مختارات من : طوق الحمامة في الألفة و الألاف / باب من أحب بالوصف
2008-07-17
للإمام الفقيه : ابن حزم الأندلسي ( أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد )
ضبط نصه : الطاهر أحمد مكي
و من غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينة ، و هذا أمر يترقى منه إلى جميع الحب ، فتكون المراسلة و المكاتبة ، و الهم و الوجد ، و السهر على غير الإبصار ، فن للحكايات و نعت المحاسن ، و وصف الأخبار ، تأثيرا في النفس ظاهرا . و أن تسمع نغمتها من وراء جدار ، فيكون سببا للحب و اشتغال البال.
و هذا كله قد وقع لغير ما واحد ، و لكنه عندي بنيان عار على غير أساس ، و ذلك أن الذي أفرغ ذهنه في غير هوى من لم ير لا بد له إذ يخلو بفكره أن يمثل لنفسه صورة يتوهمها ، و عينا يقيمها نصب ضميره ، لا يتمثل في هاجسه غيرها ، قد مال بوهمه نحوها ، فإن وقعت المعاينة يوما ما فحينئذ يتأكد الأمر أو يبطل بالكلية. و كلا الوجهين قد عرض و عرف ، و أكثر ما يقع هذا في ربات القصور ، المحجوبات من أهل البيوتات مع أقاربهن من الرجال ، و حب النساء في هذا أثبت من حب الرجال ، لضعفهن و سرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن ، و تمكنه منهن.
و في ذلك أقول شعرا ، منه :
و يا من لا مني في حب من لم يره طرفي
لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
فقل : هل تعرف الجنة يوما بسوى الوصف
و أقول شعرا في استحسان النغمة دون وقوع العين على العيان منه :
قد حل جيش الغرام سمعي و هو على مقلتي يبدو
و أقول أيضا في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية :
وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما وصفوا علمت بأنه هذيان
فالطبل جلد فارغ و طنينه يرتاع منه و يفرق الإنسان
و في ضد هذا أقول :
لقد وصفوا لي حتى التقينا فصار الظن حقا في العيان
فأوصاف الجنان مقصرات على التحقيق عن قدر الجنان
و إن هذه الأحوال بين الأصدقاء و الإخوان ، و عني أحدث.
· خبر :
إنه كان بيني و بين رجل من الأشراف ودّ و كيد ، و خطاب كثير ، و ما ترامينا قط ، ثم منح الله لي لقاءه ، فما مرت إلا أيام قلائل حتى وقعت لنا منافرة عظيمة و وحشة شديدة متصلة إلى الآن ، فقلت في ذلك قطعة ، منها :
أبدلت أشخاصنا كرها و فرط قلى كما الصحائف قد يبدلن بالنسخ
و وقع لي ضد هذا مع أبي عامر بن أبي عامر ( 1 ) رحمة الله عليه . فإني كنت له على كراهة صحيحة و هو لي كذلك ، و لم يرني و لا رأيته ، و كان أصل ذلك تنقيلا يحمل إليه عني و إلي عنه ، و يؤكده انحراف بين أبوينا لتنافسهما فيما كانا فيه من صحبة لسلطان ، و وجاهة الدنيا. ثم وفق الله الاجتماع به فصار لي أو الناس ، و صرت له كذلك ، إلى أن حال الموت بيننا.
و في ذلك أقول قطعة ، منها :
أخ لي كسّبنيه اللقاء و أوجدني فيه علقا شريفا
و قد كنت أكره من الجوار و ما كنت أرغبه لي أليفا
و كان البغيض فصار الحبيب و كان الثقيل فصار الخفيفا
و قد كنت أدمن عنه الوجيف فصرت أديم إليه الوجيفا
و أما أبو شاكر عبدالرحمن بن محمد القبري ( 2 ) فكان لي صديقا مدة على غير رؤية ، ثم التقينا فتأكدت المودة و اتصلت و تمادت إلى الآن.
هوامش :
1 – الحديث أكيدا عن ابن لعبد الملك المظفر ، و ينفي أننا بصدد المظفر نفسه فارق السن بينه و بين ابن حزم ، فلقد كان والد ابن حزم و المظفر نفسه في خدمة هشام الثاني المؤيد ، كما يفهم ذلك من كلام المؤلف.
2 – ترجم له الضبي في كتابه ( البغية ) الترجمة رقم 1107 ، و أورد اسمه كاملا : عبدالواحد ( بدلا من عبدالرحمن ) بن محمد بن موهب بن محمد التجيبي ، أبو شاكر ، و يعرف بابن القبري. و قال إنه فقيه محدث أديب خطيب ، نشأ بقرطبة و سكن شاطبة ، و ولى الأحكام بها ، و أورد له الضبي ، برواية ابن حزم ، أبياتا من الشعر ، و ذكر أنه توفي عام 456 هـ = 1064 م .
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |