفي التي سلختها الأحزمة، لكن الأحزمة كانت ساخنة جدًا في حرّ الشمس لدرجة أني لم أشعر بالدماء الدافئة التي تنسكب تحتها. كان يومًا من تموز وكانت شمس الظهيرة في ذروتها.
"اسكب مزيدًا من الماء المالح على رأسه"، قال السيد جوزي. "استخدم إسفنجة".
عندئذ، كفت السمكة عن سحب الخيط. تدلت ثابتة لبعض الوقت، متيبسة جدًا، ما جعلني أشعر كما لو أنني مربوط بعمود إسمنتيّ، ثم بدأتْ تصعد للأعلى ببطء. استعدتُ الخيط، لافًّا البكرة باستخدام المعصم وحده، إذ يكن هنالك نابض في الصنارة، وكانت قد صارت رخوة مثل صفصاف باكٍ.
عندما أصبحت السمكة على عمق قامة تحت سطح الماء، وكنا نراها مثل زورق طويل مخطط بالأرجواني مع جناحين كبيرين بارزين، راحت تدور ببطء. كنت أشدّ الخيط بأقصى ما استطعت، محاولًا تضييق الدائرة. وأحاول ألا أبلغ ذلك الشدّ الأقصى الذي قد يقطع الخيط حين تنكسر الصنارة. لم يحصل ذلك فجأة وعلى حين غرة. بدأت تتهاوى فحسب.
"هات خيطًا بطول ثلاثين قامة من العدة الكبيرة"، قلت لكارلوس. "سأبقيها حيث هي، وعندما تقترب، نستطيع أن نحصل على ما يكفي لنربط الخيطين معًا ويمكنني عندها أن أبدّل الصنارة".
لم تعد مسألة اصطياد السمكة مسألة رقم قياسي عالمي ولا أي نوع آخر من الأرقام القياسية، بما أن الصنارة تحطمت. لكنها كانت الآن سمكة مهزومة ولا بدّ أن ننال منها في آخر الأمر. المشكلة الوحيدة كانت أن الصنارة الكبيرة أقسى مما يجب بالنسبة إلى خيط الخمسين لفة. تلك كانت مشكلتي وكان يتعين عليّ حلها.
كان كارلوس ينزع خيطًا أبيض ذا ست وثلاثين لفة من على بكرة كبيرة من نوع هاردي، مستخدمًا ذراعيه الممدودتين لقياسه بينما يسحبه عبر حلقات الصنارة ويسقطه على سطح القارب. تشبثتُ بالسمكة قدر استطاعتي بواسطة الصنارة التالفة ورأيتُ كارلوس يقطع الخيط الأبيض ويسحب مقدارًا طويلًا منه عبر الحلقات.
"حسنٌ كابتن"، قلت للسيد جوزي. "خذ هذا الخيط الآن، وعندما تقترب السمكة، اسحب ما يكفي منه بحيث يستطيع كارلوس أن يجمع الخيطين بسرعة. فقط اسحبه برفق وتأنّ".
كانت السمكة تقترب بثبات وهي تدور في دائرتها واستعاد السيد جوزي الخيط شيئًا فشيئًا ومرّره إلى كارلوس الذي كان يعقده مع الخيط الأبيض.
"لقد ربطهما"، قال السيد جوزي. كان لا يزال لديه حوالي ياردة من الخيط الأخضر ذي الخمس عشرة لفة وكان يمسك الخيط الأول بين أصابعه عندما باتت السمكة في الدائرة القريبة. أفلتُّ الصنارة الصغيرة من يديّ، وضعتها أرضًا، وأخذتُ الصنارة الكبيرة التي أعطاني إياها كارلوس.
"اقطع عندما تكون جاهزًا"، قلتُ لكارلوس. وقلت للسيد جوزي: "أفلت الخيط السائب برفق وتأنٍّ، كابتن، وسأسحب سحبًا خفيفًا، خفيفًا، إلى أن نشعر بها".
كنت أراقب الخيط الأخضر والسمكة الكبيرة عندما قطع كارلوس. ثم سمعتُ صرخة لم أسمع إنسانًا عاقلًا يصرخ بمثلها قط. كان الأمر كما لو أن بالإمكان تقطير كل اليأس في العالم ووضعه في صوت. ثم رأيت الخيط الأخضر يمرّ ببطء عبر أصابع السيد جوزي وراقبته وهو يستمر بالنزول أسفل، أسفل، وبعيدًا عن الأنظار. لقد قطع كارلوس مجموعة العقد الخطأ التي كان قد عقدها. واختفت السمكة عن الأنظار.
"كابتن"، قال السيد جوزي. لم يكن في حالة جيدة. ثم نظر إلى ساعته، وقال: "أربع ساعات واثنان وعشرون دقيقة".
نزلتُ لكي أرى كارلوس. كان يتقيأ في المرحاض وقلتُ له ألا يشعر بالسوء، وأن ذلك قد يحدث لأي يكن. كان وجهه الأسمر مشدودًا وكان يتكلم بصوت غريب وخفيض فكنت بالكاد أتمكن من سماعه.
"قضيتُ حياتي في الصيد ولم أر قط مثل هذه السمكة، وانظر ماذا فعلت. لقد دمرتُ حياتك وحياتي".
"اللعنة"، قلت له. "لا يجب أن تقول مثل هذا الهراء. سنصطاد الكثير من السمك الأكبر حجمًا منها". لكنّنا لم نفعل قط.
جلست أنا والسيد جوزي في مؤخرة القارب وتركنا الأنيتا ينجرف مع التيار. كان يومًا جميلًا على ضفاف الخليج، مع بعض النسيم العليل، وكنا نوجه أنظارنا إلى الشاطئ والجبال الصغيرة التي تطل من خلفه. كان السيد جوزي يضع مطهر جروح على كتفيّ وعلى يديّ، في الأماكن التي كانت قد التصقت بالصنارة، وعلى باطن قدمي العاريتين، حيث كان الجلد بكامله مخدوشًا. ثم خلط كأسين من الويسكي بالليمون.
"كيف حال كارلوس؟" سألت.
"إنه محطم للغاية. يجثم هناك وحسب".
"لقد أخبرته ألا يلوم نفسه".
"بالتأكيد. لكن ها هو هناك يلوم نفسه".
"ما رأيك بالسمكات الكبيرة الآن؟" سألت.
"إن ذلك هو كل ما أردتُ القيام به"، قال السيد جوزي.
"هل توليتُ أمرها بشكل جيد، كابتن؟"
"نعم، بالتأكيد".
"لا. قل لي الحقيقة".
"من المفترض أن ينتهي الإيجار اليوم. الآن سأصطاد معك مقابل لا شيء، إذا رغبت".
"كلا".
"أفضّل لو تم الأمر بتلك الطريقة. هل تتذكر صعودها باتجاه الفندق الوطني ولا لها مثيل في العالم؟"
"أتذكر كل شيء حيالها".
"هل كنت تكتب بشكل جيد، كابتن؟ أليس صعبًا جدًا القيام بذلك في الصباحات الباكرة؟"
"كنت أكتب بشكل جيد قدر استطاعتي".
"واصلْ ذلك وسيكون الجميع بخير إلى الأبد".
"قد آخذ استراحة صباح الغد".
"لماذا؟"
"ظهري يؤلمني".
"لكن رأسك بخير، صحيح؟ فأنت لا تكتب بظهرك".
"ستكون يداي متألمتين".
"اللعنة. تستطيع أن تمسك قلم رصاص. سترى في الصباح أنك قد تشعر برغبة في فعل ذلك".
والغريب أني فعلًا شعرتُ برغبة في ذلك وعملت بشكل جيد وكنا خارج الميناء بحلول الساعة الثامنة وكان يومًا مثاليًا آخر، مع بعض النسيم العليل، والتيار قريب من قلعة المورو، كما كان في اليوم السابق. في ذلك اليوم لم نطفئ أي ضوء عندما وصلنا إلى المياه الصافية. كنا نفعل ذلك في كثير من الأحيان. سحبت على مهل سمكة سيرو ماكريل كبيرة، تزن حوالي أربعة باوندات، بالمعدات كبيرة الحجم التي بقيت لدينا. كان لدينا صنارة هاردي ثقيلة وبكرة مع خيط أبيض بست وثلاثين لفة. كان كارلوس قد وصل من جديد الثلاثين قامة من الخيط التي كان قد اقتطعها في اليوم السابق وكانت بكرة الخمسة إنشات ممتلئة. المشكلة الوحيدة كانت في كون الصنارة متيبسة للغاية. وفي عملية صيد الأسماك الكبيرة، الصنارة التي تكون متيبسة أكثر مما يجب تقتل الصيّاد، في حين أن الصنارة التي تنحني بشكل صحيح تقتل السمكة.
كان كارلوس يتحدث فقط إذا تحدثنا إليه وكان لا يزال غارقًا في حزنه. بينما لم أستطع أن أستسلم لحزني لأني كنت مشغولًا بآلام جسدي، أما السيد جوزي فلم يكن رجلَ حزن قط.
"كل ما فعله طوال الصباح كان هزّ رأسه اللعين"، قال السيد جوزي. "سوف لن يستعيد أية سمكة بتلك الطريقة".
"كيف تشعر، كابتن؟" سألت.
"أشعر بحال جيدة"، قال السيد جوزي. "لقد ذهبتُ إلى أطراف البلدة في الليلة الفائتة وجلست واستمعت إلى أوركسترا الفتيات في الساحة وشربت بضع زجاجات من البيرة ثم ذهبت إلى حانة دونوفان. كان ثمة جحيم هناك".
"أي نوع من الجحيم؟"
"جحيم غير جيد. جحيم سيء. كابتن، أنا سعيد أنك لم تكن برفقتي".
"حدثني عن الأمر"، قلت، وأنا أتشبث بالصنارة جانبًا وإلى أعلى بحيث ارتفع طعم الماكريل الكبير فوق الماء. أدار كارلوس الأنيتا وجعله يتبع التيار بمحاذاة قلعة كاباناس. كانت الأسطوانة البيضاء في شبكة الجر تقفز وتندفع في العباب والسيد جوزي جالس في كرسيه ويسحب طعم ماكريل كبيرًا آخر في جهته من مؤخرة القارب.
"في حانة دونوفان كان هنالك رجل ادعى أنه ضابط في البوليس السري. وقد قال إنه أحب وجهي وإنه سيقتل أي رجل في المكان كهدية لي. حاولتُ أن أهدئه. لكن قال إنه أحبني وإنه أراد أن يقتل أحدًا ما ليثبت ذلك. كان واحدًا من شرطة ماتشادو الخاصة. أولئك الشرطة الذي يستخدمون الهراوات".
"أعرفهم".
"أعتقد أنك تفعل، كابتن. بأية حال، سعيد أنك لم تكن هناك".
"ماذا فعل؟"
"لقد ظل راغبًا في قتل أحد ما ليظهر مقدار إعجابه بي وظللتُ أخبره أن ذلك غير ضروري وأن عليه أن يتناول شرابًا وينسى الأمر. فكان يهدأ لبعض الوقت ثم يعود راغبًا في قتل أحد ما مرة أخرى".
"لا بدّ أنه كان شخصًا رديئًا".
"لقد كان وضيعًا، كابتن. حاولتُ إخباره عن السمكة لكي أصرف ذهنه عن ذلك. لكنه قال: ’اللعنة على سمكتك. أنت لم تحصل على أي سمك. فهمت؟’ فقلت له: ’حسنٌ، اللعنة على السمكة. لنتفق على ذلك ويذهب كلّ منا إلى منزله’. ’اذهب إلى الجحيم!’، قال. ’سوف أقتل شخصًا كهدية لك واللعنة على السمكة. لم يكن هنالك أي سمك. هل فهمت ذلك؟’، عندها تمنيت له ليلة سعيدة، كابتن، وأعطيتُ المال لدونوفان، ولكن الشرطي أسقط المال من على البار على الأرض، ووضع قدمه عليه. ’لن تذهب إلى البيت بحق الجحيم’، قال. ’أنت صديقي وسوف تبقى هنا’. لكني تمنيت له ليلة سعيدة وقلت لدونوفان: ’دونوفان، أنا آسف لأن مالك بات على الأرض’. لم أعلم ما الذي قد يفعله ذلك الشرطي ولم يكن ذلك يهمني. كنتُ ذاهبًا إلى المنزل. ثم، وبمجرد أن وقفت لأغادر، سحب الشرطي مسدسه وبدأ يضرب بعقبه رجلًا إسبانيًا مسكينًا كان يشرب البيرة هناك ولم يكن قد تفوه بكلمة طوال الليلة. لم يفعل أحد شيئًا للشرطي. وأنا لم أفعل، كذلك. أنا خجل من نفسي، كابتن".
"لن يستمر الأمر طويلًا بعد الآن"، قلت.
"أعرف ذلك. لأنه لا يستطيع أن يستمر. لكن أكثر ما كرهته كان قول الشرطي إنه أحب وجهي. أي نوع من الوجوه أملك بحق الجحيم، كابتن، بحيث يقول شرطي مثل ذاك إنه أحبه؟"
أنا أيضًا أحببتُ وجه السيد جوزي كثيرًا. أحببته تقريبًا أكثر من وجوه كلّ من أعرفهم. استغرقني الأمر وقتًا طويلًا لأقدرّ قيمته، لأنه لم يكن وجهًا منحوتًا لأجل الحصول على إعجاب سهل أو سريع. لقد تشكّل في البحر، في الجانب المربح من البارات، في لعب الورق مع المقامرين الآخرين، وبمشاريع كثيرة المجازفة ابتكرها وأقدم عليها بعقل بارد ومضبوط. لم يكن أي جزء من وجهه جميلًا باستثناء العينين اللتين كانتا ذات لون أزرق أفتح وأغرب من لون البحر المتوسط في أكثر أيامه صفاء وسطوعًا. كانت العينان رائعتين والوجه ليس جميلًا بكل تأكيد، وقد كان الآن يبدو مثل جلد مليء بالبثور.
"لديك وجهٌ جميل، كابتن"، قلت. "ربما الشيء الجيد الوحيد حيال ذلك السافل أنه كان قادرًا على رؤية ذلك".
"حسنٌ، سوف أبقى بعيدًا عن الحانات إلى أن ينتهي هذا الأمر"، قال السيد جوزي. "الجلوس هناك في الساحة مع أوركسترا الفتيات والفتاة التي تغني، كان ذلك جميلًا ورائعًا. كيف تشعر حقًا، كابتن؟"
"حالتي سيئة جدًا"، قلت.
"هل تأذت أحشاؤك؟ كنت دائمًا قلقًا عندما كنتَ في مقدمة السفينة".
"كلا"، قلت. "الألم في أسفل الظهر".
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |