لماذا أضعنا الفرصة ؟!!
2008-07-26
دراسة في المضمر الثقافي العربي: بداية لكتابة تاريخ جديد
"لنشد الانتباه إلى الواقع كما هو حقيقة. ولنفعل ذلك بقوة؛ ذلك إذا ما أردنا تغييره... علينا أن نكون متشائمين في ذكائنا, متفائلين في إرادتنا"
أنطونيو غرامشي
... وهكذا عدنا من حيث أتينا. وكأن الأمر لا يعدو مشاهدة فيلم من أفلام الرومانسية, ثم الخروج من القاعة, لمواجهة زحمة الحياة، واستغوال القوة، وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات.. هكذا عدنا, وهكذا استقررنا في مأوانا، الذي لا مأوى لنا سواه, بعد أكثر من خمسين عاماً من الأحلام الجميلة, والكفاحات الجميلة, والشعارات الجميلة.. هكذا عدنا, والتفّ آخر مسيرتنا على أولها, ليعيد التاريخ نفسه بهذه الصورة المأساوية. لكأننا أبطال رواية من روايات السخرية السوداء!. فهل آن الأوان لجردة حساب؟.
لقد حصلنا على استقلالنا الوطني في منتصف القرن الماضي, ممنين أنفسنا بتحقيق الوحدة والديموقراطية والعدالة وحرية الإنسان... فكيف نرى المشهد الآن, بعد مرور أكثر من خمسين عاماً؟. ولو أننا أمعنا النظر في حال الإنسان العربي, والدولة العربية, والواقع العربي الآن, وقارناه بما كان عليه, قبل حصولنا على (الاستقلال الوطني) قبل خمسين عاماً, فهل نرى من فارق؟.
أعتقد بأن الجواب بالسلب. أو ربما، إن وجد مثل هذا الفارق؛ فهو فارق سلبي لصالح الماضي: أي أن حال العرب قبل خمسين عاماً كان أفضل. ولم يعد أحد يجادل في هذه الحقيقة.
كنا نناضل من أجل التحرر من السلطان الأجنبي. وها قد عدنا نفعل نفس الشيء, في بدايات القرن الواحد والعشرين. وما لم يتم احتلاله من أرضنا, فهو في الطريق إلى ذلك. والمسألة مسألة وقت، ليس إلا.
كنا نناضل لتحقيق الديموقراطية, أو للمشاركة في صنع القرار. وها قد عدنا نكرر نفس الشعار ـ الذي لم نستطع تحقيقه في مرحلة الاستقلال الوطني الماضية ـ بعد أن تنازلنا عن شيء من محتواه, لعل الحكام يشفقون علينا, أو يخجلون منا, فيهبونه لنا مجاناً, أو بعد بعض المظاهرات المحسوبة!.
كنا نناضل في سبيل الوحدة العربية. وها قد عدنا, مرة أخرى, نناضل في سبيلها, بعد أن أصبحت أبعد منالاً , كأنها السراب أمام عين المسافر في الصحراء.
كان يحكمنا الحكام الأجانب, فيجورون كثيراً ويعدلون قليلاً. فصرنا الآن نعاني من حكام (وطنيين) يجورون تماماً, ولا يعرفون العدل ساعة من نهار ـ ثم يعيروننا بأنهم هم الذين جلبوا لنا هذا (الاستقلال الوطني) ـ حتى صرنا نترحّم على عهود الاحتلال!.
كان يحكمنا حكام مستعمرون, ينهبون ثرواتنا, وينفقون علينا منها القليل. وصار الآن لدينا (أو علينا) حكام وطنيون, يأخذون ثروتنا بالكامل, ويسجلونها بأسمائهم الشخصية في البنوك الخارجية, ثم يتركوننا نهيم في الطرقات, ونأكل من المزابل, وننام على الأرصفة.
كان يحكمنا حكام من غير جنسنا, يكممون أفواهنا, ثم يفتحونها قليلاً لكي نمارس هواية الصراخ. والآن لم تعد لدينا صحيفة وطنية واحدة, تستطيع كشف ممارسات الحاكم, ومن تحدثه نفسه ـ في ظل الحكام الوطنيين ـ بأن يفتح فمه، فلا أحد سوف يعرف أين مكانه.
كانت بلادنا مقسمة فزادت تقسيماً, وكانت الحدود بيننا مصطنعة ومؤقتة, فأصبحت دائمة ودليلاً على الاستقلال. كان حكامنا ملوكاً فاسدين, فأصبحوا الآن رؤساء جمهوريات, من أخبث ما أنجبت هذه التربة من نبت مسموم, يورثون الكراسي لأبنائهم, مستعينين بصمتنا والمستعمر, بعد أن انقلبوا على أرباب الكراسي السابقين... والويل لنا, من محدثي النعمة هؤلاء, إذا نحن تنفسنا بطريقة لا تعجبهم.
والآن وقد حدث ما حدث, مما لم نستطع تغييره طوال خمسين عاماً, لا بد من جردة حساب, تبدأ بطرح الأسئلة المصيرية مرة أخرى.. هكذا تفعل الشعوب الحية بعد كل هزيمة: تنهض وتطرح الأسئلة وتحاسب الحكام, لأنه لا بد من محاسبة أحد. فلا بد للهزائم من أسباب, لأنها لا تأتي هكذا قدراَ. ولا بد للتراجعات من صانعين, لأنها لا تحدث من نفسها.. هكذا فعلت تركيا, بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وهكذا فعلت فرنسا, بعد هزيمتها أمام النازي في الحرب العالمية الثانية. وهكذا فعلت الباكستان, بعد هزيمتها وانفصال شطرها الشرقي, في بداية السبعينات من القرن المنصرم. وهكذا فعلت الأرجنتين, بعد هزيمتها أمام بريطانيا, في حرب الفوكلاند(1), في سنوات قريبة من ذلك التاريخ. وفي عز لحظات القهر والظلام والهزيمة, لم تحدّث أيّاَ من هذه الأمم نفسُها بالاستسلام, كما تفعل أمتنا الآن... بل لقد سبق لنا أن فعلنا ما يشبه ذلك, في فترات الصعود القومي القليلة, خصوصاً بعد هزيمتي1948 و1967 فلماذا لا نفعل ذلك الآن، قبل أن نفقد كل شيء؟.
لماذا يحدث لنا الآن ما يحدث, من دون الأمم, ثم لا نثور ولا نحاسب؛ بل إننا حتى لا نرفع الصوت!. ثم كيف له أن حدث قفز هؤلاء الحكام على أكتافنا, وكيف حدث لهم أن نجحوا في تغييب إرادتنا, وإلهائنا عن عدونا الحقيقي بأعداء وهميين؟!. وهل العيب فيهم وحدهم, أم فينا وإياهم؟. ثم من أين تسلل هذا العيب إلينا؟. وكيف قُدِّر له أن يغيّب وعينا خمسين عاماً, لنصحو فنكتشف أننا لم نحقق شيئاً مما وعدنا به أنفسنا سابقاً؟.
كيف حدث أن مر علينا نصف قرن من (حكم وطني) واستقلال محمي بتوازن قوى عالمي, دون أن نستثمر (عمرنا) في بناء الذات؟!. لماذا سبقتنا كل مخلوقات الأرض, التي تحررت من الاستعمار بعدنا, وحققت نسبة من التنمية والديموقراطية, التي لا نحلم بتحقيق جزء منها, في المستقبل المنظور؟. لماذا أضعنا ف
08-أيار-2021
حول رواية مصائر لربعي المدهون: ثرثرة مملة لكن لا تطبيع ولا ما يحزنون |
25-حزيران-2016 |
10-حزيران-2015 | |
28-شباط-2015 | |
12-كانون الثاني-2015 | |
23-تموز-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |