قصة / الطريق إلى المستشفى
2008-01-01
- لا أحد يعلم ما يمكن أن يسببه لك الهبوط في ثقة النفس من كوارث، اسألني أنا.هذا هو اليوم الثاني ولم أصل المستشفى التخصصي بعد. خرجت من الأحساء بالأمس صباحا,لكني ضللت الطريق، مررت بالقصيم والخرج, لا أعلم لماذا، لكن للهبوط في ثقة النفس علاقة بما يجري بالتأكيد. أخبروني عن الهبوط في المستشفى .. إن أردت الحقيقة فأنا لا أعرف ما معنى الهبوط في ثقة النفس. أعرف هبوط المضليين وأعرف الهبوط في ضغط الدم وعرفت من جدتي أن هناك ضغط للعين حين كانت تتكلم عن المياه الزرقاء والبيضاء وسمعت عن اختلاف الضغط على الأذن حين تغوص تحت الماء. كل هذا سمعت به يا صاحبي إلا هذا الهبوط في ثقة النفس لم أسمع به بتاتاً قبل أن يخبروني عنه في المستشفى.رغم أني صدمت لإصابتي بهذا المرض الغريب إلا أني لم أشأ أن أسألهم عن معناه لكي لا ينظروا إلي نظرة المتخلف عديم الثقافة، تعلم يا صاحبي أننا ينبغي أن
نبدو على أحسن ما يرام لكي لا يحتقرنا أحد. كما أني يا صاحبي لا أعلم حتى الطريقة التي قاسوا بها ضغط الثقة ليكتشفوا هذا الهبوط. فقط لفّوا حول ذراعي قطعة قماش ونفخوها لتضغط على ذراعي ثم خففوا الهواء تدريجياً. هذه الطريقة لا تقيس ضغط الثقة أليس كذلك ؟ إنها تقيس ضغط الدم, أعلم ذلك . أنا أعلم الكثير من الأشياء. فقط هذه الثقة التي لا أعلم عنها شيئاً.
- أوه .. لماذا مضيت يا صاحبي قبل أن تخبرني عن الطريق إلى المستشفى التخصصي إن زوجتي في السيارة منزعجة كثيراً ومعها ابنتي المسكينة!!
- لماذا لا يمتلك الناس الصبر على السماع ؟؟
- .. سأكمل لك أيها الصديق من حيث انتهيت مع صاحبنا الأول فأنا أحترم الآخرين وأقدر وقتهم الثمين. صدّقني يا سيّدي أن الهبوط في ثقة النفس مزعج كثيراً وأنا أريد الذهاب بابنتي إلى المستشفى. إنها في الثالثة من العمر وهي تعاني من حول حاد. لا يمكنني أن أشرح لك معنى الحول بدقّة ولكن تخيّل أن هناك ضوءاً يخرج من كل واحدة من عينينا. من الطبيعي أن يسير الضوء بشكل مستقيم ومتوازٍ لكي يذهب ويعود إلى العين بالصُّور أليس كذلك؟؟ الحال عند ابنتي أن خيطي الضوء يتقاطعان بعد قليل من خروجهما من عينيها ولا أعلم كيف ترى ابنتي المسكينة الأشياء؟ هل تراها مقلوبة أم أنها ترى الذي على اليمين من جهة اليسار؟ أعتقد أن ما يحدث لضوء عيني ابنتي حدث لي حين قدت السيارة إلى القصيم ثم الخرج قبل أن أصل إلى الرياض .. ربما يكون التفاف الطرق على بعضها أمراً يحدث للناس الذين يعانون من هبوط ثقة النفس ؟ هل توافقني الرأي يا سيّد ؟؟
- أووه .. ها قد مضى هو الآخر قبل أن أسأله عن حاجتي !! هل طلبت شيئاً كثيراً؟؟ إنه مجرد طريق !! هل يصعب عليهم أن يدلّوني على المستشفى ؟؟
- زوجتي الحبيبة .. إن الدنيا كما يقول أبي, ليس بها خير, لا تجدُ حتّى من يدلّك على الطريق رغم هذا الزحام المتراصّ من البشر!! كتل بشرية كالسيل الجارف تسير بلا ضمائر ، خالية من القيم والدين والإنسانيّة. لكني لن أيأس، سأعود إليهم وأتوسل إليهم باسم الطفولة البريئة, لا تقلقي .ناوليني كتاب ( مهارات التواصل). أنها مشكلة قديمة بالنسبة لي. أسيء التواصل مع الناس أحياناً، لا بدّ أني قد ارتكبت خطأً ما.
الترحيب ثمّ المقدّمة ثم السؤال عن الصحة .. هذه هي المواضيع التي يتحدّث فيها الناس عادة مع العابرين لجذب انتباههم. إنّه أمر سهل جداً. سأطبقه بحذافيره.
- سيدي .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أسعد الله مساءك .. كيف صحّتك ؟ هل أنت على ما يرام ؟ آمل أن لا تكون قد مررت بمشكلة صحية تتعلّق بهبوط ثقة النفس . أظنه مرضاً يصيب العين .. أو ربما الأذن .. نعم نعم .. بالضبط الأذن .. لقد بدأت الأعراض تظهر عليّ بعد أن صفع المدير بسمّاعة الهاتف بينما كنت أنتظر الجواب منه .. ربّما كانت أذني متهيئة لتلقّي ردٍ ما, وحين تكون الأذن كذلك فهي في ضغط معيّن يسمح لها فقط بتلقّي الردّ, أما صوت الصفع بسمّاعة الهاتف فهو الصوت الذي لم تكن أذني مستعدّة لاستقباله ما أدّى إلى أن يختلّ الضغط في أذني فتحدث لديّ هذه الحالة اللعينة التي تسمى هبوط ثقة النفس. أجل .. أجل فهمت الآن .. إننا كبشر لا نخلو من عيوب في التصنيع تؤدي إلى أن نصاب بالخلل لأتفه الأسباب. أشكرك يا سيّدي لقد ساعدتني على فهم المشكلة. أشكرك وأتمنى لك أوقاتاً سعيدة ...
أوه يا إلهي !! .. ما الذي يجعلني أنسى في كلّ مرّة أن أسألهم عن طريق المستشفى ؟؟ يبدو أنهم لطفاء إلى درجة إلهائي عن الهدف الذي يجعلني أبدأ الحديث معهم ! سأسأل هذا مستعيناً بفكرة جديدة في الكتاب لكي أبدو أكثر لباقة، سأستخدم عنصر الهوايات المشتركة ما دام الرجل يرتدي ملابس رياضية :
- طاب مساؤك يا سيّد .. إنها رياضةٌ جميلةٌ رياضةُ المشي أليس كذلك؟؟ .. الحقيقة أني لم أمارس أي رياضة طوال حياتي .. مدرّس الرياضة قال أني لن أنفع لأي نوع من أنواع الرياضة فقلت لا بدّ أن مدرّس الرسم سيهتمّ بالشجرة التي رسمتها لكنه لم يفعل هو الآخر .. أوووه .. أين ذهب هذا الأحمق أيضاً؟؟
- ( مدخل الطقس سيكون مناسباً) .. مساء الخير يا سيّدي .. كيف أمكنكم العيش في هذا الجوّ الخانق وهذه الحرارة القاتلة .. لا بد أنكم مثلنا تنتمون إلى فصيلة الجمال ..
- ( ربما مدخل التعليم ) .. أهلا يا سيدي يبدو من نظّاراتك أنك متعلم ومثقف وتقدر قيمة القراءة، لقد قرأتُ الكثيرَ من القصص والروايات البوليسيّه ...
- صدّقيني يا عزيزتي .. ليس الأمر بيدي .. أعلم أن وقت الموعد قد اقترب كثيراً لكنهم لا يرغبون في الاستماع إلى كلامي ..
- انتظرني دقيقة يا سيّد .. لقد نسيت .. ما أعرفه أنه التخصصي فقط, لكن لا يمكنني إجابتك إن كان الملك فيصل أم الملك خالد .. يجب أن أتأكد من الأوراق أولاً .. أريد أن أكون دقيقاً، انتظرني دقيقة سأذهب للسيارة .. يتوجّبُ عليّ أن أتحرّى الدقة لكي لا أخدعك .. لقد ربّاني أبي على الأمانة والأخلاق الطيبة .. ناوليني الأوراق يا عزيزتي بسرعة .. لقد كانت هنا قبل قليل .. دقيقة أخرى من فضلك .. أووه ..
- ( المهنة إذاً ) .. أنا أعمل موظفاً في شركة يبدو أنكَ موظف مثلي .. هل يُغْلق مديرك الخط بوجهك ؟ انتظرني أريد أن ...
- وأنت .. يقولون أن الحكومة ستنشئ جسوراً معلقة من أجل المشاة ، من أجل المرضى على الأقل, يقولون أنها ستكون من عجائب الدنيا .. ستنشئها شركة بابليّة ..
- هذه هي ابنتي .. أنظروا إليها .. صدّقوني أني أريد أن أذهب بها إلى المستشفى لأنها تعاني من حولٍ حادّ , هل تشترطون عليّ أن أفهم معنى الحول الحاد لكي تصدّقوني ؟؟ هه .. ولكني لا أعرف حتى معنى هبوط ثقة النفس !!!
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |