قراءة فى كتاب الصلاة بين المقاييس القديمة والحديثة
رضا البطاوي
خاص ألف
2021-03-06
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للناس أجمعين، أما بعد:
فإن الشريعة أناطت بالصاع أحكاماً عديدة كأنواع من الزكوات والكفارات؛ ولذا كان من الأهمية بمكان معرفة مقدار الصاع النبوي وتحديده، لاسيما وقد حدث خلاف كثير فيه بين الفقهاء المتقدمين والمعاصرين، ثم إن ظهور المقاييس الحديثة يؤكد بحث مقداره على وفقها، وقد اجتهدت في بيان ذلك في هذه الوريقات، ملتزماً بالاختصار مع التحرير ما أمكن، وقد جعلت ذلك في مطلبين: الأول: مقدار الصاع بالمقاييس القديمة، والثاني: مقدار الصاع بالمقاييس الحديثة، سائلاً المولى أن ينفع بها المستفيد، ويحقق بها بيت القصيد، ويكلّلها بالإخلاص والتسديد، إنه حميد مجيد ..
المطلب الأول: مقدار الصاع بالمقاييس القديمة
يتعين لبيان مقدار الصاع تحديد مقدار المد النبوي، ويتوقف ذلك على معرفة زنة الرطل، الذي يتبين بتحرير وزن الدرهم، كما سيأتي بيان وجه ذلك في المسائل الثلاث المعقودة لتفصيل تلك الأوزان، كما يلي:
المسألة الأولى: مقدار المُدّ النبوي:
قدر جماعة من العلماء اُلمدَّ بأنه أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط، أو بملء كفي الإنسان المعتدل إذا مدَّ يديه بهما (١) .
هذا بالنظر إلى أن المد وحدة كيل يقاس بها حجم ما يوضع فيها، كما هو الحال في الصاع أيضًا، وقد عمد الكثير من العلماء إلى تحديد المد والصاع بالوزن؛ ليحفظ مقداره وينقل؛ لعدم وجود مقاييس متعارف عليها يضبط بها الحجم سابقًا، كما ذكر ذلك ابن قدامة فقال: (والأصل فيه أي الصاع - الكيْل، وإنما قُدِّر بالوزن؛ ليحفظ وينقل) (٢) . أ. هـ.
ولذا فقد قدر الفقهاء المد النبوي بالأرطال (٣) ، فذهب جمهورهم إلى أن المد النبوي هو رطل وثلث (٤) مستدلين على ذلك بما جاء من الآثار الدالَّة أنَّ المعتمد في الكيل مكيال المدينة كما جاء عن ابن عمر ــ رضي الله
) المد: هو مكيال ويجمع على أمداد، ومِدَدة، ومِداد، قال في القاموس المحيط: اُلمدّ بالضَّم: مكيال وهو رطلان، أو رطل وثلث، أو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يديه بهما، وبه سمي مدًا، وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً ص ٤٠٧، انظر: النهاية في غريب الحديث ص ٨٦١.
(٢) المغني ٤/ ١٦٨، وقال البهوتي: والوسق والصاع والمد: مكاييل نقلت إلى الموزن أي قدرت بالوزن؛ لتحفظ فلا يزاد ولا ينقص منها، وتنقل من الحجاز إلى غيره وليست صنجًا (( كشاف القناع )) ٢/ ٤١٢، والصنج مأخوذ من صنجة الميزان وهي ما يوزن بها. مختار الصحاح ص ٣٧٠.
(٣) الرَّطل - والرِّطل: الذي يوزن به ويكال، والأشهر أنه أداة تستخدم للوزن، وربما استخدم للكيل، ويساوي اثنتي عشرة أوقية؛ بأواقي العرب، والأوقية تساوي أربعين درهماً، انظر: القاموس ص ١٣٠٠، ومعجم مقاييس اللغة ٢/ ٤٠٣.
(٤) ينظر: الكافي في فقه أهل المدينة ص ١٠٣، روضة الطالبين ٢٠/ ٢٣٣، الفروع ٢/ ٤١٢، خلافًا للحنفية، وهو مذهب أهل العراق الذين قدروه برطلين، واستدلوا بآثار عن عائشة: أنها أتيت بقدح وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثله، قال مجاهد: فحزرته فإذا هو ثمانية أو تسعة أو عشرة أرطال، وعن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ برطلين) رواه الطحاوي ٢/ ١٠٠ - ١٠٣، ويجاب بأن مجاهدًا لم يحدد أن الإناء صاع، كما أنه شك في التقدير، ولو سُلِّمَ فيجمع بأنه أعلى ما ورد، ولا يدلّ على قدر المد والصاع. وانظر للاستزادة: المحلى ٥/ ١٦٧.
عنهما ــ أنه قال: "المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزاُن أهل مكة" (١) ، وهو مجمع عليه عند أهل الحجاز، كما قال أبو عبيد: (وأما أهل الحجاز فلا اختلاف بينهم فيما أعلمه أنَّ الصاع خمسة أرطال وثلث، يعرفه عالمهم وجاهلهم، ويباع في أسواقهم، ويحمل علمه قرن عن قرن) (٢) .
قال ابن حزم: (والاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا والمروة) (٣) .
المسألة الثانية: في مقدار الرطل:
والمقصود بالرطل المذكور في تحديد المد: هو الرطل البغدادي، وهو قول عامة الفقهاء (٤) ، وقد اختلفوا في تحديد مقداره على أقوال متقاربة، أقربها: أنه يزن مئة وثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع الدرهم، وهو الأصح عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وقول للمالكية، ورجحه ابن تيمية (٥) وابن قدامة وقال: (والرطل العراقي: مئة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع الدرهم، ووزنه بالمثاقيل: تسعون مثقاًلا، ثم زيد في الرطل مثقال آخر، وهو درهم وثلاثة أسباع درهم، فصار إحدى وتسعين مثقالاً،
(١) أخرجه أبو داود برقم (٣٣٣٨) ، والنسائي في سننه برقم (٢٥١٩) ، (٤٦٠٦) ، وصححه الألباني، ونقل تصحيحه عن ابن الملقن والدارقطني والنووي وابن دقيق، انظر: إرواء الغليل ٥/ ١٩١، وقال الخطابي تعليقًا عليه: (إنما جاء في الحديث في نوع ما يتعلق به أحكام الشريعة في حقوق الله من وجوب الكفارات وصدقة الفطر، ويكون تقدير النفقات وما في معناها بعياره، دون ما يتعامل به الناس في بياعاتهم وأمور معايشهم) ا. هـ، معالم السنن ٣/ ٥٥.
(٢) الأموال ص ٥١٧.
(٣) المحلى ٥/ ١٧٠.
(٤) تبين الحقائق ١/ ٣١٠، الكافي في فقه أهل المدينة ص ١٠٣، المجموع ٥/ ٤٣٧، المغني ٤/ ٢٨٧.
(٥) انظر: المراجع السابقة، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢١/ ٥٣.
فكملت زنته بالدراهم مئة وثلاثين درهماً، والاعتبار بالأول قبل الزيادة) (١) .
المسألة الثالثة: مقدار وزن الدرهم (٢) :
لقد اختلف المعاصرون في زنة الدرهم بالموازيين الحديثة، وسبب خلافهم، هو اختلاف الفقهاء في زنة الدراهم بحبَّات الشعير، و اختلافهم في أنواع الدراهم، فأما اختلافهم في زنة الدراهم بحبات الشعير فعلى أقوال، أبرزها قولان:
القول الأول: إن وزن الدرهم الشرعي خمسون وخُمُسَا حبة شعير، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة (٣) .
القول الثاني: إن وزن الدرهم الشرعي سبعون حبة شعير، وهو قول الحنفية (٤) ولم أقف على أدلة للفريقين، إلا أن الأرجح هو رأي الجمهور؛ وذلك لموافقة قولهم لما وجد من دنانير قديمة كما سيأتي بيانه.
ويمكن الجمع بين القولين بأن وزن الدرهم يتراوح بينهما؛ لاختلاف حبة الشعير (٥) .
(١) المغني ٤/ ١٦٨.
(٢) المراد بالدرهم: الدراهم الإسلامية الشرعية، وقد قدّر وزن الدرهم بحبات الشعير؛ لتقاربها في الحجم.
انظر: معجم لغة الفقهاء ص ١٨٥.
(٣) مواهب الجليل ٣/ ١١٩، ومغني المحتاج ١/ ٥٧٥، كشاف القناع ٢/ ٥٩.
(٤) حاشية ابن عابدين ٣/ ٢٠٦.
(٥) قال محمد نجم الدين الكردي في المقادير الشرعية ص ١٠٧: (لا جدال أن تقويم الدراهم والمثقال على أساس وحدات الحبة تقويم غير دقيق؛ وذلك لأن الحب يختلف حجمًا ووزنًا في كل أرض عن غيرها بحسب اختلاف نوع الحبة في أرض عن أخرى، فالحب في مصر يختلف حجمًا ووزنًا عنه في العراق والشام والحجاز؛ لذلك كان تقويم الدرهم بالحب متفاوتاً في كل بلد عنه في غيره، فلا تصلح معيارًا تقدر به الموزونات، وما يقال بالنسبة لحبّة القمح يقال بالنسبة للشعير والحمص) أ. هـ، ولذا فإنني لم أعتمد في تقدير وزن الدرهم على وزن الشعير أو غيره، وإنما استأنست به، واعتمدت على النسبة الثابتة بين الدرهم والدينار الشرعي الموروث من عهد عبدالملك بن مروان، وذلك بعد وزنه، ثم نسبة كل عشرة دراهم إلى سبعة دنانير، وهي نسبة متفق عليها، انظر: الأموال ص ٥٢٢.
وأما اختلافهم في أنواع الدراهم، فقد ذهب بعض الباحثين المعاصرين، كعلي باشا مبارك ومحمود الخطيب إلى أن الدراهم نوعان: دراهم نقد؛ ودراهم كيل (١) ، ولا دليل بَيِّن على ذلك، بل الأظهر أنَّ الدرهم نوع واحد، وهو الدرهم النقدي الشرعي، فإذا استعمل في المكاييل كان درهم كيل، وإذا استعمل في المعاوضات كان درهم نقد، وقد أشار إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام، ولم ينص أحد من المتقدمين فيما وقفت عليه على خلاف ذلك (٢) .
وقد اختلف المعاصرون في زنة الدرهم بالجرام على أقوال، أبرزها قولان:
القول الأول: أن الدرهم الشرعي يعادل ٢,٩٧ جرام (٣) .
القول الثاني: أن الدرهم الشرعي يعادل ٣,١٧ جرام (٤) .
والأرجح هو القول الأول؛ وذلك أنه أمكن الوقوف على وزن الدينار
(١) انظر: الخطط التوفيقية ٢/ ٣٥، والميزان في الأقيسة والأوزان ص ٤٣، كلاهما لعلي باشا مبارك، وتابعه على ذلك محمود الخطيب في بحثه معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان والمكاييل المعاصرة ضمن أبحاث وأعمال بيت الزكاة الكويتي ٩/ ١٤٥.
(٢) انظر: الأموال ص ١٣٩، ٥٢٢، والإيضاح والتبيان ص ٥٤، وقد خالف في تقسيم الدراهم ــ دراهم كيل ووزن ــ كثير من المعاصرين كالكردي في كتاب المقادير الشرعية ص ١٥٤، وضياء الدين الريس، في الخراج والنظم المالية للإسلام ص ٣٤٣،٣٥٣، وخالد السرهيد في رسالته: تحديد الصاع النبوي والأحكام الفقهية المتعلقة به ص ٣٨، ومحمد المختار السلامي في مجلة بيت الزكاة ٩/ ١٩٧.
(٣) المقادير الشرعية محمد نجم الدين الكردي ص ٢٢٤، ودائرة المعارف الإسلامية ٩/ ٢٢٦، الصاع النبوي ص ٥٥،وضياء الدين الريس في الخراج ص ٣٥٤، وفقه الزكاة للقرضاوي ص ١٤١٨، ومعجم لغة الفقهاء، بزيادة يسيرة حيث قدوره (٢,٩٨٨ غرام) ص ١٥٨ - ٤١٨، وكذا أحمد الكردي قدره ب ٣,٠٢٤ غرام في بحثه معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان المكاييل المعاصرة ٩/ ٧١، ومحمد رأفت عثمان في زكاة الزروع والثمار ٢/ ١٣٢ من مجلة بيت الزكاة.
(٤) انظر: معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان والمكاييل المعاصرة لمحمود الخطيب ٩/ ١٤٥ من مجلة بيت الزكاة الكويتي، ومحمد أحمد الخاروق في تحقيقه الإيضاح والتبيان ص ٤٩، وزكريا المصري ومحمد رأفت عثمان في بحثيهما عن زكاة الزروع والثمار في مجلة بيت الزكاة ٨/ ٩٨، ١٣٣.
الشرعي المصكوك في الدولة الأموية (١) ، مع كون السبعة من الدنانير تساوي عشرة دراهم، فالنسبة بينهما سبعة إلى عشرة بلا خلاف، وقد قام بعض الباحثين بجمع الدنانير الإسلامية المصكوكة في عهد عبدالملك بن مروان من بعض المتاحف، وذلك على النحو التالي:
اسم المتحف أو الكتالوج ... عدد ... مجموع أوزانها ... الوزن المتوسط ...
الدنانير ... الإفرادي
المتحف الفني ... ١٩ ... ٧٩،٩٥٥ جم ... ،٢٠٨١ جم ...
الإسلامي المصري
المتحف العراقي ... ٤ ... ١٧٠١٧ جم ... ،٢٦٧٧ جم
متحف لندن ود لجادو ... ٧ ... ٢٩،٧٠٥ جم ... ،٢٤٣٥ جم
كتالوجات متاحف أجنبية ... ٣ ... ١٢،٧٠٦ جم ... ،٢٣٥٣ جم
المجموع ... ٣٣ ... ١٣٩،٤٣٧ جم ... ،٩٥٤٩ جم
فمتوسط الدينار من هذه المتوسطة هو ٤,٢٣٨٦.
وبالتقريب يكون: ٤,٢٤ جرام.
ويكون وزن الدرهم بناء على ذلك ٤,٢٤×٠،٧= ٢،٩٦٨، وبالتقريب
(١) اخترت الدينار الشرعي المصكوك قديماً دون الدرهم الشرعي مع وجود بعض ومصكوكاته من الدولة الأموية؛ وذلك أن الدينار وهو المثقال لم يتغير في جاهلية ولا في إسلام كما نص عليه أبو عبيد وغيره، انظر: الأموال ص ٥٢٢. وأما الدرهم فهو عرضة للزيادة والنقص بسبب تآكلها؛ لكثرة تداولها بين الناس؛ ولكون الفضة أسرع المعادن الثمينة تآكلاً، انظر: المقادير الشرعية ص ١٤٣، تحديد الصاع النبوي ص ٥٦.
يكون ٢،٩٧ جرام (١) ، وقد وافقت هذه النتيجة بعض التجارب على حبات الشعير، حيث بلغ وزن اثنتين وسبعين حبة شعير ممتلئ ما يقارب ٤,٢٥، وهو وزن الدينار الشرعي، وبما أن نسبة درهم النقد الشرعي إلى مثقال النقد الشرعي هي ٧ من ١٠ فيكون موافقًا لما تقدم تقريبًا (٢) .
المسألة الأولى: مقدار الصاع بوحدة قياس الوزن [جرام] (٣) :
وبناءً على ما تقدم من وزن الدراهم يتبين لنا وزن المد النبوي بالجرام؛ وذلك أن الرطل يساوي ٧/ ٤ ١٢٨ درهمًا.
والمد يساوي رطل وثلث، فنعرف وزن المد بالطريقة التالية:
٢,٩٧×٧/ ٤ ١٢٨×١,٣= ٥٠٨,٧٥ جرام.
ولما كان الصاع يساوي أربعة أمداد، علمنا أن وزنه يتبين بالطريقة
(١) المقادير الشرعية ص ١٢٩.
(٢) انظر: بحث الدكتور محمود الخطيب في المقادير الشرعية في مجلة بيت الزكاة عدد ٩/ ١٣٨، حيث قام بعدة تجارب فكانت هذه النتيجة، واعتمد على وزن ٧٢ حبة شعير؛ لأنه الميزان للدينار عند الجمهور؛ لعدم تفاوت حبات الشعير كما تقدمت الإشارة إليه، كما جمع بعض الباحثين اثني عشر تجربة قام بها عدة جهات وأفراد، فكان متوسط تلك التجارب ينتج عنه أن وزن الدرهم يتراوح بين ٢,٠٦٦ و ٢,٩٧ مما يستبعد معه أن يكون وزن الدرهم ٣,١٧ جرام، (الصاع النبوي والأحكام المتعلقة به ص ٥٤.
قال علي باشا مبارك: (وفي الجداول الواردة في الخطط التوقيفية لجميع نقود الخلفاء من الفضة وزن الدرهم متغير فيكون ٢,٩٧، وينقص إلى ٢,٧٠، وحينئذٍ لا يمكن الجزم أنه الأقل أو الأكبر، ولكن يمكننا أن نقول: إن الوزن الحقيقي منحصر بين الأقل والأكبر) . أ. هـ، انظر: الميزان ص ٥٦،الخطط التوقيفية ص ٥٠.
(٣) الجرام: هو وحدة حديثة لقياس الوزن (الكتلة) . أما الصاع فهو كيل لقياس الحجم. فالمعتمد في الصاع هو حجم المقيس لا ثقله؛ بخلاف الموزون فالمعتبر ثقله؛ ولذا اعترض بعض الأئمة كالنووي على وزن المكيلات، إلا أن كثيرًا من الفقهاء درجوا على ذلك؛ ليحفظ المكيل عن الزيادة والنقص ويثبت حجم المكيال بمعرفة وزنه؛ ولذا حدده الحنابلة وبعض المالكية بالبر الجيد المتوسط مما يعطي نتيجة دقيقة، وإن كان تفاوت فهو يسير، انظر: المغني ٤/ ١٦٨، المقدمات المهدات ١/ ٢٨٣، وأنظمة المجموع ٥/ ٤٤٠.
التالية:
٥٠٨،٧٥×٤= ٢,٠٣٥ جرام
أي: كيلوان وخمسة وثلاثون جرامًَا من الحنطة الرزينة (١) .
وقد ذهب بعض المعاصرين (٢) إلى أن وزن الصاع = ٢١٧٣ جرام، وذلك اعتمادًا على أن وزن الدرهم هو ٣,١٧ جرام كما تقدم بيانه ورُدَّ (٣) .
وذهبت هيئة كبار العلماء في السعودية إلى أن الصاع = ٢٦٠٠ جرام، وذلك بناءً على أن المد ملء كفي الرجل المعتاد، وكان تحقيق وزن المد لديهم هو ٦٥٠ جرام تقريبًا، فيكون الصاع ٦٥٠×٤= ٢٦٠٠، جرام، وبه صدرت الفتوى، إلا أنه يُشْكِل على ذلك تفاوت الأيدي تفاوتًا كبيرًا، مع تفاوت المادة المكيلة أيضًا، مما يدفع للنظر في طريقة أدق مع تحديد نوع المكيل أيضًا (٤) .
ومما تقدم يتبيَّن أن الأرجح هو القول الأول الذي حَدَّدَ وزن الصاع بـ ٢٠٣٥ جرامًا أي: كيلوان وخمسة وثلاثون جرامًا (٥) .
(١) انظر: معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان والمكاييل المعاصرة للخطيب في مجلة بيت الزكاة ٩/ ١٥٨.
(٢) انظر ص ٥ من هذا البحث.
(٣) انظر: تحديد الصاع والأحكام الفقهية المتعلقة به، ص ٦٣، حيث أشار الباحث أنه أشرف على أربعين تجربة من هذا القبيل، وكانت الأيدي متوسطة كما يرى، ومع ذلك كان التفاوت في المقدار بعد وزنه كبيرًا، مما يدفع للبحث عن طريقة أكثر دقة. وانظر أيضاً: المقادير الشرعية ص ٢١٦.
(٤) انظر: معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان والمكاييل المعاصرة لابن منيبغ في مجلة بيت الزكاة ٩/ ١٠٥ و ٨/ ١٦٨.
(٥) انظر: المقادير الشرعية ص ٢٢٧، والصاع النبوي تحديده والأحكام الفقهية المتعلقة به ص ٥٧. وقريب جدًا من هذه النتيجة ما توصل إليه الشيخ محمد العثيمين حيث قدر الصاع بـ (٢٠٤٠) غرام فقال: (إذا أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غرامًا من البر الجيد، ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم تكيل به) . مجالس شهر رمضان ص ٢١٥.
المسألة الثانية: معرفة مقدار الصاع بوحدة قياس الحجم "المللِّتر" (١) :
تقدم تقدير الصاع بالوزن بوحدة قياس الكتلة والثقل وهي (الجرام) ، مع كون الصاع يقوم على قياس الحجم، إلا أن الفقهاء صنعوا ذلك؛ لعدم وجود مقياس يمكن به قياس المكيل وضبطه، وقد استُخْدمت وحدة قياس للحجم وهي (اللتر) ، مما يحقق نتائج أدق من القياس بالجرام (٢) . وإن كنا سنحتاج إلى نتيجة الوزن؛ لمعادلتها بقياس الحجم في إحدى الطرق الاستنتاجية؛ ولذا فإنه يمكن معرفة النصاب باللتر في أحد الطرق التالية:
الطريقة الأولى: تحديد حجم الصاع بالمللتر عن طريق قياس حجم وزنه بالجرام:
وهو (٢,٠٣٥ جرام) من الحنطة الجيدة المتوسطة، وقد قام الباحث خالد السرهيد بوزن ذلك بإناء يقيس الحجم في إدارة المختبرات التابعة لهيئة المواصفات والمقاييس، كانت النتيجة (٢٤٣٠) مللتر من البر الجيد المتوسط، أي: لتران وأربعمائة وثلاثون مليلتر.
الطريقة الثانية: قياس حفنة الرجل المعتدل الخلقة:
فقد قام بعض الباحثين في الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس بقياس حفنة أربعين رجلاً معتدل الخلقة، فكان المتوسط هو ٦٢٨ مليلترًا (٣) ، وهو ما يعادل مدّاً فيكون الصاع ٦٢٨×٤= ٢٥١٢، فيكون
(١) وحدة السعة في النظام المتري، ويساوي ١٠٠٠ سنتي متر مكعب، وهو لقياس الكتلة، انظر المعجم الوسيط ص ٨١٤.
(٢) انظر: المقادير الشرعية ص ٢٢٦.
(٣) انظر: تحديد الصاع النبوي ص ٦٥٣١.
الفارق بين هذا الطريق والذي قبله ٨٢ مليلترًا، وهو فارق ليس كبيرًا، لاسيما مع صعوبة التحديد الدقيق لوزن الصاع وحجمه.
الطريقة الثالثة: قياس حجم الصاع بالوقوف على أصواع أو أمداد نبوية أثرية من عصور متقدمة:
فلمّا لم يكن ذلك، تيسرت لي إجازة مُدّ نبوي، حيث عدلت حجم مدي بمد شيخي (١) ، وعدل هو مده بمد شيخه، وهكذا عدل كل واحد في الإسناد مُده بمُدِّ شيخه حتى عُدِل المد بمُدّ زيد بن ثابت، الذي كان يؤدي به الفطر للرسول، وبمعايرة المد الموجود لديَّ بالماء في إدارة مختبرات هيئة المواصفات والمقاييس تبين أن سعته هي ٧٨٦ مللترًا، فيكون حجم الصاع ٧٨٦×٤= ٣١٤٤ مليلترًا، ويكون الفرق بينه وبين الطريق الذي قبله ٦٣٢ مليلترًا، كما أن بينه وبين الطريق الأول ٧١٤ مليلتر، وهو فارق ليس يسيرًا، ويكون النصاب بناءً على النتيجة الأولى ٩٤٣,٢٠٠ لترًا، وقد وجدت أمداداً أخرى مسندة إلا أن الفارق بينها وبين المد المذكور ليس كبيرًا (١) .
(١) وهو الشيخ عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي، وهو عدل مده بمد والده وهو عدل مد بمد الشيخ عبدالودود، وهو عدل مده بمد الشيخ أحمد الله، وهو عدل مده بمد الشيخ الحافظ محمود، وهو عدل بمد الشيخ محمد أيوب، وهو عدل مده بمد الشيخ الشاه إسحاق، وهو عدل مده بمد الشيخ الشاه رفع الدين، وهو عدل مده بمد الشيخ محمد حيات، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي الحسن بن محمد، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي الحسن بن أبي سعيد، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي يعقوب، وهو عدل مده بمد الشيخ الحسن بن يحيى، وهو عدل مده بمد الشيخ إبراهيم بن عبدالرحمن، وهو عدل مده الشيخ أبي علي منصور بن يوسف، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي جعفر أحمد بن علي، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي جعفر أحمد بن أخطل، وهو عدل مده بمد الشيخ خالد بن إسماعيل، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي بكر أحمد، وهو عدل مده بمد الشيخ أبي القاسم إبراهيم بن الشنظير وبمد الشيخ أبي جعفر بن ميمون، وهما عدلا مديهما بمد زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذي كان يؤدي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
فيشكل على هذا الطريق التفاوت الكبير بينه وبين الطرق الأخرى، لا سيما مع تطرق الخطأ في صناعة الأمداد ومعادلتها، حيث يتكرر ذلك أكثر من عشرين مرة تقريبًا، مما ينتج عنه زيادة أو نقص في الأمداد بلا شك، لا سيما مع عدم توفر المقاييس في العصور السابقة.
ولذا فإن الأخذ بنتيجة هذا الطريق يكون متى غلب على الظن سلامة الأمداد من التفاوت الكبير، كما لو وجد أحد أمداداً أو أصواعاً ترجع إلى زمن قديم، وتأكدنا من إسناده ودقة رجاله، أمَّا والأمر كذلك فالذي يظهر لي الأخذ بالطريقين الأوليين، وأدقُّهما هو الطريق الأول، وبه يتحقق اليقين؛ لكونه الأقل، مع أن الأمر على التقريب لا على التحديد؛ ذلك أنه لا يمكن ضبط الصاع النبوي على التحديد؛ لعدم وجوده بعينه، أما وزنه ثم نقله فإنه لا يسلم من التفاوت مهما دق الوزن وتماثل (٢) .
كما أن الحسابات مهما بلغت فلا بد فيها من الخلل؛ نتيجة اختلاف المآخذ والأقيسة، وهذا هو الموافق لمقاصد الشريعة القائمة على التيسير، والذي يتأكد مراعاته هنا، لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم "إنَّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" (٣) .
فما كان من جنس تلك المسائل، وشقّ ضبطه على التحديد فيكون الأمر فيه على التقريب، ولا يعني ذلك التفريط، بل يجب الاجتهاد في الوصول للحق مع عدم اطّراح التقادير الأخرى، لاسيما المقاربة والقائمة
(١) انظر: تحديد الصاع النبوي ص ٦٥.
(٢) انظر: المقادير الشرعية ص ١٠٧.
(٣) رواه البخاري برقم ١٧٨٠، ومسلم برقم ١٨٠٦.