الاستشراق جنسياً لـ(أرفن جميل شك) – تقديم: ممدوح عدوان
ألف
2006-04-07
لم ينس تي إي لورانس، وهو يدون مذكراته عن منطقة الجزيرة العربية والشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى، في كتابه ‹أعمدة الحكمة السبعة›، أن يعرج على موضوعات لها علاقة بالجنس. فكان أن ذكر مسألة اعتقاله في درعا واعتداء الوالي العثماني عليه جنسياً.
لقد نفى الدكتور أحمد قدري في مذكراته صحة هذه الحكاية. حيث أن لورانس كان، في ذلك التاريخ الذي ذكره لورانس عن مغامرته تلك، في ناحية تدمر. ولم يكن في درعا.
ولكن، وسواء كانت القصة قد حدثت أم لم تحدث، فإن لورانس هنا كان ينسج لقرائه الغربيين على النول ذاته الذي ينسج عليه الغرب كليًا، بشكل عام، عند الحديث عن الشرق.
وإذا كان هذا الشرق، الآن، نبعًا للنفط، ومجالاً للمصالح الحيوية، فإنه كان طوال تاريخه امتدادًا لشهوة التوسع الغربي. وذلك مثلما كان الغرب امتداداً لشهوة التوسع الشرقية. ومنذ الإسكندر المكدوني(356-323 ق م) وهانيبال (247 - 183 ق م) لم يتوقف المد والجزر بين الشرق والغرب حتى يومنا هذا.
ومؤخراً فقط، أي منذ عدة قرون فقط، صار الشرق في العقل الغربي السائد، والذي روج له في كتب وأحداث، سنمر على بعضها، هو الشرق التركي.
وجميل أن يتعرض لهذا الموضوع كاتب تركي الأصل. هو إرفين جميل شك مؤلف هذا الكتاب. فهو الذي يقول في أول كلمات مقدمته عن هذه الطبعة العربية : « يُقال إنه مهما يكن الموضوع الذي يختاره المؤلفون فإنهم في النهاية يكتبون دائمًا عن أنفسهم. إن هذا بالتأكيد يصح على هذا الكتاب».
(.....)
وكما جادلت (ليزا لو) بإثارة ارتباط موجود سلفاً بين الشرقي والإيروتيكي، أمكن للنص الاستعماري أن يرمز إلى الاستشراق لكي يعبر عن الرغبة الإيروتيكية بالمعيار نفسه، فإن هذا النص يمكن أن يعبر عن الرغبة الجنسية تحديداً لكي يستحضر رؤية محددة للشرق، تنسجم مع المخططات الجيوسياسية الغربية الراهنة ولكن المتغيرة دوماً.
ونورد كمثال على هذه النقطة التعليق التالي الوارد في كتاب من أوائل القرن العشرين، تحت صورة فوتوغرافية تصور داخل بيت تركي برجوازي غربي المظهر، نموذجيًا تمامًا. يقول التعليق: » هذه الصورة التقطت على نحو معبّر لصحيفة لندنية«. وقد أعيدت إلى مصورها مع هذا الكلام : » الجمهور البريطاني لن يقبل هذه كصورة لحريم تركي «.
في الواقع، إن الأثاث الأوربي الأكثر أناقة للبيوت التركية لهو أكبر دليل. ومن الواضح أن وجود بركة في داخل البيت مع عدد كبير من النساء العاريات المتكئات على الوسائد وهن يدخنَّ النارجيلات كان أكثر انسجامًا مع آمال (الجمهور البريطاني) من بعض قطع الأثاث الأوربي الممل.
إنه، باختصار، عالم الحريم. فهذا العالم هو ما يلخص الجو (التركي) أو المسلم عموماً. وهذا الحريم هو التجمع النسوي المفترض في أي بيت (تركي). وكونه يشكل عالماً معزولاً عن عالم الرجال فإن المخيلة تنطلق إلى أقصى ما تريده في صور ما يمكن أن يكون فيه. إنها مخيلة الذكور المتلصصة.
وحين يكون الذكر أوربيًا فإن التلصص يتسع لمعاني إضافية. فالذكر الأوربي يعيد إنتاج نفسه بهذا التلصص على الحريم (حريم الآخرين).
(.....)
ولكن هذا كله يبقى تفريعًا عن الموضوع الأساس، وهو موضع الجنس في رحلات الاستشراق. فهناك منذ البدء تلك الرغبة لدى البحارة المعزولين في سفنهم ولفترات طويلة عن المدن و" النساء ". وهي التي أبرزت صورة حورية البحر. وهي التعبير الجنسي عن هواجس هؤلاء البحارة وهم في سفنهم. فهم يريدون امرأة بحرية، نصفها العلوي امرأة ذات صدر، ونصفها السفلي سمكة.
فالبحّار يحتاج إلى ما يملأ به لياليه المحرومة وهو في عرض البحر، ويحتاج أيضاً إلى إكساء هذه الصورة كساء واقعيًا لكي يكون لديه ما يحكيه وهو عائد إلى رفاقه وأهله. فاختلطت الأوهام بالأسطورة بالخرافة.
أليس علينا أن نسأل : لماذا كانت المغريات في الجزر، أمام أوليس مثلاً، كلها ممثلة في نساء ساحرات ؟ بينما المهدد بالقتل هو الرجال أو من يشبهونهم؟
7/2005
من منشورات دار قدمس