حوار مفتوح وصريح مع الدكتورة حنان قصاب حسن..
2008-08-12
الأوساط الثقافية تعتب على الأمانة العامة للاحتفالية عزلتها .. والأمانة تنفي وتوضح ما أنجزته...
وما هو قيد التحقيق.. وتعد بمفاجآت مذهلة
على مدى ساعة ونيف من الزمن، وفي مكتبها المفروش بأثاث بسيط لكنه ينم عن ذوق وأناقة رفيعين، كنت والزميل الصديق وليد اسعيد، نجلس قبالة الدكتورة حنان قصاب حسن، الأمينة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية للعام 2008، نطرح كل من زاوية مختلفة أسئلة يتناقلها الناس، وانتقادات يوجهها كل يوم المعنيون بالشأن الثقافي في سورية، والتي تتمحور حول فكرة انغلاق اللجنة المنظمة على نفسها، والتخطيط من برج عاجي، لجمهور من النخبة المخملية، إضافة إلى اضطلاع الاحتفالية بفعاليات أكبر من حجمها كاحتفالية، محدودة بزمن معين، مطلوب منها إيصال رسالة محددة للعالم تبرز الوجه الثقافي والحضاري لسورية.
فهل تمكنت الاحتفالية من أداء دورها كما كان مرجوا منها، أم أنها نأت فعلا عن الدور المرسوم لها، من خلال قيامها بدور المصلح السخي الذي يريد في سنة واحدة ترميم ما خربته أجيال عبر عشرات العقود؟
رغم كل ما قالته الدكتورة حنان، وما قيل وما سيقال حتى نهاية العام، كان ينقص المجلس الاستشاري خبير في الإعلام، وخبراء عالميون في فن التسويق الثقافي. لقد اصطدمت الاحتفالية منذ انطلاقتها مع وسائل الإعلام المحلية، ثم فتحت عليها أبواب النقد من كل الأوساط الثقافية.
في هذا الحوار الصريح والشفاف معها، تلمسنا عمق ما تفكر به هذه المرأة المثقفة جدا، المولعة بإعطاء أبسط الأفكار حقها من الدراسة والتحضير بهدوء، بغية تقديم أعمال تسهم في رفع مستوى الذائقة الثقافية لدى المتلقين، بأفضل ما يمكن شكلا ومضمونا.
لاينقصها الحماس، كما لاتنقصها العزيمة لتحقيق كل ما تصبو إليه. ما ينقصها فعلا هو الزمن الذي سيتخلى عنها بعد شهور خمسة، لتنتقل الراية إلى القدس، وتطوى صفحة من العمل والانجازات الثرية، كانت خلالها دمشق عاصمة للثقافة العربية طيلة العام 8200 فهل سيسجل التاريخ لمسات لعاصمة الأمويين، أول عاصمة للدولة العربية، يجعلها مجال تندر مقارنة مع بقية العواصم العربية.؟
دمشق، تستحق ذلك. بل أكثر من مجرد احتفالية كل ربع قرن.
* نسأل الدكتورة حنان إلى أين وصلت الاحتفالية وهي مقدمة على الشطر الثاني من العام
** الاحتفالية هي فعالية دورية، ونشاط وطني، وهي أيضا أول حدث يعكس الهوية السورية كمركز للفكر القومي والإشعاع الحضاري والثقافي.
ضمن هذه الخطوط الرئيسة وضعنا برنامج الاحتفالية للعام الحالي 2008. الهدف الثاني الذي وضعناه نصب أعيننا، هو الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة لبث حراك ثقافي من نوع آخر. صحيح أن هناك وزارة للثقافة، وهي المؤسسة السياسية الرسمية المعنية بالشأن الثقافي، إلا أن الاحتفالية تمثل الجانب غير الرسمي من العملية الثقافية الجارية الآن.
تواكب هذا الحدث مع رئاسة سورية للقمة العربية، الأمر الذي ألقى على الاحتفالية مسؤوليات جديدة. تناقشنا مع السيد رئيس الوزراء وسألناه عما يمكن لنا أن نفعله بهذا الخصوص، بشكل يتناغم مع الرئاسة السورية للقمة العربية.
لدينا مؤتمران كبيران في بداية شهر تشرين الثاني المقبل، واحد بمناسبة وعد بلفور والثاني مع الأستاذ جورج جبور، بمناسبة مرور أربعين عاما على رحيل الحصري.
عندنا مشاريع كبيرة أخرى لم نعلن عنها بعد، لأنها تحتاج إلى المزيد من الدراسة.
نفكر جديا بإطلاق موسوعة العالم العربي للثقافة، فيها رصد للمثقفين العرب والفعاليات والتوجهات الثقافية في كل بلد عربي.
* ألا ترون أن وقت الاحتفالية غير كاف لإطلاق مثل هذه المشروعات الكبرى؟
**هذا صحيح. لكن يكفي أن يطلق المشروع حتى يصبح واقعا، ونكون سورية هي مركزه الرئيسي.
هذا مع عدم إغفالنا للمحاور الرئيسة التي تهمنا، كالتوثيق الالكتروني للذاكرة العربية والتنمية المستدامة والتأهيل والتدريب للشباب.
لقد رصدنا موازنة لترميم الأفلام السينمائية القديمة بالتنسيق مع المؤسسة العامة للسينما، وكذلك سنفعل بالنسبة لأشرطة إذاعة دمشق التي تضم في أرشيفها أغنى الأشرطة على مستوى الإذاعات العربية وهي مهددة بالتلف إن لم يبادر أحد إلى ترميمها وحفظها. وقد يمتد هذا إلى أرشيف التلفزيون. وكذلك سوف نوثق آلات السينما القديمة، تما ما كما نوثق الذاكرة الشفوية في مقهى الروضة الآن.
قمنا بترميم لوحات في المتحف الوطني، وتم حفظها على اسطوانات. ثم انتقلنا إلى مستودع وزارة الثقافة للفن التشكيلي، وقمنا بترميم عشرات اللوحات المعطوبة. وأقمنا المعرض الأول الناجم عن عمليات الترميم تلك.
وعلى مستوى التوثيق، نعمل الآن مع الخط الحديدي الحجازي لتوثيق ذاكرة هذه المؤسسة، بمناسبة مرور مئة عام على قيام هذه المؤسسة العريقة. سوف نقيم معرض صور عن هذه المؤسسة.
نحن فريق عمل مؤلف من ثلاثين شخصا. معظمهم من جيل الشباب الذين يعملون بإخلاص وبأساليب مبتكرة. سوف افتتح في المعهد العالي للفنون المسرحية، قسما خاصا (ماستر) للإدارة الثقافية.
وفي مجال تقنيات العروض، قمنا بتأهيل عشرين طالبا، وافتتحنا لهذا الغرض شعبة جديدة في المعهد.
نعمل أيضا في مجال الأطفال. فقد أقمنا نادي القراءة للأطفال، بدأناه في المراكز الثقافية بجوبر ودوما وببيلا واليرموك ودمر، وأخيرا لمرضى السرطان في مشفى الأطفال. كل ذلك من أجل زرع حب القراءة في نفس الطفل، الذي يحضر ويمضي وبحوزته العديد من كتب الأطفال، المناسبة لعمره.
اتفقنا مع وزير التربية لتأهيل مكتبتين في حضانات دور الأطفال التي تقيمها الوزارة. وكذلك ثلاث مكتبات للأطفال في المراكز الثقافية. اشتغلنا كثيرا على مستوى البنية التحتية الثقافية.
هذا الصنف من العمل لايلفت انتباه الكثيرين على المدى القريب. لكنه سوف يظهر بعد مرور قليل من الزمن.
*أنت تؤسسين على المدى البعيد والاحتفالية تنتهي أواخر هذا العام. كيف ستتم المتابعة لكل هذه المشروعات فيما بعد؟
**قرار الاستمرارية والمتابعة ليس من عندنا. لكن أذكر بضرورة انشاء صندوق لدعم الثقافة. وقد أعددت دراسة بهذا الشأن، تشمل إشراك المجتمع الأهلي في العملية الثقافية، والسبونسر وكل القنوات الأخرى، إضافة إلى الدعم الحكومي الجيد للثقافة.
*ما هي أولويات عملكم للنصف الثاني من عمر الاحتفالية؟
**الأولوية بالنسبة لنا الآن هي تمويل تجديد مخطوطات المكتبة الظاهرية، قبل دعم أي عرض فني، ودعم مشروعات الشباب قبل الكبار، عبر منح إنتاجية، سوف ينتج عنها أول مسرحية وأول فيلم سينمائي وأفلام كرتون للأطفال في هذا الإطار. عملنا ورشات عمل للكتابة وكذلك مسابقات للكتابة الموجهة للأطفال، بهدف تحفيز التعبير الشفوي عند الأطفال.
*يؤخذ على الاحتفالية عدم التنسيق مع الجهات الأخرى المعنية بالشأن الثقافي، كاتحاد الكتاب، وغيره.
**نحن معنيون بالدرجة الأولى، بوزارة الثقافة، وقد نسقنا معها بشكل تام، وكذلك عبر المؤسسات التابعة لها، كمديرية المسارح، ومؤسسة السينما، والهيئة السورية للكتاب. عندنا مجموعة إصدارات كبيرة بالتعاون معهم، منها موسوعة الأدب في بلاد الشام، والسيرة الذاتية لعدد من الكتاب المهمين الذين تركوا بصمات واضحة.
نسقنا كذلك مع مجمع اللغة العربية، وسوف نصدر مخطوطتين، يجري تحقيقهما حاليا. ساهمنا ماليا بتمويل جزأين منهما. وسوف نصدر الجزء الخامس من مذكرات محمد كرد علي التي لم تنشر بعد.
لم يتم التنسيق مع اتحاد الكتاب العرب لكونه يتمتع بآلية نشر خاصة به، لم نر أي مبرر للمساهمة في تمويل أي مشروع منها.
أقمنا معرض المخطوطات، وسوف نقيم لاحقا معرضا للسيراميك وفق آليات عمل لم تتبع مسبقا في سورية. الأمر الذي سوف يتيح لاثنين من المتحف الوطني بالتدرب على التعامل مع هذه التحف الحساسة، وتكوين خبرات ومهارات لم تكن متوفرة من قبل.
سوف ننشر الأعمال الكاملة لشفيق جبري، بالتعاون مع مجمع اللغة العربية.
* الاحتفالية لها رسالة واضحة، هي إيصال الوجه الثقافي والحضاري لسورية، لجميع سكان العالم أينما وجدوا. هل تعتقدون أنكم أديتم هذا الدور وأوصلتم الرسالة على أكمل وجه؟
** كان عندنا طموح في أن ننشر إعلانات في الكثير من دول العالم، ومحطات التلفزة الكبرى. لكن تبين لنا أن ذلك مكلفا جدا، ويستنزف الكثير من ملايين الليرات، فعزفنا عن الفكرة، وملنا إلى دعوة إعلاميين لزيارة فعالياتنا من خلال استضافتهم، ليعودوا ويكتبوا أو يبثوا ما رأوا، لأن ذلك أقل كلفة بكثير.
وكان علينا في مقابل ذلك، أن نقوم بنشاطات تلفت انتباه الإعلاميين العرب والأجانب، لها خصوصيتها الجاذبة. وهكذا مثلا تناقلت ومعظم وكالات الأنباء خبر زيارة فيروز لدمشق وإحيائها حفلا في دار الأوبرا.
مهرجان موسيقا العالم أثار انتباه الصحفيين، وتناقلوا وقائعه عبر وسائط متعددة. وكذلك يتم التحضير لإطلاق السفينة الفينيقية، التي أظن أن الحدث المتعلق بها سوف يثير اهتمام العالم مع ما سيرافق عملية الإطلاق من عزف لأول نوطه موسيقية اكتشفت في أوغاريت، وتقديم حركة راقصة من تراث تلك المرحلة.
* يأخذ عليكم المثقفون في سورية، بأنكم تخططون من برج عاجي، وتخرجون بفعاليات موجهة لنخبة محدودة من الناس.
** هذه ملاحظة أطلقها أحد الأصدقاء عبر إحدى الصحف، متهما إيانا بأننا مقفلون على أنفسنا الأبواب ونخطط بالسر! وفي الواقع، لا أملك أن أقول إلا : إرضاء الناس غاية لاتدرك، فكيف بالمثقفين؟
ضغط العمل يفرض علينا الانزواء طويلا في مكاتبنا، لأننا نقوم بعمل إداري، يتطلب الكثير من التخطيط والمراسلات، والاتصالات. نحن لم نهمل جانبا من مكونات الثقافة إلا وناشدنا جانبا منه. البعض يعيب علينا استبعاده من اللجان المنظمة للاحتفالية. أنا لايلزمني شاعرا لإدارة مهرجان شعري، بقدر ما يلزمني شباب قادرون على إدارة المشروع وقيادته إلى نهايته. مكان الشاعر في لجان التحكيم فقط إن وجدت.
نحن نعمل من خلال مجلس استشاري يضم أهم خمسة أسماء من الوسط الثقافي في سورية. وهذا المجلس هو الذي يشرف على أعمال اللجان المتخصصة. المشكلة أن كل من لم تتاح له الفرصة ليكون بيننا، أخذ يطلق الانتقادات بحق ودون حق.
*مع ذلك هناك الكثير من الانتقادات التي وجهت لكم، وبعضها قد لايخلو من الصواب. فعالياتكم لم تصل لكل شرائح المجتمع. يقال بأنها موجهة للنخبة الثقافية وللطبقات المخملية فقط.
**أستغرب سماع مثل هذا الكلام. هل هذا رأيك؟ هل عندك اقتراحات تقدمها لي. سوف أتقبلها برحابة صدر. مع ذلك، سوف أذكر ببعض الفعاليات التي قمنا بها، وستحكم إن كانت موجهة لشرائح واسعة من المجتمع السوري أم لا. عندما نقدم عرضا مسرحيا للأطفال على مسرح دمر الصيفي، يحضره ألفا طفل مع ذويهم، ماذا يمكن تسمية هذا النشاط الثقافي؟ أهو موجه للنخبة؟
وعندما أقمنا احتفالية «شامنا فرجة» وتبعنا نحو ألف شخص في سوق ساروجة، من عامة الناس، هل يصنف هذا النشاط أيضا ضمن فئة العروض النخبوية؟
لقد طرحنا منذ البداية شعارا ينص على العمل لإيصال فعاليات الاحتفالية للناس أينما وجدوا. وهذا ما قمنا به حتى الآن.
*هناك حقائق على الأرض لاتخفي نفسها. بعض الذين زاروا الجزائر العام الماضي، أكدوا لنا بأن القادم إليها يشعر بمجرد أن تطأ قدماه أرض المطار، بحدث كبير، يرافقه حتى آخر شارع من شوارع المدينة، اسمه، «الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007» هذا ما لا يلاحظه الزائر لدمشق لافي المطار، ولا عبر البوابات الحدودية البرية، ولا حتى في شوارع العاصمة الرئيسة حتى الآن.
**تبتسم الدكتورة حنان، وتجيب بصوت خافت ورزين: لم أذهب للجزائر العام الماضي لأرى كيف أقاموا احتفاليتهم. مع ذلك أنا لست مع البهرجة الشعبية والطبل والزمر. نحن نحارب التلوث البصري في دمشق، فكيف يطلب منا أن نرفع لافتات في كل مكان؟
لقد قمنا بنشاطات راقية، وسوف نستمر بهذا الأسلوب الذي نراه مناسبا للذوق العام. يكفينا فخرا أننا أنجزنا خلال الشهور السبعة من عمر الاحتفالية فعاليات بمعدل نشاط كل يوم. وهذا عمل ما كان له أن ينجز لولا إخلاص الجميع وعملهم ضمن فريق واحد.
أجرى الحوار: سعيد هلال الشريفي : تشرين 9/8/2008
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |