ليس لأننا لا نعشق شعر الماغوط
2006-04-09
ليس لأننا لم نهتم، وليس لأننا لا نعشق شعر الماغوط، وليس لأننا جاحدين، لم نكتب عنه في ذات اليوم الذي توفي به الراحل الكبير محمد الماغوط، وإنما كانت رؤيتنا أننا لا نريد أن ندخل في منافسة مع الإعلام السوري الذي تجاهل الماغوط طيلة حياته، وتعامل معه دون أي اهتمام كما هي العادة مع مبدعي الوطن الكبار، فإعلام يتجاهلهم دائما، ويقدم عليهم الجهلة، والمعتدون على الإبداع، لأن القائمين على الإعلام جهلة ومعتدون على مناصبهم. انتظرنا مرور "الهيصة" المفتعلة. لنقدم عزاءنا بالراحل الكبير، ووجدنا في المادة المنشورة في كلنا شركاء مادة مناسبة لموقفنا مما جرى، السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الهدف من توجيه تعميم إلى جميع مسؤولي الدولة دون استثناء بالتوجه إلى السلمية والمشاركة في التعزية، والسير خلف الجنازة، ويبدو أن التعميم كان صارما بحيث لم يتخلف أحد منهم، رحمك اله يا محمد فكل أؤلئك الذي كنت تخاف منهم في حياتك، وتهرب من مواجهتم تبعوك إلى القبر لا ليجعلوك تشعر بالأمان وإنما لكي يتأكدوا من موت مشاغب أتعبهم كثيرا في حياته ويجعلوك تظل خائفا ومرعوبا منهم حتى في قبرك.
سحبان سواح
خبر وفاة محمد الماغوط يتفوق على أخبار (الحزب القائد)- أحمد الخليل
لأول مرة منذ دخول التلفزيون السوري إلى البيوت عام (1960) يتصدر نشرات الأخبار خبر موت أديب، بينما تتراجع أخبار الحزب الحاكم وأخبار الحكومة إلى المرتبة الثانية، الأمر الذي بدا ملفتا للمشاهد (أي مشاهد) ومدهشا في آن.
الشاعر الكبير محمد الماغوط وعلى مدى ثلاثة أيام (3-4-5 ) نيسان الجاري كان الخبر الرئيسي دون منازع على شاشات أقنية التلفزيون السوري الثلاث كما كان خبر وفاته خبرا أول في غالبية الصحف العربية والسورية بالطبع.
ولم يكن الخبر التلفزيوني خبرا عاديا عابرا وإنما خبرا مصورا ومدعوما بمقابلات وحوارات من الأرشيف وأغلفة كتبه.
ولم تقف كاميرا التلفزيون السوري على مشهد التجمع الحاشد أمام مشفى دار الشفاء بدمشق وإنما رافقت الجنازة والعزاء في السلمية (مسقط رأس الماغوط) مع ريبورتاجات وشهادات بالماغوط وشعره ومسرحه نقلتها الكاميرا لعدد كبير من الأدباء والمثقفين ولأقرباء وذوي الشاعر بُعيد الدفن.
محمد الماغوط (سجين المزة السابق) لم يدر بخلده يوما بأن خبر وفاته وجنازته سيتقدم أخبار الزعماء (والاستقبالات) وخاصة في نفس اليوم الذي احتفل به حزب البعث بذكرى تأسيسه (1947 ) حيث أقام حفل استقبال للمناسبة في جامعة دمشق.
لقد انتصر صاحب (الفرح ليس مهنتي) حيا وميتا على الساسة وتقدم البدوي الأحمر عليهم بضربة شعرية خالدة رغم كل ما حشدوه من أسلحة على مر العصور لقتل الشاعر (الأديب) فمجرد قلم وحبر وعذابات هي عدة شاعر كانت كفيلة بمواجهة كل أسلحة السلطان.
وبموازاة ذلك لم تبخل كاميرا التلفزيون السوري مع الكاتب والأديب الدكتور عبد السلام العجيلي الذي آثر مرافقة الماغوط إلى عالم الموت متخذا منه رفيقا وصديقا فمشهد الجنازتين (الماغوط والعجيلي) مساء يوم الأربعاء (5) نيسان تكرر في البرامج والنشرات الإخبارية عشرات المرات وبشكل موسع وبهذا التكريس أصبح الراحلين حديث الساعة في جلسات العامة وهذا الأمر نادر الحدوث إلا في الأحداث السياسية الكبيرة أو المصيرية.
مساء الأربعاء لمع اسمي سلمية والرقة كشهابين في الفضاء الرقمي والإعلامي لقد انتزع الأدب موقعه الأول وقذف بأصحاب الياقات من الساسة إلى خلفية المشهد فنافس بذلك مشاهد الدم والقتل والتفخيخ وتصريحات الزعماء ...لقد انتصر الجمال هذه المرة على القبح إعلاميا ومشهديا.
من موقع كلنا شركاء:
محمد الماغوط الراحل عن 72 سنة ... في آخر حديثٍ إلى «الحياة» لم يقرأه (2 من 2):
هنا تكمن أهمية الكرسيّ المتحرّك ... هم يقفون عند النشيد الوطني وأنا أجلس ...
لا أنتمي إلى طائفة بل إلى أرض الله ... أحب بيروت أكثر من دمشق ولا أدري لماذا
عبده وازن : الحياة 5/4/2006
الحوار الأخير الذي أجرته «الحياة» مع الشاعر محمد الماغوط الذي رحل أول من أمس من غير أن تتسنى له قراءته، يحمل ما يشبه وصايا أخيرة وأقوالاً وأفكاراً أدلى بها في شكل تلقائي على طريقته التي تجمع بين السخرية والحس المأسوي.
هنا الجزء الثانــي والأخير من الحـوار الـــذي تفــرّدت به «الحياة» وكانـــت أجرتــه معــه قبــل ثلاثــة أسابيــع في دبي لــدى تسلمـــه جائــزة العويــس.
في هذا الجزء يستعيد الماغوط ذكرياته الأليمة والجميلة متحدثاً عن الشعر والسياسة والمقهى والشارع...
- هل تعتبر انك صنعت نفسك بنفسك؟
- أجل، صنعت نفسي بنفسي ولم أكن في حاجة إلى أحد.
- لماذا لم تحاول أن تتعلم لغة أجنبية؟
- لم يهمني هذا الأمر. لم أتعلّم أي لغة أجنبية ولم أحاول طول حياتي. لا جَلَد لي على اللغة الأجنبية. إنني أحب الكسل والفوضى.
- أدونيس عاش ظروفك نفسها لكنه درس وتعلّم!
- أدونيس شاعر مجتهد.
- لكن قيمتك الشعرية تكمن في أنها آتية من صلب الحياة نفسها!
- ربما. أنا شاعر طالع من الحياة والتجربة وليس من الثقافة والكتب.
- هل قرأت كثيراً في حياتك؟
- لم أكن أقرأ كثيراً.
- هل هناك كتب أثّرت فيك مباشرة؟
- لا أذكر كتاباً بعينه. كافكا قرأته بالعربية. وكذلك رامبو. رامبو وفيرلين أحببتهما كثيراً. وهناك بودلير. لكنني قرأت لهم مختارات وليس دواوين بكاملها.
- وشعراء النهضة العربية؟
- هؤلاء لم أقرأهم كثيراً. اكتفيت بما درّسونا من قصائدهم في مدرسة القرية.
- والشعر العربي القديم؟
- قرأت بعضه. حتى المتنبي لم أقرأ ديوانه كاملاً. قصائد فقط. وكذلك العصر العباسي لم أقرأه كله. أحبّ أبا النواس. جبران قرأته كاملاً. وأحببت طه حسين.
- كيف تعلّمت أصول اللغة العربية؟
- في القرآن. تعلمت في القرآن اللغة العربية. وقوّة اللغة لدي آتية منه. لدي إحساس عميق باللغة. وكنت درست القواعد على شيخ المدرسة أيام المراهقة.
- سعيد عقل منحك جائزته في السبعينات!
- أجل، حصلت على جائزته وكانت قيمتها حينذاك ألف ليرة. وصرفتها بسرعة.
- لماذا اختارك سعيد عقل، هو الشاعر الذي يرفض قصيدة النثر؟
- قال عني سعيد أنني الشعر شخصاً. وقال انه أعطاني جائزته مع أنني لست لبنانياً، لأنني «مرسحي كبير».
- هل تحب شعره؟
- أحب سعيد عقل كثيراً مع أنه نقيضي. يكفي أن يقول: «مشوار جينا ع الدني مشوار».
- لك ذكريات مع الأخوين رحباني أيام بيروت!
- كتبت ثلاثة أرباع «المحطة» باللغة العامية ولم يهمني أن يضعوا اسمي. ومسرحيتي «المهرج» استوحوا منها مسرحية «ناس من ورق» وأعطوني ألف ليرة. المصاري كانت لها قيمة في تلك الأيام.
- هل كنت تشارك في لقاءات مجلة «شعر» أو ما يُسمى «خميس» المجلة؟
- أجل، كنت أشارك. لكنني كنت أضجر فأنسحب. لم تكن تهمني النظريات ولا الآراء النقدية. وفي بيت يوسف الخال كنت أنسحب إلى البراد وآكل، فيما النقاش حامٍ. إنني أكره الحركات الجماعية وأحب الوحدة.
- يقال دوماً إنك شاركت في ثورة مجلة «شعر» من خلال القصائد الجديدة التي كتبتها!
- من الممكن أنني شاركت في ثورة «شعر» ولكن لا أعرف كيف. وكنت أقرأ هذه المجلة وأشارك فيها.
- كنت على صداقة حينذاك مع أدونيس؟
- أجل، على رغم اختلافنا شعرياً. كل واحد لديه اجتهاداته الخاصة وانجازاته الخاصة. أدونيس شخص كريم. وعلى رغم كل ما حصل بيننا أظل أحبه. أما شعره فلا أحب منه سوى «أوراق في الريح» و «أغاني مهيار الدمشقي».
- ومن أحببت من شعراء مجلة «شعر»؟
- أنسي الحاج صديقي الدائم. أحب لديه رغبته في التخريب. وهذه موهبة. شوقي أبي شقرا أحبه كثيراً، أحب جوّه الطفولي ولغته الجديدة فعلاً. ومرة أحييت أنا وشوقي أمسية شعرية مشتركة في الجامعة الأميركية حضرها بدر شاكر السياب. كان شوقي يكتب حينذاك قصيدة التفعيلة، لكن صوته كان خفيضاً فيما كان صوتي ملعلعاً. وكان كلما وصل شوقي إلى القافية يمر القطار ويطغى صفيره عليها. وعندما انتهت الأمسية قال له السياب: «بطحك» الماغوط، فردّ شوقي: انه القطار.
- ونزار قباني؟
- أحبّه كثيراً في غزلياته. أما شعره السياسي فلا. أحب أيضاً بدوي الجبل. أحببته في مطلع حياتي وكذلك نديم محمد. ولكن كما قلت لك لم تكن قراءاتي كثيرة.
- لماذا لم تحاول أن تكتب قصيدة موزونة ومقفاة في مقتبل حياتك كما فعل شعراء كثيرون من المدرسة الحديثة؟
- لم أحاول أن أكتب قصيدة عمودية ولا موزونة. أنا غير مقتنع بالقصيدة العمودية. إنني شخص لجوج وتلقائي وسريع. وهمومي لم تكن تسمح لي بالبحث عن القافية. كنت هارباً وجائعاً ومتشرداً أبحث عن مخبأ أو ملجأ يؤويني. ولم يكن لدي وقت للقافية. (يشتم القافية).
- قصيدة النثر كانت قادرة أكثر على احتواء مأساتك؟
- أجل. وأنا اخترتها بالصدفة. وأحببتها حباً من أول نظرة وأول كرباج (يضحك). إنها طريقة في التعبير الشعري، طريقة بديعة.
- أصبحت خلال ديوانك الأول «حزن في ضوء القمر» أحد رواد هذه القصيدة ولكن من دون أن تدرك بعدها النظري!
- لم أعرف كيف أنظّر لقصيدة النثر. أنا كتبتها وأكتبها ولا يهمني البعد النظري. هناك من نظّر لقصيدة النثر من دون أن يكتبها.
- أنسي الحاج كان رفيقك في كتابة قصيدة النثر، لكن بينكما اختلافاً كبيراً. فأنسي جاءها من الحياة والثقافة في آن واحد. فما رأيك؟
- لا أحب أن أتكلم عن قصيدة النثر لدى أنسي. أحب شعره فقط.
- ألم يساورك أي شك في القصيدة الجديدة التي تكتبها؟
- لا. إنني أحترم أي قصيدة ولو كانت فاشلة. ولا أهزأ من أي قصيدة. أما خطب الرؤساء العرب فلا أحترمها ولو كانت صادقة وجدية. المرحلة كلها التي نعيشها الآن غير جدية.
- والحداثة كيف فهمتها؟
- كتبتها ولم أنظّر لها. وإذا قيل لي إنني شاعر حديث، فهذا لا يعني لي شيئاً. ما يهمني هو الشعر.
- وإذا قيل عنك أنك لست حديثاً؟
- لا يهمني. أنا شاعر حديث ولست تقليدياً. وأصلاً أنا لا أرد على الذين ينتقدونني. لم أحسد أحداً في حياتي. حتى عندما كنت في السجن لم أحسد أحداً. وأعتقد أن الذين يهاجمونني هم قلائل. وأتذكر ما قاله عني جوزف حرب: محمد الماغوط مثل فيروز لا أحد يختلف عليه. أحياناً أحزن من مقالات فيها تجنّ شخصي عليّ. هذا ما يحزنني فقط. التجني الشخصي أمر مقيت.
- أثرك الشعري بارز بوضوح في نتاج الكثر من الشعراء الجدد.
- هذا يفرحني. أمر جميل أن أجد أثر قصائدي لدى الشعراء الشباب. إنني أعطيت أكثر مما أخذت.
- كان هناك صراع في الستينات بين مجلة «شعر» ومجلة «الآداب». لماذا انحزت إلى «شعر» ولم تنشر في «الآداب»؟
- حاولت «الآداب» أن تساومني وطلبت مني أن أكتب قصيدة عن جمال عبد الناصر. وقال لي سهيل إدريس انه ينشرها في الصفحة الأولى. رفضت طبعاً. أنا أرفض المساومة في الشعر. عبد الناصر أحببته بعد رحيله. عندما كان حياً كتبت مقالات ضده في جريدة «الصدى العام» في دمشق.
- وماذا عن الوحدة المصرية – السورية حينذاك؟
- كانت هلاكاً لنا. وكنت ضدها.
- تكتب الكثير من المقالات لكنك لم تكتب مرة مقالة نقدية أدبية!
- لا أذكر إن كنت كتبت عن كتاب أعجبني. لكنني لم أكتب بتاتاً نقداً أدبياً. النقد هذا ليس مهنتي. وهو في رأيي تخريب. يقال إن المبدع عندما يفشل يتحول إلى النقد. هذا أمر لا يهمني.
- لكنك عملت في الصحافة الأدبية في جريدة «الخليج» الإماراتية.
- أجل كان ذلك خلال العامين 1981 و1982.
- هل تتذكر ماذا فعلت في هذه الصحافة؟
- حاولت أن أخلق في الصحافة الثقافية شيئاً جديداً. وأعتقد أنني نجحت في هذه التجربة القصيرة ولم أواصل العمل الصحافي لأنني مللت سريعاً. وأذكر انني كنت محاطاً بشعراء شباً في الإمارات ومنهم أحمد راشد ثاني.
- أنت الآن في الثانية والسبعين، هل فكرت في الموت يوماً؟ هل تخافه؟
- إحساسي بالحياة قوي، وذاكرتي قوية. لا أفكر في الموت بتاتاً. أعتبر الموت مثل الصديق، ألعب معه لعبة «الطاولة».
- هل تفكر بما وراء الموت مثل بعض الشعراء؟
- لا أعرف ماذا هناك بعد الموت.
- هل أنت مؤمن؟
- أجل، أنا مؤمن جداً. لكنني لا أصلي. لا أحب الشعائر. يكفي انني أكتب.
- هل تشعر بأنك تنتمي الى طائفة معينة؟
- لا، لا أحس انني أنتمي الى طائفة. إنني أنتمي الى أرض الله.
- هل تعتبر أن جسدك خانك؟ ماذا تقول عن خيانته لك؟
- دائماً كنت أعامل جسدي كعدو والجسد ينتقم من ثم. الجسد حقود كالبدوي ولا ينسى. تخونك يدك يوماً ثم رجلك ثم جسدك كله.
- والرغبة هل تخونك؟
- الرغبة تبقى في الروح.
- ماذا يعني لك الكرسي المتحرك الذي تتنقل به؟
- أحب الكرسي المتحرك. انه الآن صديقي. الكرسي المتحرك: هل هناك أجمل من هذه الصفة؟
- هل تشعر بالخجل إذا شاهدك أصدقاؤك على الكرسي هذا؟
- بتاتاً. لا أشعر بأي نقص ولا بأي خجل. أصبح الكرسي صديقي. مثل العصا التي أتوكأ عليها. وأنا لم أخجل من شيء في حياتي ولم أندم على شيء. أنا أقول الأشياء التي يخجل الآخرون ان يقولوها.
- في العام 1948 جئت الى دمشق آتياً من قريتك السلمية. كيف تستعــيد صـــورة هذا الفتى الذي كنته؟
- لا أستطيع أن أتذكر بوضوح ذلك الفتى الذي كنته. تعيساً كنت وفقيراً ومتشرداً. كنت هارباً دائماً، وهذا الهروب عشته فترة.
- هل عشت صدمة المدينة بعدما نزلت اليها من الريف؟
- لم تصدمني المدينة في المعنى السلبي عند انتقالي اليها. لا شيء يصدمني في العالم. أمي كانت مقهورة ولم يغلبها شيء. لكنني عشت حياة فيها الكثير من الفقر والقلق وعدم الأمان.
- يحتل المقهى جزءاً مهماً من حياتك ونصوصك وذاكرتك، ماذا يعني لك المقهى؟
- المقهى وطني غير المحتل.
- أي مقهى كان المفضل لديك؟
- أحببت مقهى أبو شفيق في دمشق كثيراً.
- وبقية المقاهي التي كنت تجلس فيها مثل مقهى «الشام» الذي كنا نراك فيه؟
- المقاهي تختلف بعضها عن بعض. ولكل مقهى جوه ووقته.
- هل أنت شاعر مقهى؟
- منذ شبابي أجلس في المقاهي. أحياناً كنت أكتب فيها. أحياناً أقرأ. أحياناً أضرب مواعيد غرام. أحياناً أجلس من دون أن أفعل شيئاً آخر. انني أحب فكرة المقهى.
- والشارع، ما قصة علاقتك به؟
- الشارع وطن أيضاً. الشارع سرير. حضن أم. عبّ جد. أحب الشارع أكثر من البيت. هذا الأمر كان أيام الشباب والصحة الآن أحب بيتي. البيت أصبح هو الوطن. لم يبق لي من العالم سوى هذا البيت.
- لكنك تعيش في البيت حالاً من العزلة! هل تتحمل مثل هذه العزلة؟
- أستطيع أن أعيش عشر سنين وحيداً، لا أكلم أحداً. إنني كائن يؤثر العزلة. بدءاً من الغروب أشعر بالكآبة وترافقني في المساء.
- أنت شاعر حزين! هل حاولت أن تكشف سر هذا الحزن لديك؟
- لا. لم أحاول. إذا بحثت عن جذور هذا الحزن فإنني أخرّبه.
- أي وقت هو الأنسب لديك للكتابة؟ الصباح؟ الليل؟
- لا وقت أستطيع أن أقول عنه إنه الأنسب للكتابة. أكتب عندما أكون في حاجة الى أن أكتب. أحياناً تخطر في بالي فكرة أو لمعة وأنا على الطريق، فأسجلها على الدفتر.
- ما الذي يحفزك على الكتابة؟
- حوافزي على الكتابة كثيرة. الظلم والقهر هما من أقوى هذه الحوافز. الحب. الألم. الحزن... طوال حرب حزيران لم تسقط دمعة من عيني. أغنية لفيروز أو نجاة أو عبد الحليم حافظ تبكيني.
- والنشيد الوطني؟
- لا يعني لي شيئاً ولا يهمني. عمري لم أسمع هذا النشيد الى آخره. هنا تكمن أهمية الكرسيّ المتحرّك. هم يقفون عند النشيد الوطني وأنا أجلس.
- عندما تنظر الى الشارع من نافذتك، هل تحنّ اليه؟
- كثيراً، لكنني لم أعد أخرج اليه. لم أعد قادراً على الخروج.
- مدينتان تحضران في شعرك وحياتك: دمشق وبيروت؟ ماذا عن علاقتك بهما؟
- أحبّ هاتين المدينتين. هما الوحيدتان في حياتي. أحبّ بيروت أكثر من دمشق ولا أدري لماذا. دمشق طردتني وبيروت استقبلتني، فتحت لي أبوابها كإنسان وشاعر. فتحت لي منابرها ومطابعها ومجلاتها. أثرت بيروت فيّ كثيراً كشاعر. بيروت كانت لي بمثابة الأم. كنت أحبّ مقاهيها وأرصفتها، وكذلك شارع الحمراء الذي كنت أمشي فيه. بيروت تعيش في قلبي. وما أقسى الذين شبّهوها بالعاهرة. هؤلاء لم يعرفوها. دمشق هي مدينة الذكريات أيام جئت فتى. أحب شوارعها وحاراتها. واليوم أشعر بالغربة فيها. انها تنام بين أوراقي.
- ماذا يعني لك الفرح الذي قلت انه ليس مهنتك؟
- لحظة الفرح لا تجعلني أكتب. ولكن في أحيان يكون الفرح جميلاً ولو عابراً.
- هل ما زلت تصرّ على أنك «حاجب على بوابة الحزن»؟
- أجل. هذه القصيدة أليمة حقاً.
- ماذا يعني لك الالتزام شعرياً؟
- أنا شاعر مقاومة ولكن ليس على طريقة الشعراء المنبريين الذين يصيحون ويصرخون. الشعر مقاومة.
والمقاوم يدخل في أي زاروب أو أي حارة ويخاطب الناس. وما لا أحققه من طريق الشعر أحققه من خلال المسرح أو المقالة أو السيناريو. انني أحبّ القارئ ولا أتاجر به. أحب دائماً أن أعطي لا أن آخذ.
- هل وجدت نفسك في المسرح مثلما وجدتها في الشعر؟
- أنا نفسي في الشعر والمسرح. وحتى في المقالة. ليس من اختلاف بين الشعر والمسرح ما دمت أعبّر عن همومي وأفكاري ومشاعري. أنا أكتب ولا همّ أن يكون ما أكتبه شعراً أو مسرحاً.
- هل شعرت يوماً بأنّك عاجز عن الكتابة؟
- لا مشكلة لدي مع الكتابة أو مع الورقة البيضاء. اذا لم يكن لديّ قدرة على الكتابة لا اقترب من الورقة. الكتابة تأتي وحدها، هكذا بلا مقدّمات.
- والقصيدة كيف تكتبها؟
- أكتبها دفعة واحدة، ثم اشتغل عليها. اختصرها، أضبطها، أضيف اليها. أحياناً تكون القصيدة صفحة فتصبح سطرين. وأحياناً تكون سطرين فتصبح قصيدة طويلة.
- هل شعرت يوماً بالملل من الكتابة؟
- لم أملّ من الكتابة في أي يوم. انها حياتي. وسأظل أكتب حتى آخر لحظة.
- هل تشعر أحياناً بأنّك تكرّر نفسك بين القصيدة والمقالة؟
- أنا لا أكرّر نفسي، ولكن لديّ ثوابت: الحرية، الخبز، الحبّ...
- هل ترمي نصوصاً لك لا تراها موفّقة؟
- لا أرمي أيّ نص. هناك، في أي نص شيء ما.
- هل تتابع ما يحصل في العالم.
- أجل أتابع ما يحصل من بعيد. نشرة الأخبار لا أكمل مشاهدتها الى النهاية. الخطب السياسية لا أتحمّلها. حتى مقالات المديح التي تكتب عنّي لا أقرأها كلّها.
- ما السبب؟
- ربما لأنني انسان ملول.
- والبرامج التلفزيونية؟
- قليلاً ما أشاهد التلفزيون. والمسلسلات لا أتابعها. حتى الدراما السورية لا أتابعها.
- أنت تحب الموسيقى؟
- كثيراً. عشت ثلاثين سنة و «الوكمان» على أذنيّ. أسمع الموسيقى ساعتين وثلاثاً يومياً. أحبّ بيتهوفن وشوبان وفاغنر وخاشادوريان والرحبانيين... وكنت أحب الربابة. وأسمع القرآن مجوّداً.
- الرقابة هل ما زلت تواجهها؟
- واجهتها كثيراً، حتى أصبح الرقيب في داخلي. لكنّ الرئيس حافظ الأسد قال لي مرة أكتب ما تشاء ولن يراقبك أحد.
- هل تأثرت لما يحصل في العراق؟
- كثيراً.
- ... وفي لبنان؟
- تألمت كثيراً للاغتيالات التي حصلت في لبنان. هذا أمر يصعب تصوّره.
- كيف تبدأ نهارك؟
- لا أعرف متى أصحو ولا متى أنام. نومي أصبح قليلاً. أغفو ثم أصحو ثم أغفو، حتى ليختلط عليّ النهار والليل.
- والوقت كيف يمضي؟
- أدعه يمضي وحده.
موت في ضوء القمر - سمير عطا الله : الشرق الأوسط 5/4/2006
ذات مرة جاء محمد الماغوط الى باريس. وذهبنا، الزميل شكري نصر الله وانا، لاستقباله في المطار. وقد كان يرتعب من جهله الفرنسية. رافقناه الى الفندق. وملأنا عنه استمارة الغرفة. وقررنا ان نودعه. لكنه استوقف شكري، قائلاً: «ارجوك. اتصلّ بالفندق غداً في العاشرة وقل لهم ان يحملوا الفطور الى غرفتي». وقال له شكري:«ولو، يا محمد، الا تعرف كيف ترفع السماعة وتقول، كافيه؟».
اجاب الماغوط: «طيب خيّو. رفعنا السماعة وقلنا كافيه. وقرر الموظف ان يخفف دمه ويقول: بونجور مسيو. ايه شو منجاوب؟».
حوَّل محمد الماغوط كل حزنه الشخصي الى سخرية وكل حزنه القومي الى غضب. كانت التجربة الجدية الوحيدة في حياته، الانضمام الى الحزب السوري القومي. ومع ذلك عندما سئل عن تجربته الحزبية قال:«لقد انضممت الى الحزب لكي آكل في الاجتماعات». وكان انتماؤه الى حركة «شعر» ابرز نشاطاته الجماعية، لكنه قال انه ذهب الى «شعر» لأن العشاء كان اطيب من «الآداب». وعن جهله باللغات قال «انا العربي الوحيد القادر على عدم ادعاء الثقافة وثقل دمها».
ولد في الحزن. وشبّ في السجن السياسي. وكان اجمل شعره «حزن في ضوء القمر». كان موهبة ادبية بلا حدود، وشخصية انطوائية، متشابكة، خائفة وحذرة بلا حدود. هرب من ضعف البشر ومن ضعفه واتخذ لنفسه كرسياً وطاولة في مقهى شامي بسيط. ومعهما امضى سنواته الاخيرة. ولم يكن الناس يأتون لمجالسته بل للتفرج عليه: نمر نادر في قفص مفتوح يتفرج وحيداً على سنوات الهرم.
وفي هذا القفص المفتوح كان يطلق شعلة العبقرية والحرية في كل صوب: المخابرات. والسجون. والأنظمة العربية. ولم يكف عن ذلك. فقد كان يعيش ويتصرف ويكتب على اساس ان سجّانه عابر بينما هو مجموعة دواوين في عين الشمس. كان نثره أنيساً وحاداً. وكان شعره حزيناً وانيساً ومؤلماً وفيه دوماً شيء من ضوء القمر ومن قسوة الطفولة المعدمة والحمقاء.
جرّب الصحافة فأسرته ففك أسره ومضى. وجرّب الهجرة فاضافت الى غربة نفسه غربة المكان، فودّعها وعاد. وكانت سنية زوجته، حبه الوحيد ففقدها، وتحولت غربته الذاتية وسجنه الماضي وفقره الدائم، الى منفى مغلق، تراه الناس من الخارج، وتصغي اليه من الخارج، والنمر داخل القفص المفتوح يرسل مذكرات توقيف واستجواب في حق كوكب الارض. وفي المساء ترجوه اشعة القمر ان يعفو، فيعفو ويغفو مثل طفل حلم طوال حياته بلعبة لم يرها وبسرير لم يسترقده. مات وهو على كرسي يحلم ويصغي الى سورة يوسف: قصة الاخوة والحسد ومكر المرأة العظيم.
محمد الماغوط - د. حسن مدن : الخليج الإماراتية 5/4/2006
قبل سنوات دعي محمد الماغوط لزيارة كندا بمناسبة صدور ترجمة لأشعاره فيها، ففضل تجاهل الدعوة ولبى دعوة أخرى أتته من النبطية، المدينة اللبنانية الجنوبية التي لا تبعد عن وطنه سوريا كثيرا. حين سألته مجلة عربية لماذا فعل ذلك وفضل النبطية على كندا، أجاب: “قيل لي إن في النبطية الكثير من الشهداء”، عندما دعوه قالوا له: تعال لترى مكاناً مرتفعاً. وكان الماغوط قد هتف مرة في احدى قصائده: “لا أرى في هذا الشرق مكانا مرتفعا لأنصب عليه راية استسلامي”.
الماغوط الناقم، الساخر، اللمّاح الذي قال مرة إن لا شيء يربكه مثل المديح مبدع لا يعرف سوى الكتابة، يتحاشى مجالس الأدباء ومقاهيهم لأنه يكره التنظير: “لا أحب أن أسمعه ولا أن أخوض فيه، لا أذكر انني جلست مع أدباء وتحدثت في الأدب، عالمي هو الكتابة، خارج دفاتري أضيع، إذا كان عندي رأي أفضِّل أن أكتبه على أن أحكيه”، كانت دفاتر الكتابة، إذاً، هي شاطئ الأمان بالنسبة اليه، والكتابة هي حصانته الأخيرة بوجه العسف واليأس والاحباط في عصر هو، برأيه، عصر ضد الموهبة، عصر لتفريغ العواطف لا شحنها.
في نهاية الخمسينات من القرن الماضي طلب منه يوسف الخال قصيدة لينشرها في مجلة “شعر”، ولم تكن لديه قصيدة جاهزة، لكنه قال للخال: غداً تكون عندك. على ماذا كان يراهن، وهو يقطع هذا الوعد على نفسه أمام يوسف الخال. هل لأن القصيدة كانت مستوية عنده، وبقي أن يضعها على دفتر الكتابة؟ لا نعلم، لكنه في ليلة واحدة كتب “حزن في ضوء القمر”، كانت تلك مفاجأة أذهلت الخال، أما القصيدة فغدت عنوان ديوانه الأول الذي صدر في عام 1959 عن مجلة “شعر” ذاتها.
بعد ذلك بسنوات، في عام ،1966 زار أنسي الحاج دمشق وراح يفتش عن الماغوط الذي غادر بيروت الى الشام. كان فضوله كبيرا ليرى ما إذا كان الماغوط في عنف ما كان وفي حدة ما كان يوم كان في بيروت، الجواب سيأتي على لسان الماغوط نفسه في حديث نشر له في عام 1999: “أشعر بأنني بعكازي في بلدي أقوى من كل صواريخ الأرض”.
كان قد قال، وهو في عز شبابه وسخطه: “أيها المخبرون، يا رجال الانتربول في كل مكان، عبثاً تبحثون عن الجريمة كاملة، فما من جريمة كاملة في هذا العصر، إلا أن يولد الإنسان عربياً”.
ويبلغ به النزق حد التهديد: “سأطلق الرصاص على حنجرتي”، ولكنه لم يفعل ما فعله خليل حاوي. لم يطلق الرصاص على حنجرته أو صدغه، ظل حياً، يراقب النبوءة التي أطلقها في الخمسينات، وهي تتحقق أمام مرأى عينيه كاملة: أيها العرب يا جبالاً من الطحين واللذة/ يا حقول الرصاص الأعمى/ تريدون قصيدة عن فلسطين؟”.
كأنه يكتب عن البارحة، قبل أن يغمض عينيه، ويرحل في هدوء، ليس بعيدا عن سجن مزة العسكري الذي خبر زنازينه الباردة في مطالع الشباب، وهو يفصح عن الروح المتمردة الناقمة التي لازمته حتى الرحيل.
بيت الماغوط يستقبل معزيه.. وجيرانه يجهلون أنه مات
في وداعه للصوت الذي أحبه كثيرا.. عبد الباسط عبد الصمد
ناظم مهنا وسعاد جروس : الشرق الأوسط 5/4/2006
كان كل شيء يبدو هادئاً واعتيادياً في البناية، التي عاش فيها محمد الماغوط سنوات طويلة، بعد ظهر أمس، فبعضهم لم يسمع بموته أو حتى تجاهلوا معرفة أنه يسكن في نفس البناية (الطابق الثالث بحي المزرعة). إذ لا يوجد نعي، ولا شيء يدل على رحيل هذا الشاعر الكبير في اليوم التالي لرحيله، رغم أن خبر موته تصدر الصحف والأخبار الفضائية والصفحات الثقافية. في بيت الماغوط أيضاً، كان كل شيء هادئا، بعد ظهر أمس. ثمة في غرفة الاستقبال الصغيرة لوحات رسمها فنانون للشاعر الراحل ولزوجته الشاعرة سنية صالح، وصورة لجمال عبد الناصر، وبعض اللوحات التشكيلية، كان بعض أقرباء الشاعر وقلة من أصدقائه، بينهم شابة وصلت للتو من مدينة اللاذقية، يتحدثون عن الماغوط وعن شعره وعن آخر لقاءاتهم به. السيدة فاطمة نظامي، بدت حزينة، وهي تتحدث عن آخر حوارات دارت بينها وبينه، قالت إن الماغوط سَّر لها مرة: عندما أقرأ شعري أستغرب كيف كتبته وأتعجب، ولكن لم يكن هذا طموحي فقط، كنت أرغب أن يكون لي جماعة شعرية.. وإنها قالت له: إنك أثرت بالكثيرين، وإن لك حضوراً في كل الأجيال. حين دخلوا عليه ظهر يوم الاثنين الماضي، كان ممدداً على الكنبة يمسك سماعة الهاتف بيد، وفي اليد الأخرى ترمدت السيجارة بين أصابعه، فيما شريط القرآن يدور في المسجلة. الكاتبة كوليت بهنا، كاتبة سيناريو مسلسل «حكايا الليل والنهار»، قالت إنها في الفترة الأخيرة جلبت للماغوط، أربعة أشرطة كاسيت للقرآن، كان قد طلبها، لكنه كان دائماً يفضل صوت عبد الباسط عبد الصمد. في الليلة الأخيرة قبيل وفاته، زارته فاطمة وأكدت أن وضعه الصحي لا يشي بأنه سيغادر عاجلاً، فالمرة الماضية التي ذهب فيها الى المشفى، كان وضعه سيئا جداًَ، لكن هذه المرة كان أفضل بكثير، ومزاجه كان مرتاحاً، وقالت: «سألني عن سلمية (قريته)، وإذا ما كانت تمطر هناك، وسألني عن عمي شحود نظامي، وطلب مني إعادة نكتة رويتها له، وعنه. وفي الأيام الأخيرة كان يسأل عن رفاق الطفولة، الذين كتب عنهم في «البدوي الأحمر» كتابه الأخير، ضمن نص بعنوان «دفتر تفقد».
الأحاديث التي كان يتجاذبها أبو شام، كما تحب أن تناديه فاطمة، كانت عن الشعر والثقافة، وفي الأيام الأخيرة كان يكثر الحديث عن نوادر جماعة مجلة شعر، وعن آراء يوسف الخال وسعيد عقل وغيرهم كثر.. صباح اليوم تودع دمشق شاعراً أحبها ومن شدة حبه لها هجاها وشتمها كعاشق غاضب.
تجاذب شرس على جثة الماغوط
( موقع الجمل ) : 5/4/2006
بدأ التنافس الشرس على تجاذب جثة الكاتب الكبير محمد الماغوط بعد ساعات قليلة من وفاته، ففي حين ركز الإعلام الرسمي السوري على حجم العناية والاهتمام الكبيرين بالراحل الكبير من قبل الدولة ورجالاتها، وغلّب الخبر الرسمي مناسبات تكريم الكاتب على أعماله، وكان إعلام المعارضة (الالكتروني غالباً) يجذب الجثة باتجاهه عبر تغليب الاهمال الرسمي له على إبداعه، لدرجة أن أحد مواقع المعارضة تحدث عن الاهمال الرسمي قبل أن يذكر خبر الوفاة.
وركزت بعض وسائل الإعلام على فكرة ذكرها أحد أقرباء الفقيد وهي أنه اعتاد في الأشهر الستة الأخيرة من حياته على سماع تسجيلات للقرآن الكريم، فيما ركز أحد المواقع اليسارية على عنوان أولي (لم يصدر) لكتابه سياف الزهور، وهو العنوان الذي جاء بديلاً لعنوان مقترح تم تبديله بالاتفاق مع الناشر مراعاة للرقابات العربية، وبدا الموقع خبره هكذا: (رحل صاحب ـ شرق عدن غرب الله ـ)
وفي حين استخدمت وسائل الإعلام الرسمية مفردات مثل: فقيد الأمة العربية، قيمة وطنية وفكرية، استخدمت مواقع المعارضة تعابير معاكسة تماماً.
فقد قال وزير الإعلام السوري الدكتور بلال: ان نتاج الماغوط الابداعي المتنوع في الصحافة والمسرح والشعر والسينما عكس صورة الواقع العربي بكل صدق وعمق وانتماء بهدف الوصول الى مستقبل عربي مشرق. حسب وكالة الانباء الرسمية.
وفي خبر لـ "أخبار الشرق الموقع الالكتروني المعارض والمحسوب على حركة الأخوان المسلمين" عن رحيل الشاعر والأديب الكبير محمد الماغوط جاء: "بعد صراع طويل مع المرض، وبعد عقود من الإهمال الرسمي الواضح الذي لم ينفه منحه وساماً من جانب الرئيس السوري بشار الأسد، توفي الشاعر والأديب السوري الكبير محمد الماغوط، عن عمر ناهز الثانية والسبعين عاماً".
ولا نعلم كيف يكون شاعر كبير مثل الماغوط قد أهمل رسمياً لعقود طويلة، وهو الذي كاد أن يكون الوحيد بين رفاقه الذي لم يغادر سوريا بعد عودته من لبنان بداية السبعينات، حيث لاقت مسرحياته وأفلامه الساخرة والناقدة رواجاً منقطع النظير، كما لم تغب مقاطعها عن شاشة التلفزيون السوري "الرسمي"، لغاية اليوم، كما كتب في الصحف الرسمية "تشرين" وملحق "لثورة الثقافي" وانقطع لفترة، وعاد منذ أكثر من سنتين لكتابة مقال أسبوعي لجريدة تشرين. ثم وناهيك عن كل ذلك، صرح في حوار أجراه معه أحمد علي الزين، أن رئاسة الجمهورية خصته براتب شهري، كما أقيمت له العديد من احتفالات التكريم في دمشق وفي بلدته السلمية، عدا منحه وسام الاستحقاق السوري. فإذا لم يكن كل هذا يندرج ضمن إطار الاهتمام الرسمي، فماذا يكون ؟
(الجمل) من جانبها لا تدافع عن الموقف الرسمي، ليس لشيء وإنما لأن هناك جحافل من المتطوعين للدفاع عنه، وهم أولى منها بذلك، وإنما هو دفاع عن المهنية، وعن شاعر نعرفه عن كثب وصديق عزيز وفقدانه يؤلمنا بقدر ما يؤلمنا استغلال هذه المناسبة الحزينة لبث دعاية سياسية. ففي حين يذكر الخبر أن الماغوط سجن عام 1955 في سجن المزة لانتمائه للحزب القومي السوري، لم يذكر أنه سجن أيضاً في لبنان عام 1962 بالتهمة ذاتها، قبل عودته إلى دمشق بداية السبعينيات، وعندما قدم مسرحية "ضيعة تشرين" ومن ثم "غربة" والنجاح الذي لاقته المسرحيتان، كان للرئيس الراحل حافظ الأسد موقفاً شهيراً، حيث وجه بضرورة الاهتمام بالفن لأن مسرحية جيدة أفضل من دبابة في المعركة، ومن حينها كان هناك اهتمام خاص بدريد لحام والماغوط، رغم مواقف الأخير التي اتسمت بالاستقلالية والجرأة وعدم المحاباة.
الماغوط لم يكن يوماً وحيداً ، سوى في أيام عزلته التي فرضها على نفسه حين مر في حالة اكتئاب نفسي، رفض خلالها التعاطي مع المحيط الخارجي، إلا أن منزله كان محجاً للأصدقاء والمثقفين والصحافيين، كما لم تمر مناسبة أو حالة مرض إلا وكان يزوره إما وزير الإعلام أو وزير الثقافة . حتى إن المثقفين راحوا يتندرون بالقول إن الوزيرين نعّموا الطريق إلى بيت الماغوط، وكأنه لم يعد هناك مثقفون غيره.
وإن شم القارئ رائحة دعاية سياسية في هذه الحقائق، فقد أجبرتنا لا موضوعية "أخبار الشرق" إلى هذا المقام، لنقول إن السوريين يستحقون معارضة نزيهة وموضوعية، وليس من المقبول أو المعقول أن تأتي المعارضة نسخة مشوهة عن إعلامنا الرسمي الذي طالع أرواحنا بقلة مهنيته.
واشنطن: الماغوط كان صوتاً مستقلاً للحرية
(ا ب) : 5/4/2006
عبّرت الولايات المتحدة عن اسفها أمس، لوفاة الشاعر والكاتب المسرحي والمفكر محمد الماغوط الذي رحل عن عمر 72 عاماً.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية آدم إيرلي: "كان الماغوط مفكراً مبدعاً وغير مساوم وصوتاً مستقلاً من أجل الحرية والعدالة في العالم العربي.. كان عمله وحياته شاهدين على قوة الفرد والروح المبتكرة". وقدم التعازي لعائلة الراحل والمعجبين به.
بيــان
نشطاء بلا حدود لرصد انتهاكات حقوق الإنسان
اليوم تودع سلمية أحد عظمائها وليس الأخير, حيث أن سلمية منذ الأزل تعطي لهذه الأمة وللعالم الفكر الجديد المبدع والخلاق ولن تصبح عاقراً, كما لم تكن أبداً رغم كل من حاولوا دائماً إزالتها من على هذه البسيطة من السلاطين والتتار, كانت سلمية تعود دائماً سيلاً من الفكر والابتكار وعصية على القهر والاندثار . سلمية عندما يوارى في حضنك مفكر من أبنائك تعطي من روحه جيلاً من المفكرين الكبار , ولهذا تبقين أبداً أم الكبار .
نودعك يا محمد الماغوط وندرك بأنك لست الأخير, ولم تكن الأول, هذه مدينتك تودعك وفي غياهب السجون أكثر من سلموني سجين رأي وفكر وربما يقاسي التعذيب كما قاسيته أنت زمناً, نرجو أن ترفرف روحك عليهم في زنازينهم وتخفف عنهم عذاب السجن وسطوة الجلاد
إلى الخلود يا محمد
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |