كيف إنتصر سيد قطب على طه حسين ؟
خاص ألف
2006-09-27
تهيمن على حياتنا دائماً فكرة القطب الواحد , بمختلف أشكاله . فنحن من أنصار أحادية متزمتة في كل شئ , لا تقبل الأخر ولا تفسح له المجال , وترفض الحوار معه . لذلك غرقنا في قلب الجمود بلا تغيير أو ثورات ولا تمردات . لأن الأخ الأكبر يراقب تحركاتنا وهو موجود في داخلنا يمنعنا من التنفس بحرية ويراقب كل شئ , حيث أنه لا ينام على الإطلاق ! .
كراهية الأخر منعت المفكرين من الثورة والتمرد . وكل ثائر في داخل فكرنا على إمتداد الأحقاب , أعاد مرة أخرى إلى نهر المحافظة والتقليد , لأن الواقع متجهم وقاس بشكل همجي للغاية . وإذا تأملنا مسيرة مفكرين لدينا , سنجد ثورة في البداية ونهاية جامدة بلا أفكار أو تجديد . والسبب قسوة رد الفعل العنيفة من مجتمعات محافظة لم تحقق التغيير ولم تشد صناعة ولم تتقدم نحو اختراع علمي . فنحن شعوب تأكل ولا تفكر . وأحيانا كثيرة هذا الأكل غير موجود فنحلم بالحصول عليه , ويظل الأمل في ملأ البطون والعقول خاوية ! .
وكل الذين ثاروا , عادوا مرة أخرى إلى صفوف المحافظين . ولعلنا نذكر د . طه حسين , الذي تمرد على الأزهر والتعليم الديني التقليدي وعلى البحث الذي لا يضيف شيئاً . وجاء بنظرية الشك الديكارتي لإعادة قراءة التراث . وجاء الرد على ثورة طه حسين بشكل عنيف وعبر حركة غضب وصلت إلى اتهامه بالإلحاد , مع أنه كان يتحدث عن الأدب والشعر ! .
وإلى الآن تصدر الكتب التي تتحدث عن طه حسين باعتباره الرجل العميل للغرب , وأنه كان يذهب إلى الكنيسة في فرنسا مع زوجته سوزان , إلى أخر هذا المسلسل السخيف . ومشكلة صاحب < الفتنة الكبرى > أنه طالب بتعليم الناس وجعلهم يفكرون ويكتبون ويبحثون . ورغم رحيله في أكتوبر عام 73 , لا تزال سيرته تُنهش ويتم الانتقام منه والتشهير بمواقفه .
وقد اختارت المنطقة مشروع سيد قطب , في تعبير عن كراهية الأخر ومعاداة العلم والبحث وحق التفكير بحرية مطلقة دون التقيد بضوابط أو ثوابت معينة .
وكان قطب مثل طه حسين , نفسه في بداية حياته يهتم بالأدب ويقرأ الأعمال المبكرة لنجيب محفوظ ويتحدث عنه ويبشر بإبداعه الأدبي . لكن المفكر جرى التعامل معه بقسوة وحشية داخل المعتقل , وخرج من السجن بنتيجة يؤكدها بأن هذا المجتمع الذي يستخدم العنف بهذا الشكل لا يمكن أن يكون إنسانياً أو مسلماً . ودعا قطب في كتابه < معالم على الطريق > إلى هجرة المجتمع الكافر ومحاربته .
وطه حسين غير سيد قطب . وقد وجد أنه من الأفضل البناء في صرح التعليم حتى يتمكن المجتمع التنفس بحرية وعقلانية . فليس المهم ثورة المثقفين , وإنما الأهم وجود المجتمع الذي يقرأ ويفهم وينقد بحرية . وركز صاحب < الأيام > على الجامعة وجعل الدراسة حتى المرحلة الثانوية بالمجان . لكن جهد طه حسين , انتهى لتخريج متعلمين يؤمنون برسالة سيد قطب في كراهية الأخر , ورفض التعامل معه وتكفيره ! .
ونتيجة لهذا المناخ عانى حامد نصر أبو زيد من عملية تكفيره وإخراجه من جامعة القاهرة , صرح طه حسين وقلعة تنويره . فتلاميذ سيد قطب عاقبوا المفكر على الاجتهاد والبحث والنقد . وانتصر عبد الصبور شاهين على الباحث رغم مظاهرة التضامن من المثقفين حوله . ولم يتمكن أساتذة جامعة القاهرة من حماية المفكر وأبحاثه فقد خرج من الجامعة ومن مصر كلها , وصدرت الفتاوى تجرم الكاتب صاحب الدراسة المبدعة < التفكير في عصر التكفير > .
ومشروع طه حسين استند على نهضة وتدريس التراث اليوناني مع الروماني , للوقوف على فلسفة الأساطير الأدبية وقراءة الشعر والملاحم القديمة وفهم طبيعة القانون الروماني . لأن النهضة تستند على محورين الثقافة من جانب ومظلة القوانين من جانب أخر . لكن إرث سيد قطب تركز على هجرة المجتمع الكافر , وتأسيس ولاية أخرى تشن الهجوم عليه , وتفرض الحجاب وإطلاق اللحى ومجابهة الأفكار البديلة , التي كانت تتحدث عن نهضة وعلوم وبناء صرح الصناعة .
فشل مجتمع طه حسين في تقديم نهضة صناعية تعتمد على الفكرة ونقيضها . وظل المجتمع الزراعي كما هو يفرز العادات الريفية في تحجيب المرأة وعزلها ورفض التعليم والتمسك بالظاهر والأشكال والتقاليد .
وسيد قطب , أهم من طه حسين . وبينما يلعن الأخير علي الجندي في كتاب عنه , يصدر يوميا عشرات الكتب والتفسيرات التي تتحدث عن الشهيد وتعاليمه ودراساته وفكره ومحنته في السجن , والتي انتهت بإعدامه . وفكر قطب أفرز طالبان وأيمن الظواهري , بينما طه حسين امتداده هو حامد نصر أبو زيد الذي احتجب خوفاً من التصفية , كما حدث مع فرج فودة و محاولة الاعتداء على نجيب محفوظ .
وقد إستمر د . حسن حنفي في الإجتهاد على أمل التوفيق بين الإسلام واليسار والتعددية والجهاد الذي يتصدى للعدو , ويؤيد التنمية . واعتقد حنفي أن الظروف الفكرية تسمح له بطبخ هذه الأفكار في توليفة واحدة قادرة على الإقناع . لكنه لم يدرك المتغيرات وانتصار المشروع السلفي على الأرض . وظهر له مؤخراً عبد الصبور شاهين مرة أخرى ووجه له تهمة التكفير وأنه خارج عن الملة . فعبد الصبور لا يقبل الاجتهاد ولا يرحب بإعمال العقل ويعتبر من تمنطق فقد تزندق .
إن حالنا الآن مثل العصر الوسيط في القارة الأوروبية تماماً مع انحصار فكرة التنوير وتجريمها وزيادة الجرعة الدينية وانتهاء الاجتهاد واعتباره كفراً وخروجاً عن العقيدة .
ولا تزال عائلة الشيخ على عبد الرازق , تمنع إعادة طبع كتابه < الإسلام وأصول الحكم > الذي تعرض لهجوم كثيف منذ صدوره في القرن الماضي , نتيجة نفيه لوجود فكرة الخلافة في النصوص الإسلامية . وكان الكتاب عندما صدر يلبي حاجة لمجتمع يرفض < الأوتوقراطية > التي تريد التخفي باستبدادها وراء الدين ! .
والأحوال الآن تقر بالاستبداد بمختلف أشكاله على ساحة السياسة والفكر . ولا يبقى سوى الأدب والرواية بالتحديد في إطار التحدي والرفض ومواجهة مجتمعات تنزلق بإرادتها إلى هوة سحيقة .
والرواية تملك أدوات التخفي , كما قالت < سوسن حماد > في < السكرية > لنجيب محفوظ .
إن الرواية التي تنتشر في مصر والعالم العربي والخليج تحمل الصورة الأخرى من الكشف والبوح . ولعل تمكن نجيب محفوظ من نقد كل شئ وعدم تعرضه للاعتقال والتصفية هو الذي يشجع كُتاب شبان استخدام هذا الشكل . ورغم أن محفوظ واجه محنة روايته < أولاد حارتنا > بجلد شديد فإن استمراره في الكتابة كان يعني قدرة فن الرواية على هزيمة كل التحديات الأخرى .
وإذا أردت معرفة نبض هذه الأمة , الذي يتفاعل رغم الضغوط والحصار , يمكن مصافحة حجم الروايات العربية التي تصدر بلندن على وجه الخصوص . لكن القوى التحريضية ضد الإبداع بدأت عملية الهجوم المضاد والعنيف ضد محاولات شابة وجريئة تحاول الحديث والبوح بصراحة وصدق . وما تتعرض له كاتبة سعودية رجاء عبد الله الصانع يكشف المستور بالفعل .
إن خنق الأفكار يترتب عليه خروج التعصب والاندفاع نحو الصدام مع الأخر ورفضه واحتقاره وتوجيه السهام إليه . وقد يكون هذا الآخر , هو نحن بالسباحة في نهر مختلف يتعلق بمشروع النهضة الذي جاء مع جمال الدين الأفغاني , محمد عبده , طه حسين والعقاد وغيرهم من أسماء حفرت في المجتمع قيمة الحرية والدفاع عن حق الأخر في الحديث والكلام .
والملاحظ أن المنابر النهضوية تضيق , بينما الأخر يتسع وينتشر . والحوار كله الآن يجري في دائرة الفكر الديني , ليس على طريقة الأفغاني ومحمد عبد , وإنما بنهج سيد قطب وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري والملا عمر .
إن لدى توفيق الحكيم رواية مبكرة إسمها < عصفور من الشرق > تكشف طموح أبناء فترة النهضة المنبهرة بحضارة الغرب , بالموسيقى والأوبرا وأشعار مالارميه وألحان بيزيه في < كارمن > المدهشة . كان هذا طموح الماضي في بناء نهضة تقوم على الفن والموسيقى ودراسة أدب الغرب وفكره لأخذ الثقافة والتفكير الحر . وكانت هذه الموجة لرواد أمثال أحمد لطفي السيد ومحمد مندور ولويس عوض , تتطلع إلى محاكاة مشروع الإنسانية الحضاري , رغم أن البلاد العربية كانت تحت حكم المستعمر المتعنت .
ورغم الاستعمار فإن فريق الطليعة النهضوي , فرق بين الإحتلال وفكر الغرب عموماً في إتاحة الرأي وحرية التعبير وترك الفن يجول في عالم الإبداع .
وفي لندن اطلعت على كتاب يلوم فيه كاتبه المصري , رافع رفاعة الطهطاوي , لأنه كتب عن باريس , عندما ذهب مع البعثة التي أرسلها الوالي محمد علي . ويصف الكتاب رفاعة بأنه أول من فتح وبشر بفكر الغرب في عالمنا العربي الإسلامي ويلومه بشدة على ذلك . والطهطاوي مؤسس مدرسة < الألسن > في القاهرة . وكتب عن الدستور الفرنسي والبرلمان والمعارضة , وتمنى أن ينقل العالم العربي هذه المنجزات إلى حياته . لكن مشروع الطهطاوي يدوسه الأن أيمن الظواهري بكراهية صريحة لمشروع النهضة كله . وقد تم دهس هذه الأمنية الحضارية بأحذية الاستبداد السياسي من جانب وصعود القوى الدينية من ناحية أخرى , وهي الصدى لتحالف الفساد مع الاستبداد . وأصبحت الجماهير التي كان يحلم طه حسين بتعليمها فريسة لمشروع سيد قطب بالكامل مع تفسيرات < طالبان > وشروحات أيمن الظواهري , الذي تعرض هو نفسه للتعذيب والمهانة في السجون , فكانت النتيجة أنه لم يعد يرى سوى الأحزمة الناسفة وتدمير المعبد على رؤوس الجميع ! .
إن فكر الأزمة يسدل الستار على مشروعات النهضة كلها ويعود لتعميق كراهية الأخر بكل فصائله . مع محاولة خنق موجة جديدة في الرواية العربية تسعى بالتمرد في صمت ودون ضجيج . لكن عيون المحافظين ترصد كل شئ ولا تفلت منها رواية أو قصة قصيرة . لقد فهم الرقيب المحافظ والسلفي رموز فن المدينة الحديثة , ويعمل على إعادة فرض تقاليد عالم الصحراء مرة أخرى مع إلقاء كل منجزات الحضارة الحديثة في سلة المهملات .
لقد كان طه حسين يحلم بالنهضة والعلم والحرية . لكن الذي انتصر هو سيد قطب و جسَدَ إعدامه تحفيزاً لإتباعه الذين , يؤكدون أن كتابه < معالم على الطريق > هو الدستور , وليس كتاب < مستقبل الثقافة في مصر > الذي وضعه طه حسين في تألق مشروع النهضة وكان وصيته الأخيرة التي لم يلتفت إليها أحد ! .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |