Alef Logo
ضفـاف
              

عبد السلام العجيلي ( أيقونة الرقة) يغفو على ضفاف الفرات إلى الأبد

2006-04-09

رحل عن 88 عاماً و40 كتاباً بين الرواية والقصة والمذكرات ... عبدالسلام العجيلي الطبيب السوري أغواه الأدب ومثاليته السياسية أبعدته عن عواقب ثورة «البعث»
بيروت - عبده وازن الحياة - 06/04/06//
كان عبدالسلام العجيلي الذي غيّبه الموت امس في بلدته الرقة عن 88 عاما يصر على تسمية نفسه روائياً هاوياً، لكن أعماله التي بلغت زهاء أربعين كتاباً خلعت عنه هذه الصفة وجعلته كاتباً محترفاً ذا مكانة مهمة في ميدان الأدب العربي الحديث. لكن هذا الكاتب السوري الذي كان طبيباً محترفاً يمكن وصفه بالسياسي الهاوي، على رغم تسلّمه مناصب وزارية ونيابية بين آخر الأربعينات ومطلع الستينات من القرن العشرين. وصفته السياسية هذه وعدم انحيازه العقائدي أنقذاه من العواقب التي واجهها بعض السياسيين السوريين غداة اندلاع ثورة آذار (مارس) 1963 التي أوصلت حزب البعث الى السلطة في سورية. ومنذ ذلك الحين لم يعد العجيلي يأبه للسياسة، مؤثراً دوماً عدم الخوض في «فخاخها».
كتب عبدالسلام العجيلي كثيراً من القصص والروايات والمقالات، ولم ينقطع يوماً عن ممارسة الطب فاتحاً عيادته امام جميع الناس، وعرف كيف يفيد من المرضى الذين يزورونه عندما كان يستمع الى حكاياتهم ومآسيهم الصغيرة وأحوالهم، ما جعله يرسّخ الطابع الحكائي في أعماله متحولاً هو نفسه «حكواتياً» بامتياز، لا سيما في قصصه ذات النزعة الفانتازية.
بدأ العجيلي مهنة الطب في السابعة والعشرين من عمره، وانتخب نائباً للمرة الأولى في الثلاثين. وفي هذا العمر اصدر مجموعته القصصية الأولى وعنوانها «بنت الساحرة». ويمكن القول ان العجيلي باشر حياته العملية على جبهات ثلاث، وحاول ان يمنح كل مهنة حقها فلا يتضارب بعضها بعضاً، لكن الطب كما كان يقول دائماً، استنفد الكثير من وقته وجهوده. ولذلك آثر الابتعاد عن التجمعات الأدبية والنوادي والتيارات، فكان صنيعه القصصي والروائي نسيج تجربته الشخصية واجتهاده الفردي. وساعدته ثقافته العلمية على تبنّي رؤية خاصة الى الحياة والعالم، وإلى الإنسان الذي كان ينقله من «العيادة» الى الفضاء الروائي بعد أن يحوله شخصية متخيلة وواقعية في الحين ذاته. ولعل عدم انخراطه في المعترك الروائي وانسحابه من السجالات الأدبية ساهما في جعل أدبه شبه كلاسيكي، يتفاوت بين الواقعية والفانتازيا والخيال العلمي في أحيان.
في هذا الصدد، يمكن اعتباره كاتباً كلاسيكياً في أسلوبه ولغته، وفي طريقة بنائه الشخصيات، وحديثاً في الموضوعات التي اختارها، لا سيما تلك المتعلقة بالمدن. وكانت حلب المدينة الأكثر وروداً في رواياته، فهو يعدها بلدته الثانية كما كان يردد. وإن ظل العجيلي، روائياً وقاصاً بعيداً عن التحولات التي طرأت على مفهوم الكتابة الجديدة وعن «المغامرات» الجريئة التي خاضها بعض الروائيين العرب الجدد، فهو اكتفى بتجربته الروائية التي تقوم على عناصر كلاسيكية كالتحليل النفسي للشخصيات والبنية الزمنية والمكانية البسيطة وغير المركبة...
كتب العجيلي روايات وقصصاً كثيرة حتى ليصعب على قارئه ان يتذكر أي قصة او رواية هي الأحب إليه. أعماله تتميز بالكثير من البساطة الجميلة والسلاسة، لغة ومناخاً وسرداً. ويصعب على قارئه ان ينسى شخصية السيد بوقلادة في «قناديل اشبيلية»، هذا الشخص الذي صدئ المفتاح الذي يحتفظ به بعدما أنهكه الحنين الى الماضي الأندلسي. وفي قصة «أيامي في جزيرة شاور» يكتب عن مدينة متخيلة بناسها وبالغرباء الذين غصت بهم وهيمنوا عليها. كتب العجيلي ايضاً عن فلسطين التي التحق دفاعاً عنها بـ «جيش الإنقاذ» العام 1948، وحرب 1973، واختار نماذج بشرية كثيرة من منطقة وادي الفرات، علاوة على حلب. واللافت انه في الفترة الأخيرة انصرف الى حكايات الحب والعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة. وروايته ما قبل الأخيرة «أجملهن» تدور حول علاقة بين سعيد (الرجل الشرقي) وسوزان (المرأة الغربية)، وقصة هذا الحب تنتهي نهاية رومنطيقية، فالحبيبان ينفصلان وتلجأ سوزان الى الدير لتصبح راهبة. اما روايته الأخيرة «حب أول وحب أخير» (2003) فلم تخلُ من بعض الملامح الإباحية.
كان عبدالسلام العجيلي طبيباً مثالياً وسياسياً مثالياً وأديباً مثالياً. هذا ما نمّت عنه حياته الغنية وأعماله المتنوعة ومقالاته التي دأب على كتابتها حتى السنوات الأخيرة. ومثاليته جعلته يبتعد عن المنابر منصرفاً الى مهنته، وجعلته في احيان يتخلى عن اسمه ليوقّع مقالاته بأسماء مستعارة .
ألق الحكاية النائمة
خليل صويلح الحياة - 06/04/06//
كان عبدالسلام العجيلي محطة أساسية في القراءة المبكرة، لا بد من التـــوقف عندها، مثله مثل جبران خـــــليل جـــبران، وإن من موقع مختلف. فهذا الحكواتي بامتياز، لطالما شدنا بعنف إلى عوالمه وشخوصه القدرية، وفضاءاته البدوية، لكن مرحــــلة النضج، أو هكذا كنا نعتقد، أقصت تجربة العجـــــيلي جانباً بصفته ممثلاً لنص سلفي، لا يليق بتوجــــهاتنا الماركسية الطليقة. وعلى رغم انني أنتمي إلى البيئة البدوية ذاتها، إلا أنني كنت أحلّق في فضاءات أخرى، تضع أعمال هذا الكاتب في الرفوف المنسية للمكتبة.
قرأت «ساعة الملازم» في وقت مبكر، فقادتني رغماً عني إلى صحراء غامضة، ورمال تدفن أسرار العابرين، ورائحة بارود الغدر. كنت أستعيدها كما لو أنها شريط سينمائي، ينبض بأرواح بشر، دخلوا مجاهل الرمل، وبات من المستحيل، أن يرمموا حياتهم على نحو آخر. وفي «أرض السياد»، أعادني إلى ميثولوجيا البدو، وإلى شخوص، أعرفهم جيداً، من دون أن أفكر يوماً، في قابليتهم للكتابة.
لست سليلاً لسرد العجيلي، لكنه اليوم يمنحني ألق الحكاية. فاللغة وبنية السرد والمجاز، تتحول هنا إلى عالم غرائبي ومعيوش في آن معاً، ومن دون حكاية، ليس في وسع الروائي والسارد عموماً، أن يقبض على أدواته، ويشكّل فضاءات مفتوحة على التخييل.
في مجمل أعماله، ظل العجيلي على مسافة من نصه، مثل أي حكواتي آخر، يروي حكايات الآخرين، من دون أن ينقصها التشويق، لكن حياء شرقياً متأصلاً في شخصيته، منعه من المجازفة في كشف أسرار مطبخ الحكاية. فضمير المتكلم، ظل نائماً في اللحظات الحرجة، وهو ما أحتاج اليه كقارئ لترميم أجزاء النص. وحتى حين قرر أن يكتب مذكراته، فقد ذهب إلى الضفة الأخرى، ذكريات أيام السياسة ويوميات جيش الانقاذ، كنوع من الحفاظ على هيبته البدوية، فيما يحتاج الأدب إلى مكاشفة وتوغل في المناطق العميقة في الذات.
ما يحسب للعجيلي، أنه حرث أرضاً بكراً في الكتابة، أرض الفرات المهملة، وأسرار الصحراء، ورائحة البداوة، مما أضفى بعداً سحرياً على شخوصه، هؤلاء الذين لم يتوقعوا يوماً ما، أنهم سيقفون على الخشبة، كأبطال بأصوات مسموعة.
وفي قصص صاحب «المغمورون» بلاغة عربية أصيلة، تمتح من معجم التراث، في تناص صريح، بين أمثولة الأمس وأمثولة اليوم، وكأنه «ستندال» من الشرق، يلتف بعباءة القيم الأصيلة. هكذا يمنح أدب الرحلة اهتماماً لافتاً، مثلما يعرج على تقنيات «المقامة»، لتأصيل حكاية عربية، لا تلتفت إلى تقنيات وافدة، إنما تجد في «سيرة عنترة» مثلاً ملاذاً لهواجسه الحكائية.
يصــــف العجيلي تشكلاته الأولى قائلاً: «وجدت في مكتـــبة قــــريب لأبي روايات جرجي زيدان فقرأتها كلها في طبـــــعتها الأولى، مع العقد الفريد وكتب تراثية أخرى.
كنـــت في طريقي بين منزل أهلي والمطحنة التي أقصدها في الصباح، أتعمد السير في الأزقة الشــعبية التي لا يراني فيها أحد، حتى أقرأ الكتاب الذي بيـــــدي وأنا أمشي، ثم أتم قراءته وأنا وراء القبان، أزن أكياس الطحين لزبائن المطحنة. من تلك القراءات كسبت ذخيرة من المعرفة وحباً للأدب ومحرضاً لخيال الصبي اليافع الذي كنته».
اليوم ربما علينا أن نعيد الاعتبار إلى ذلك الرف المنسي في المكتبة، ونستعيد ألق الحكاية النائمة التي كتبها أحد الرواد البارعين، ونرمم نصنا بما ينقصه من رائحة محلية، هي في المآل الأخير مقصد الكتابة ونهرها الجاري إلى ضفاف بعيدة.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow