ابراهيم الجرادي لا تطلق الآخرين على نفسك
2008-07-14
ما إن انتهت الكلمات الرسمية، المؤذنة بافتتاح فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان الشعر العربي بالرقة، حتى أُعلن عن بدء تكريم الشاعر الرّقي ابراهيم الجرادي.
ورغم أن المهرجان قد تأخر في تكريم هذا الشاعر في الدورات السابقة(ربما لتواجده خارج سورية منذ ما يقارب العقدين من الزمن) إلا أن التكريم تم بطريقة تليق بالجرادي وتجربته الإبداعية وخدماته الكبيرة التي قدمها للقصيدة السورية بشكل خاص، لاسيما على مستويي القصيدة التجريبية وقصيدة النثر .
منذ منتصف السبعينات كان الجرادي يتخلّق كحالة مفارقة في المشهد الشعري السوري،فهو، وما إن أعلن ديوانه الأول (أجزاء ابراهيم الجرادي المبعثرة) عن نفسه عام 1981 حتى أصبح حالة شعرية تقضّ بنصها الآبق مضجع القصيدة المطمئنة، أما عندما ظهرت مجموعته الثانية (رجل يستحم بامرأة) عام 1982فقد كان هذا إيذانا بأن على الجرادي ان يعدّ نفسه ليصبح (كاريزما) شعرية تلتف حولها الأجيال الجديدة، ومع ظهور ديوانه الثالث (شهوة الضد) بات الجرادي واحدا من (نجوم) الشعر السوري، يقصده الشعراء الشباب ليظهّر لهم شهادات أدبية على أغلفة دواوينهم.
منذ منصف التسعينات تقريبا لوحظ تحول في تجربة الجرادي الشعرية التي أصبحت أقل بطئا وحضورا، كما لوحظ تنامي ميوله النقدية وانصرافه اللافت إلى الدراسة والتنظير، خصوصا بعد حصوله على الدكتوراة في الأدب المقارن وسفره الطويل إلى اليمن للعمل في جامعاتها وبهذا بات الشعر أقل كثافة في حياته، ليغيب تقريبا عن الواجهة ولا يظهر إلا بشكل متقطع، وفي مرات قليلة منها ديوانه (عويل الحواس)، وكذلك في ديوانه (دع الموتى يدفنون موتاهم) وهو الأخير له حسب ظني.
ما يحدث للجرادي كان، وسيظل مثار أسئلة، بالنسبة لي على الأقل، حول المآلات الأخيرة لتجربته، خصوصا وهو يظهر أثناء التكريم موزعا بين قصيدة التفعيلة، التي لم تخلصها جمالياتها وحنكتها وحداثة بنائها وخبرتها، من بعض أثقالها وفائضها كما في تلك اللازمة التي اتكأ عليها طويلا وبدت متعبة لنا وللقصيدة، وبين القصيدة التقليدية (العمودية)، وهي التي كانت أكثر استيقافا لنا، موقظة فينا أسئلة الشعر القديمة، تلك التي كنا نظن بأننا قد أشبعناها سجالا وخصومات وبحثا وتقريظا، وأننا قد أصبحنا على مشارف غيرها من الأسئلة، سيما وأن الجرادي كان يعيدنا إلى مربعها الأول، وهو يقدم أسبابا لكتابتها وإحضارها إلى المنابر، منها أنها ردّ على متهمي القصيدة الحديثة وشاعرها بنقص ثقافة الوزن والقافية ..؟
ما الجديد في الأمر يا صديقي ..؟
منذ أن أنشب الشعر حواسه في أرواحنا ونحن ننصت إلى هذه التهمة ونرقب تآكلها، خصوصا مع تنامي إصرارنا على إثبات وجود الشعر في منطقة بعيدة عن الوزن والقافية ..
لماذا عاد الجرادي، بعد شغب شعري طويل، ليصوغ دفاعا (غير مجيد) عن قدرات الحداثيين، مقارعا بالقصيدة التقليدية أصحابها الرسميين ؟
هل هي محاولة منه لاستعادة قرار( المعركة)، هذا الذي تخلى عنه طائعا ذات يوم ، ويجدد حربا شعرية على أرض خصومه، وبأدواتهم، أم أنها أثبات لامتلاك صنوف الكتابة وتقنياتها المختلفة، تندرج في محاولات فائضة لإثبات الذات، وهذه لا يحتاجها الجرادي الذي يقول أرشيفه الشخصي بأنه مجدد بارع ورائد .. والرائد لا يكذب أهله ..؟!
لم يكن مطلوبا من الجرادي بالذات كل هذا، خصوصا وأن (مغامرته) العمودية عانت من الأمراض نفسها التي يعاني منها معظم ما يطرحه هذا الشكل من القصائد، كالحشو والتكرار والديباجة ..
ما الذي يدفع الجرادي إلى شكل من الكتابة لم يكن ممتلئا به، ثقافة وممارسة، طوال تاريخه الشعري، قد يكون
للشاعر كبواته، تماما مثل الحصان، وقد يرتد إلى الوراء في لحظة إحساس ما، ولكن هذه من أخطاء الشاعر، وستبدو واضحة للعيان، وبقوة إذا ما ارتكبت من شاعر يمتلك حضوره في المشهد الشعري الذي ينتمي إليه ويتميز موضوعه الشعري بطلائعيته و فرادته..
إن مسؤولية الشاعر كبيرة وعليه أن يعي المطبات التي تعترضه كي لايجترح جريمة في حق مسيرته الشعرية، بالعودة إلى شكل لم يكن ممتلئا به أو إلى نمط متخلف لا يتناغم مع ما أنجزه من معرفة مضنية، ولقد لمسنا هذا التذبذب وهذه المطبات لدى شعراء عديدين وكانت بمثلبة الضربة القاصمة لمصداقيتهم الشعرية .
ابراهيم الجرادي .. أيتها القامة المديدة ..
يقيني بأنك ما زلت تقف على أطراف روحك موقنا بأن شجرة الشعر ما زالت عالية .
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |