مختارات لشعراء من عامودا / جولان حاجي / مقداد خليل / علي جازو ـ قصائد جديدة
2007-09-14
بابٌ موارب ـ جولان حاجي
-1-
إلى ميديا عرفات
مَنْ إذا التقاني مطلعَ الصبح
سيسكبُ رمادي في البحر المجنون ؟
مَنْ سيأتي الآن
لينحرَ ثعبانَ انتظاري الضخم ؟
أيُّ صوتٍ سيدثّرني بفرائهِ الناعم ؟
يدورُ المفتاحُ المنسوخ في القفلِ الصدىء
فأقولُ أتيتِ
و يربكني ذهولي
فأخفي رقمَ هاتفك المدون على تذكرة سينما
و أهرعُ حافياً إلى العين الساحرة
يرنُّ حذاءٌ في ظلمةِ الدرج
فأقولُ سئمتِ فضللتِ إليّ
تلمعُ أزرارٌ مقطوعة عبر النافذة المقلَّمة بالمطر
فأقولُ اختطفكِ روّادُ المقهى المهجور
أو قتلكِ أقرباؤك النحيلون
و أراقوا دمك ساخناً على حشائشِ التلال
و من الآن فصاعداً
لن تأتي
و ساعةُ المنبّه ترجُّ حقيبتكِ
لن تطرقي بأنفِ حذائك أسفلَ بابي .
َنْ سوايَ أخفتُ
بضحكتي القصيرة ؟
في الباب المُوارَب
«مرّةً ، خلفه ،
و رذاذُ نيسان قد أطالَ شعرَها ،
أطفأَتْ كلَّ نور
وتهامسا
همساً مُبْهماً لم يُعْطَ لأحد»
مرّة ً أخرى
أنّةٌ خفيضة
خطواتٌ بطيئة غيرُ واثقة قطّ ؟
-2-
المنزل
مهدُكَ
مطوَّقٌ بالسكاكينِ و المقصات
يا ابناً وحيداً
بين بناتٍ كثيرات.
تتسلّى بك الورقةُ الفارغة
تشعلُ بالكحولِ نصلك
و تضيءُ ممشاك في المنزلِ الأسود
هناك ،
أسْرَرْتَ كلَّ ليلةٍ
هامساً تقول :
لا تسألِ المزيد،
عُدْ إلى البيت .
على هذهِ الأرض ، ههنا ،
أنهككَ الحبُّ فاصمتْ .
أريدُ احتفالي الأخير
في حضنِ النار
هادئاً
كجنازةٍ يُعَدُّ مشيّعُوها
على الأصابع
جافّاً
كنشيجٍ بلا دموع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-2-
مقداد خليل
ماء النسغ
كدتُ أنسى الأزرقَ أبي .
في غبار كتابه الأصفر (معجم ألفاظ القرآن) بثَّ من حياته .
الهيكَلُ العظمي النحيف يذود ُعن قبره ، لا ريب .
كلّ قبر ٍ شُرِّعَ لقوا هياكلَه قصفاً ، أو حطاماً .
صفحاته المتقدمة منثنية . لعلها علامة على لفظ منه، أو دلالة على اختلال حال .
وسط الكتاب قرأت نقشه ، دون حفظ تاه مني ،
إشارات موجزة حول جمل بعض الآيات بحبر الرصاص، على قصاصة كأنها من جنس الكتاب.
مذ رجعت لبيتي لا يخامرني إلا اضطراب ثقيل .قبلة اللقاء فوق راحتي الأم جرت كمصافحة بين مريضين ،
وسألت عن العقارب . كم واحداً سحقتم؟
واحداً في حجرة الأخت الباسلة . حجرتها طين غير جدار الشرق إسمنتٌ تشاركها إياه أخرى منهارةُ السقف .
إن نقصت العقاربُ فالمحنة كبيرة . كذلك فكَّرت .
شروط المهابة القديمة قد تلغي هذا المسخ ، ما استبنت منه سوى الرائحة .
أطبقت الغلافَ المجلد المفتوح على الثنيات ، إن لها دوراً في استنشاق المعاني .
على سريري بالباحة مَنْ انتظرَ منذ المساء ، ليلقنني عما سألقى كلَّ شيء ،
لكنْ ، حرفاً لن أسمع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-3-
علي جازو
حيثُ يشعُّ حزني
( قصائد هالة )
عليَّ أن أصمت يا هالة، عليَّ أن أصمت.
آلاف الكلمات. آلاف من الكلمات، لأجلها
عليَّ أن أصمت، عليَّ أن أحمي خيبتي!
هي شجيراتٌ تزرَقّ بداخلي مثل نجوم مختنقة،
وعطرُ أزهارها يسيل من فمي المرتجف الداكن.
وجهُ اللحظة هذه كأنه سماء في حضني!
الشفتان مطفأتان ساهمتان، وقلبي هناك
بقوة أكبر يخفق ويخفق مثلما طفل خائف
يركض على سجادة حمراء ذات أشواك!
الشِّعر، الشِّعر. آه نضوجُ غياب أبديّ.
أيتها الحجارةُ المارّةُ لا تشتمي أحداً غيري،
لا تعنّفي المراهقَ الذابلَ عند الناصية مثل جرو جائع!
هذا هو عملي كزهرة أولى على شجرة صغيرة،
وعينٌ خلف زجاج نافذة، وملاكٌ خلف سياج أحمر؛
حيث العاشق، كالمعشوق حائر، لا يحرّك ساكناً، لا يُرَى!
رغم حديد العالم، عليكِ أن تثقي بقلبي مثلما بكلب ذهبيّ،
مثلما ريشة تطير عبر شفتيّ الهاذيتين، شفتيّ الملتهبتين مثل عينيّ،
ومساءٌ بينهما، برهة، مثل توهّج عود كبريت أخضر الرأس!
لمسَتُكِ، أو فقط أثر أصابعك على كوب لازوردي،
أغمضي عيني كي لا أراكِ، لئلا تتحولي إلى شيء حقيقيّ،
أرفعه معي خوفَ عشرة سيول تجرف روحي إثركِ!
دعكِ من كل شيء، وأنا من سيرسم ظلالكِ،
أنا من يلتهم قلبكِ. أراقبكِ ضاحكاً،
وأنتِ تنزعين دبابيس فستانكِ من صدري!
كبحّارٍ حالمٍ في جزيرةٍ ذات تلال بيضاء،
هو قلبي من شجرة إلى أخرى،
يخاطر بالطيران؛ رجاءَ ألف عشٍّ صامتٍ!
رأيتُ كلَّ الأحاسيس، ورأيتُ القلائد والأساور،
لكنْ فقط قرطاكِ المتهدلان الناعسان، وساعةُ يدكِ
الفضيةُ؛ حيث يشعّ حزني، حيث يشعّ حزني!
السماء بلا حياة، ولا شيء أقرب من قلب الحيوان.
صمتي ينمو مثل زنبقة تصدّأتْ تحت المياه،
وحنيني يلفّك، يجمّلكِ مثل شالٍ على كتفيكِ!
اتركيني، لحظةَ انسكاب نجمة، أظنّ أنكِ قربي.
أنّكِ لا تزالين تحرقين أنفاسي بين أسناني.
شجاعٌ؛ ذاك الذي يفني نفسه مثل نسر!
غائباً، غائراً، كنصل الندى في ضلع الفجر،
سأبقى قربكِ مثل هالة حول القمر، مثل
رطوبةٍ شفافة تحت ساق بنفسجة برية!
يكفيني أنكِ تتذكرين الفجرَ، تراقبين الأزهار.
لا أعرفُ إنْ كنتُ سأحيا بعدكِ مثل بخارٍ ثلجيّ،
وإذا متُّ أيضاً مثل حمامة بين يديكِ، مثل أمنية!
بلى، جبل الأمس، كان الأفضل،
لأن الذاكرة بلا عبء، مرآةٌ نقيةٌ؛
تعرفين كيف تعكس وجهكِ داخل عينيّ!
امنحيني كلمة تشبه فمكِ المغلقَ،
أنظري كيف تشعلين قلبي.
كلمة واحدة، ولا شيءَ غيرها سواكِ!
الكلمات التي تترنح ليست أبهى من طعنات خرساء.
دعي اللغات تمضي وحيدة، دعيها مخمورةً فاسدة.
أعطنيها يدَكِ المشمسة؛ حيثُ ينبض قلبُكِ في وريدِ رسغك الشهيّ!
إني أتبعكِ على درجٍ حجريّ؛ نشطة أنت مرحة
كزهرة شمس، وفمي مغلق على قلبي، وعيناي
في شعركِ، وعيناي على كتفيكِ.
عبر اللهب، هما عيناكِ، عبر اللهب في
أصابعك البرونزية، أمرّ وأنحني مثل كاهن،
أعود وأرتمي مثل شحاذ لا ترينه أيتها النائية.
أبعد مني، يا هالة، صوب شرّ أقوى من الخلود ذاته،
ها أنا ذا أستسلم مثل سكران مُهان، وعلى يدي
عبير جسمك، وعلى يديَّ طفولتي.
عن موقع أبابيل نت
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |